دمشق - سانا
يقدم الفنان جورج ميرو في معرضه الذي أقيم بمقهى هيشون الثقافي في اللاذقية خمسين لوحة فنية من القياس الصغير يعبر جلها عن صور حياتية مستوحاة من مدينة الحسكة مسقط رأس الفنان وذلك باستخدام تقنيات فنية متنوعة وألوان تتناسب مع الموضوعات المطروحة ولاسيما ما يتصل منها بالصحراء والريف الجزراوي عموما.
ويشير ميرو في تصريح لسانا إلى أن الأعمال المعروضة تعبر عن الحسكة بكل تفاصيلها وفصولها المناخية والحياتية حيث أرض الوطن وسماؤه وماؤه وخيراته وهو ما يجب على كل فنان أن يقوم بتوصيفه بشكل دقيق كي يتمكن المتلقي من الوصول إلى بعض من احساس الفنان الحقيقي من خلال اللوحة وأن تحرك في داخله مشاعر تذكارية مرتبطة بمواقف وأمور معينة في حياة الإنسان قد تكون مفرحة أو محزنة.
ويرصد الفنان ميرو في لوحاته مختلف مناحي الحياة الاجتماعية في سورية فالأرض في لوحاته هي المرأة والأم والأخت والحبيبة والإبنة وهي الطفلة وحتى اللوحات التي تضمنت مشاهد الحصاد في الصيف حاول أن يضفي عليها شيئا من إحساس المزارع ذاته بعد الإنتهاء من عمله في الحصاد الذي يعني له كل الخير وربط اللوحات جميعها باحداث معينة.
ومن الناحية التقنية يوضح ميرو أن جمال الفن التشكيلي يكمن في جمالية اللون المستخدم ويضيف عادة ما أنزع إلى الألوان الترابية فهي الغالبة في لوحاتي وهي الأكثر استخداما لأنها تشد المتلقي إلى الأصالة فحضارتنا السورية والأثرية والتراثية وكل ما تمر به أرضنا السورية اليوم من أزمة تجبر الفنان على تشكيلها فنيا بتلك الألوان عبر قصة بصرية ورمزية بعيدا عن العناصر التزيينية في اللوحة لأنها تشتت الفكرة بينما البساطة والفطرية والعفوية هي أساس نجاح اللوحة جماليتها.
ويروي الفنان السوري حكايته مع الريشة فيقول إن ريشتي الفنية هي السكين فقط حيث استخدم الألوان الزيتية بطريقة البروز بعيدا عن سماكة اللون فالريشة تعطي اللوحة نوعا من الضبابية والقرب والبعد عبر مسح الألوان بينما السكين تعطي اللوحة كتلة واحدة دون مرونة واضحة فنشتغل على الكتل السميكة لتكون هي خلفية اللوحة وهنا تكمن قوة الفنان باللعب على الألوان باستخدام الوان متعددة وليس لون واحد ممدد.
ويسعى ميرو حاليا إلى الإشتغال على لون الزفت الزيتي الأسود المائل إلى الحمرة كي يحصل على اللون الحقيقي للطبيعة السورية في منطقة الجزيرة وذلك اعتمادا على قوة وضعف الضغط على السكين وشفراتها في تحديد الملامح الأخيرة للوحة ما يمنح اللوحة اللون الحقيقي المراد لها بشكل متفرد عن الفن التشكيلي التقليدي المعروف بقصد تطوير الحركة الفنية التشكيلية المعروفة لدى المتلقي وحتى لدى الفنانين ذاتهم.
ويؤكد ميرو أن اللوحة الحقيقية للفنان يجب أن تقدم ثقافته الواقعية بكل شفافية حتى أن استخدم في تكوين لوحته تقنيات وأساليب وأدوات وألوان غربية أوربية لكن البصمة المحلية الواقعية هي التي من المفروض عليه أن يعتمدها في تشكيل اللوحة مبينا أنه يسعى دائما إلى التعلم والإطلاع على ثقافات الغير إلى جانب ثقافته المحلية فكان كلما شارك في المعارض الأوروبية يلحظ أن نسبة الإقبال والحضور واقتناء اللوحات الشرقية والتي ترصد الواقع السوري هي الأكثر حضورا من بين اللوحات المعروضة فالفنان سفير بيئته وثقافته لأن الغرب يهوى الشمس والدفء والتراب والوجع والتعب ومحاكاة للطبيعة والمرأة بكل أبعادها وكل المظاهر التي قد يفتقدونها في بيئتهم.
ويعتبر ميرو أن وجوده في اللاذقية أتاح له فرصة الإطلاع عن كثب على التجربة الفنية في تلك المحافظة موضحا أنه على الفنان الساحلي أن يلتصق ببيئته البحرية أكثر من خلال رصد الفرح والمعاناة والخيرات عبر تكوينها في لوحات بحرية من وحي الساحل السوري دون الاعتماد فقط على رؤية جديدة أو لون محدد فهذا الأمر لا يكفي إنما عليه ربط الحالة الاجتماعية والإنسانية بالبيئة المحيطة به بشكل وثيق.
ويضيف يجب على الفنانين هنا عدم التمسك بلون وحيد كاللون الأزرق فهذا اللون ليس مقتصرا على البيئة الساحلية فقط رغم وجود البحر فيها إنما ينبغي عليه الاعتناء بتفاصيل جمالية بحرية أخرى تطبع لوحة الفنان الساحلي ببصمة مميزة لتحقيق الخصوصية الساحلية السورية والتي تمتلك عناصر فنية وفكرية وثقافية متميزة تستحق رصدها وتقديمها للآخرين فالفنان صاحب رسالة فنية بصرية تحيط به مؤثرات خارجية وداخلية اجتماعية وتقنية ولونية عليه الاستفادة منها بشكل يليق بقدراته وأفكاره.
ورغم ذلك لا يمكن للفنان أن يكبح خيال المتلقي كما ذكر ميرو فلكل طبعه وثقافته وبيئته المختلفة التي تعمل على تلقي فكرة اللوحة بطريقة قد تكون مختلفة أو مغايرة تماما للفكرة التي يريد الفنان توصيلها أو ربما قد تقارب تلك الافكار لذلك فإن عناصر اللوحة يجب أن تكون واضحة غير مموهة ضمانا لنجاح إيصال الفكرة إلى المتلقي.
وتجسدت البدايات الإبداعية للفنان ميرو في صورة موهبة فنية سعى إلى صقلها وتطويرها بالتدريب المستمر منطلقا من قاعدة فنية أساسية تقضي بأن المدرسة الواقعية هي الأقرب دائما إلى فكر ووجدان المتلقي المحلي والعالمي مهما تنوعت الأساليب والرؤى الحداثية إضافة إلى الإطلاع المتواصل على تجارب الفنانين السوريين من مختلف المحافظات.
وشارك ميرو بأكثر من عشرين معرضا في أوروبا وآسيا كلها حملت عنوان حضارة سورية فبدأ التنسيق بين الشرق والغرب وحمل في نفس الوقت اللوحات التي تتكلم عن بعض المحافظات إلى جانب المنطقة الشرقية في الجزيرة السورية التي تمتاز بجماليتها الفسيفسائية الاجتماعية حيث تلتقي مختلف الحضارات الكردية والآشورية والعربية الإسلامية والمسيحية في تلك المنطقة الخيرة.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر