باريس - مارينا منصف
أعلنت صحيفة لوباريزيان الفرنسية، التوقف عن إجراء استطلاعات الرأي في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الفرنسية، مع التركيز بدلا منها على التقارير من أرض الواقع لاستطلاع المزاج العام، وجاء القرار الذي لم يسبق له مثيل بعد شهور من المناقشات في غرفة الأخبار بعد تصويت بريطانيا لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي وانتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة وهي الأحداث التي أشعلت وسائل الإعلام، وتشير استطلاعات الرأي إلى المنافسة بين المرشح الجمهوري اليميني فرانسوا فيون واليمين المتطرف الذي تمثله ماريان لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية في الجولة الأخيرة من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، ويحرز المرشح الوسطي المستقل إيمانويل ماكرون بعض المكاسب فيما يثير اليساري المتشدد جين لوك ملينشون امتعاض ناخبي الحزب الاشتراكي، وبالتالي فليس هناك يقين بشأن من سيخوض جولة الإعادة النهائية.
وذكر ستيفان ألبوي رئيس تحرير صحيفة لوبريزيان، " بدلا من مجرد الحديث عما يعتبره البعض خطأ في استطلاعات الرأي قررنا العودة إلى جوهر مهنتنا"، فيما تعد جريدة Aujourd’hui en France من أكبر الصحف التي تستخدم استطلاعات الرأي السياسية والتي عادة ما تحتل صفحتها الأولى، وتابع ألبوي " أنا لا أهاجم استطلاعات الرأي، إنها لا تقم بوظيفتها بشكل سئ لكنها تقدم مجرد لقطة سريعة، ولكن تكم المشكلة في الطريقة التي تستخدمها بها وسائل الإعلام"، موضحا أنه يرغب أن تتوقف جريدته عن اتباع فكرة سباق الخيل بشأن المرشح في المرتبة الأولى مع الالتزام بتقديم تقارير أكثر عمقا عن المزاج العام ومنصات السياسة.
وأضاف ألوي "استطلاعات الرأي المكلف بها لن توفر على الجريدة عشرات الآلاف من اليورو"، مشيرًا إلى حرية صحيفة لوبريزيان في التعليق على استطلاعات وسائل الإعلام الأخرى، وتحظى فرنسا بأعلى معدلات لاستطلاعات الرأي السياسية في العالم، وكان هناك مئات من استطلاعات الرأي الوطنية الكبرى، ويتصدر واحدًا على الأقل يوميًا عناوين الصحف في العام الذي سبق الانتخابات، وحتى قبل النقاش الدولي الذي جرى بشأن الاعتماد المفرط لوسائل الإعلام على استطلاعات الرأي عقب قرار مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي والتصويت لترامب فضلا عن الانتخابات البريطانية 2015 والانتخابات الإسرائيلية تسائل المعلقون الفرنسيون عن إدمان وسائل الإعلام الوطنية لاستطلاعات الرأي.
وسخر بعض السياسيين الفرنسيين علنا من ثقافة استطلاعات الرأي حيث ذكر فيلون في خطابه للصحافة هذا الأسبوع " مرحبا بعدم إجراء استطلاعات الرأي، فربما يمكن استخلاص مزيد من المعلومات عند الاستماع إلى الفئة الصامتة التي تكافح على الهامش"، حيث كان ترتيبه منخفضا في نوفمبر/ تشرين الثاني كمرشح ثم بدأ في التصاعد بشكل كبير في استطلاعات الرأي في الأيام الأخيرة من الحملة قبل تأمين فوزا مذهلا، وساعده فوزه المفاجئ على تجسيد نفسه باعتباره خارج النظام على الرغم من أنه أمضى 5 سنوات رئيسا للوزراء وقضى عقودا في السياسة.
وكان لفرنسا لحظات حاسمة عندما تسائلت بشأن ملائمة استطلاعات الرأي، وبخاصة في انتخابات 2002 عندما أحدث جان ماري لوبان زلزالا سياسيا عن طريق طريق ضرب الاشتراكيين والوصول إلى الجولة النهائية، ولا زالت استطلاعات الرأي تؤثر على خيارات السياسيين بشأن ترشحهم للانتخابات، حيث قرر ماكرون وزير الاقتصاد السابق المنشق خوض الانتخابات مستقلا لرئاسة الجمهورية معتمدا على معدل شعبيته الجديدة، وفي عام 1995 تشجع رئيس الوزراء اليميني إدوارد يالادور على خوض الانتخابات الرئاسية بسبب نتيجته الجيدة في استطلاعات الرأي إلا أنه هُزم بواسطة زعيم حزبه جاك شيراك.
وذكر إيف ماري كان المدير السياسي لمجموعة استطلاع Elabe في باريس "تنشر فرنسا كمية هائلة من استطلاعات الرأي والتي لن تتوقف رغم قرار صحيفة لوباريزيان، ويعد الهدف من استطلاعات الرأي هو تسليط الضوء على النقاش العام، إنها مؤشر هام لكننا نقول أنها يجب آلا تكون المؤشر الوحيد، وعلى أرض الواقع تعد الصحافة أداة مهمة لكننا ينبغي أن نشاهد الصورة كاملة بما في ذلك ما يقال على الشبات الاجتماعية وما يقوله المعلقون"، ومع انفتاح السباق الانتخابي إلا أنه هناك أشياء يستحيل استطلاعها مثل السباق الاشتراكي لاختيار مرشحه، وربما تساهم المشاركة في المناظرات التليفزيونية في تغيير مواقف الناخبين، ويتنافس فيها رئيسا لوزراء السابق مانويل فالس ضد اثنين من اليساريين هما أرنولد مونتبورغ وبونيت هامون وفينسينت بيلون.
وترى بعض وسائل الإعلام المنافسة أن قرار صحيفة لوباريزيان يعتبر حيلة دعائية ومحاولة لخفض التكلفة، وأوضح رولاند كايرول المحلل السياسي " استطلاعات الرأي جزء من تقاليد الحملات السياسية الفرنسية، ولدينا سجل عالمي كبير في عدد استطلاعات الرأي التي ننتجها، هناك في فرنسا استطلاعات رأي دائما في الليالي التي تسبق الانتخابات وتساؤلات بشأنها حتى إن كانت الاستطلاعات صحيحة"، مشيرًا إلى اعتقاده بأن استطلاعات الرأي تعد أكثر فائدة من أي وقت مضى في المشهد السياسي الفرنسي وتلعب دورا ديمقراطيا مهما، مضيفا "لم يعتاد الناس على فكرة أن أرقام استطلاعات الرأي جزء من العلوم الاجتماعية وتحمل هامش خطأ، ويجب آلا تنظر إلى كل استطلاع رأي ولكن يجب النظر في منحي كل استطلاعات الرأي للحصول على فكرة، وتساعد استطلاعات الرأي الناخبين في تشكيل أفكارهم، ولا أعتقد أن الناس يصوتون بناء على استطلاعات الرأي لكني أعتقد أن العديد منهم يأخذون في الاعتبار هذه الاستطلاعات من حيث تأثيرها على تصويتهم، إنها تجعلهم استيراتيجيين ويتناسب ذلك مع فكرتي عن الديمقراطية".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر