يعتمر الراقصون قبعات ذات طراز غربي ويضعون سلاسل حول اعناقهم ويرتدون قمصانا فضفاضة ويتمايلون على انغام موسيقى الهيب هوب..هذا المشهد ليس في نيويورك بل في عاصمة زيمبابوي التي تعاني الفقر والاستبداد السياسي.
ففي وقت استراحة الغداء، يحتل راقصو فرقة "اليزيوم" الحديقة العامة في العاصمة هراري ليمارسوا تمارينهم اليومية، في رقصات مليئة بالحيوية التي تناقض الاجواء العامة في البلاد التي يطبعها التردي الاقتصادي والاستبداد السياسي والهجرة الواسعة.
وفيما يصعب التثبت من دقة البيانات الصادرة عن السلطات، يقدر خبراء ان زيمبابوي تعاني ازمة بطالة لم يسبق لها مثيل منذ العام 1968 تطال 80 % من السكان.
ملايين الشباب هاجروا من البلد منذ اقرار قانون الاصلاح الزراعي في العام 2000، والذي جعل حكومة روبرت موغابي تصادر مزارع يملكها البيض، الامر الذي ادى الى انهيار قطاع الزراعة وتضخم كبير يثقل كاهل الاقتصاد الوطني.
رغم كل ذلك، يجتمع عشرون راقصا من فرقة اليزيوم يوميا في حديقة هراري مقدمين للمارة والمتنزهين عرضا راقصا ممتعا.
هيذر غوبو البالغة من العمر 21 عاما هي احدى اعضاء هذه الفرقة، وقد انضمت اليها قبل اربعة اشهر اثر فقدانها عملها في مطعم للوجبات السريعة.
وترى هذه الشابة ان الرقص يساعدها على المحافظة على الامل بالمستقبل، حتى وان كانت عائلتها لا تحبذ ابدا هذا النشاط الجديد لديها.
وتقول لمراسل وكالة فرانس برس "لقد تعرضت للضرب وحبست في المنزل، كانت عائلتي ترغب في منعي من الذهاب الى التمارين".
تضيف "وصفوني بكل الاوصاف، لكني ارقص جيدا وقررت ان اواصل الرقص رغم كل شيء".
تعيش هيذر مع امها واشقائها الاربعة، وهي تحلم في متابعة دروسها الجامعية في الحقوق، لكن فقر عائلتها اثناها عن هذا الحلم، وجعلها تتنقل بين المهن الصغيرة، من نادلة الى عاملة تجميل.
يتقاضى اعضاء الفرقة بعض المال من عرض هنا او عرض هناك، ولاسيما حين يكون العرض في حفل لمؤسسة تجارية، لكن هذه المبالغ لا تكفي لتكون دخلا مستمرا.
الى جانب بعض المردود المالي، يشعر الراقصون ان نشاطهم هذا ينسيهم الاجواء السياسية في بلدهم الذي يحكمه منذ استقلاله في العام 1980 نظام روبرت موغابي البالغ من العمر اليوم 91 عاما.
- التحكم بالاحباطات -
يقول هيلاري تاندي شينونو الذي يدرب الفرقة "الرقص يجعلهم يعبرون، لقد عاش كثير منهم احباطات في حياتهم، الرقص يتيح لهم توجيه طاقتهم والتعبير عن الغضب".
ويضيف هذا المدرب الذي يصدر تعليماته بنبرة شبه عسكرية ويصفه تلاميذه الراقصون بانه "القائد العام" ان "الراقصين يتركون التمرين وهم في حالة تعب تجعلهم لا يفكرون بأي شيء آخر، فيذهبون الى منازلهم ويرتاحون بدل ان يتعاطوا المخدرات".
يقول الراقص مارلون ماغوندو البالغ 23 عاما ان فرقة اليزيوم "فتحت لي الابواب، كانت لدي صعوبات مالية في العام 2013، وفي ذلك الحين بدأت اتعامل مع الرقص بشكل جدي".
ويعمل هذا الشاب مغنيا ومدربا في ناد رياضي، وهو يرى ان "الوسيلة الوحيدة للصمود هي تنويع الاعمال والانشطة".
وجعلت الاوضاع الاقتصادية المتردية في هذا البلاد بعض الخبراء يطلقون على شباب زيمبابوي صفة "الجيل الضائع"، اذ ان الامل الوحيد امامهم هو ان يموت موغابي او ان يترك السلطة لتتحسن الاحوال.
ويقول بلوت ماكو مدير اكبر مهرجان للرقص في زيمبابوي "كثيرون من الشباب عاطلون عن العمل، سواء كانوا متعلمين ام لا، لذا يرى البعض في الرقص ملجأ لهم يهربون اليه من واقعهم".
ويرى ديفيس غوزا اكثر مخرجي البلاد شهرة ان فرق الرقص تعيد الى الاذهان ظاهرة الهيب هوب التي ظهرت تعبيرا عن فئة مهمشة من الشباب السود في الولايات المتحدة.
ويقول "في ظل الظروف الحالية وغياب فرص العمل، سنرى المزيد من الفرق التي تحاول الاحتراف، ربما سيؤدي ذلك الى ظهور مواهب".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر