استيقظت فتيات القرية الهندية قبل الفجر بوقت كاف للاستعداد من أجل يومهم الأول في العمل، في أحد مصانع الخياطة في مدينة بنغالور، عقب توظفيهن للمساعدة في تلبية الطلب العالمي المتزايد على الملابس الرخيصة.
وكانت الحكومة الهندية وضعت برنامج لتدريب عدد هائل من النساء الهنديات الريفيات، وذلك بعد أن أظهر استطلاع في عام 2012 أن 205 مليون امرأة تتراوح أعمارهن ما بين 15 و60 عامًا تقومن بالأعمال المنزلية فقط. وحذّر خبراء الاقتصاد من أن الهند لن تحقق أهدافها إذا لم يتم استغلال هؤلاء النساء في سوق العمل، مشيرين إلى أنه إذا تم توظيف الإناث على قدم المساواة مع الذكور في الهند فسيرتفع الناتج المحلي الإجمالي في البلاد بنسبة تصل إلى 27%.
ويعمل هذا البرنامج الذي حدث في بنغالور، ضد التيارات العميقة في الهند المبنية على التوجيهات المستقبلية الاشتراكية لغاندي، والتي تعتمد على اقتصاد صغير النطاق في القرى، كما أنه يصطدم بشكل مذهل مع الطريقة القديمة في الحياة والتي يتم فيها وضع الفتيات في عزلة حتى يمكن نقلهن إلى أسر أخرى عن طريق الزواج المدبر.
وتعدّ بنغالور هي المدينة الأولى التي تذهب إليها المتدربات الـ37، واللاتي كانت من بينهن الشقيقتان برابهاتي وشاشي داس القادمتان من إحدى القرى الريفية. وقالت الشقيقتان إنهما عندما ذهبوا إلى دور السينما، قام أعمامهم وأبنائهم بتشكيل سلسلة بشرية حولهن من أجل حمايتهن من أي تواصل مع الرجال الغرباء. وتشيران إلى أنهما من أوائل النساء غير المتزوجات اللاتي هاجرن من القرية إلى العمل.
وكل شيء بدأ في شهر آذار/مارس في ريف أوديشا عندما التقى اثنين من الأقارب على جانب الطريق، ووجد واحد منهم فرص عمل تابعة لوكالة تعاقدت معها الحكومة الهندية لتجنيد وتدريب الشابات في مصنع للملابس مقابل تقديم حوافز مالية تصل إلى 450 روبية، أي حوالي 6.75 دولارًا.
ووجد الرجل الثاني، هيمانت داس من قرية تدعى ايشواربور أن خطة الحكومة مغرية للغاية، فبعد شهرين من التدريب سيتم توظيف الفتيات في مصنع في بنغالور، وأنهم سيحصلن على الحد الأدنى القانوني للأجور وهو 7187 روبية شهريًا، أي حوالي 108 دولارًا، وهو ما يعد أكثر مما يحصل عليه آبائهم، إضافة أنه بعد ستة أشهر من وصولهن إلى بنغالور ستكون لدى الفتيات الحرية في العودة إلى ديارهن مرة أخرى إذا رغبن في ذلك.
ووزّع هيمانت في اليوم التالي كتيبات خاصة بالبرنامج الحكومي، ولكن رفضت 30 أسرة محلية على الأقل هذا الأمر، وقالت أحد الأمهات أن مغادرة الفتيات للقرية سيكون سببًا وراء اعتقاد البعض بأنهم فقدوا عفتهن. وتمتلك القرية خطة خاصة بهؤلاء النساء الشابات، فعند بلوغهن سن الرشد يتم نقل وصايتهن إلى أسرة أخرى. ويعدّ هذا النقل نهائي حيث أن الشابة لا تستطيع زيارة أهلها بعد الزواج من دون الحصول على إذن، وهذا الأمر يضعف العلاقات بين الفتاة وأسرتها.
وتخضع الفتاة لعائلتها الجديدة بعد الزواج، حيث أنها قبل أن يُسمح لها بتناول الطعام في الصباح يجب أن تقوم بتنظيف أقدام والدي زوجها ثم شرب الماء التي استخدمته في عملية التنظيف. ولم يهتم والد برابهاتي وشاشي، كارونا بكلام الناس ووافق على إرسال ابنتيه إلى العمل. وعقد شيوخ القرية اجتماعات طارئة مع كارونا لتحديد ما إذا كان هذا الأمر سيضر بسمعة المؤهلين للزواج من بناته أم لا، كما تعرضت زوجته، رادها راني لمضايقات من قبّل النساء.
وأصدر كارونا تعليمات لبناته من أجل الذهاب لرؤية العالم من حولهن، وأضاف "كانوا مترددين في الذهاب إلى أي مكان لأنهم كانوا خائفين قليلًا، ولكني قلت لهن أنه يجب عليهن الذهاب". وأخذت الشقيقتان حقيبة ملابسهما وجلسن مع 35 فتاة أخرى من أوديشا واللاتي ستذهبن ايضًا إلى البرنامج التدريبي في بنغالور بواسطة القطار.
وارتدت جميع الفتيات زي أرجواني ورمادي فضفاض، إضافة إلى بطاقات الهوية على رقابهن. وحاول أباء بعض الفتيات منعهن من مغادرة القرية في اللحظات الأخيرة، حيث قالت إحدى الفتيات التي تدعى بيبي أنها نجحت في الحصول على موافقة والدتها فقط بعد رفضها تناول الطعام لمدة يومين. وأضافت بيبي "أنهم يريدون مني أن اعود إلى المنزل، وأنا لن أعود إليه".
وعندما تحدثت بيبي عن عودتها في نهاية المطاف إلى الهند، قام شخص ما بتصحيح المعلومة لها وهذا مما جعلها تتطلع بشكل حاد وتتساءل "هل بنغالور في الهند؟". ويجب على الفتيات أن تنسى الكثير مما قد تعلموه في القرية. في إحدى الليالي عندما بدأت بيبي في تحضير وجبة العشاء، احتج العديد من الموجودات معها في الغرفة لأنها كانت حائضًا والتقاليد الطبقية تفرض أن الحائض يجب عليها أن تعيش في عزلة وتنام وحدها ولا تدخل المطبخ، خشية من أن تلوث الغذاء والماء. هذا الأمر أثار غضب بيبي حيث أن الحائض يُسمح لها بالعمل في المصنع، وهذا ما جعلهن يتفقن على أن قواعد الحيض لن يتم تنفيذها طوال فترة تواجدهن في بنغالور.
ويعتقد مساعد المدير العام للموارد البشرية في المصنع أن الفتيات جاءت إلى هنا من أجل خوض مغامرة فقط، مشيرًا إلى أن الفتيات ستعود للقرية إذا طلب والديهم ذلك. وبالفعل كان الرجل محق في ذلك، فبعد ستة أشهر عادت أكثر من نصف المتدربات إلى القرية واستمر 40% من الفتيات فقط لمدة تتجاوز العام.
وخططت شاشي للتواصل مع الشخص الذي تحبه من قرية مجاورة، حيث تركت المصنع في المساء وذهبت لشراء هاتف ذكي يصل سعره لأكثر من نصف ما تحصل عليه شهريًا لكي تستطيع التحدث مع حبيبها الذي أخبرها أنه سيرسل لها صورة عن طريق الإنترنت. وتستخدم شاشي "الفيسبوك" و"واتس اب" من أجل التواصل معه، وفي كل مرة يختلفان في أمر ما تقوم بمسح التطبيقات من هاتفها. وبعد فترة، طلب بعض الأهالي من الفتيات العودة إلى القرية مجددًا من أجل الزواج، ولكن كثير منهن رفضن حيث أن المدينة أصبحت جزءًا منهن.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر