القاهرة - المغرب اليوم
تبدأ حكايتنا اليوم بشكوى يعاني منها بعض المتزوجين خاصة المتزوجين حديثاً خلال شهر رمضان المبارك ، ألا و هي الشعور بانجذاب حميمي مفرط نحو شريك الحياة خلال الصيام ، و الذي يتطلب بطبيعته الإمتناع عن العلاقة الزوجية من الفجر و حتى المغرب ضمن العديد من التكليفات الدينية الأخرى التي لا يصح الصيام بدونها . ما هي أسباب هذه المشكلة ؟ و متى تكون أمر طبيعي و متى تكون جديرة بالانتباه الطبي ؟ و كيف يتعامل المتزوجون مع شركاء حياتهم خلال شهر الصيام الكريم ؟ كل هذه الأسئلة و أكثر سوف نجيب عليها في مقالنا هذا بإذن الله . – أسباب الرغبة الجنسية الزائدة في رمضان : يمكن تقسيم أسباب الرغبة الجنسية المفرطة في نهار رمضان إلى نوعين من الأسباب : أولاً : الأسباب التي تعتبر ضمن النطاق الطبيعي : – المتزوجين حديثاً . – ارتداء الزوجة لملابس ملفتة لانتباه الزوج خلال نهار رمضان . – مداعبة الزوج للزوجة بشكل مفرط خلال نهار رمضان . – اعتياد الزوجين على نمط معين من ممارسة العلاقة الزوجية في النهار . – تصادف عودة الزوج من سفر لمدة طويلة مع دخول شهر رمضان . * و هذه الأسباب تعتبر ضمن النطاق الطبيعي و غير مرضية مادام الزوجين قادرين على التحكم فيها ، و مادامت لا تؤثر على نمط حياتهم الطبيعي خلال رمضان . ثانياً : الأسباب التي تعتبر ضمن نطاق المشاكل النفسية : هناك نطاق من المشاكل النفسية المرتبطة بالجنس و التي قد تحدث للرجال أو النساء على السواء ، و ترتبط بالشعور باندفاع قوي نحو بعض السلوكيات المرتبطة بالجنس بشكل متكرر ، و تشمل : – إدمان الجنس . – الجنس النابع من سلوك مشتق من أمراض الوسواس القهري . – خلل في توازن بعض النواقل الكيميائية المنظمة للجهاز العصبي . * و رغم أن هذه الأسباب مازالت موضع نقاش في محافل خبراء الطب النفسي لتحديد المعايير الدقيقة للتشخيص ، إلا أن هذا لا ينفي وجودها بشكل مبدأي ، و تعريفها الأساسي مثل أي مشكلة نفسية هو أن السلوك الجنسي يصبح عائق لحياة الإنسان بشكل طبيعي ، كما يسبب للإنسان انعكاسات ضارة على المستوى الاجتماعي . – متى تصبح الرغبة الجنسية أثناء الصيام مشكلة ؟ 1 – عندما يكون هناك فشل متكرر في مقاومة الرغبة المندفعة نحو ممارسة الجنس . 2 – عندما تستمر ممارسة الجنس فترة أو معدل أطول من الذي انتوى الزوجين عليه في البداية بشكل مفرط. 3 – عند استمرار الشعور بالرغبة الجنسية رغم ممارسة العلاقة الزوجية . 4 – عند انشغال التفكير المفرط بالجنس و الطقوس و الرموز المرتبطة به . 5 – عند استمرار السلوك رغم الشعور المتكرر بتأنيب الضمير نتيجة كسر الصيام ، و رغم حدوث مشاكل اجتماعية و أسرية . 6 – عند انخفاض معدلات ممارسة الأنشطة الاجتماعية و التي يفترض بها الزيادة في شهر رمضان بسبب توجيه اغلب الوقت لمسالة ممارسة الجنس . 7 – عند الشعور بالقلق و التوتر و العصبية بسبب عدم قدرة الشخص على ممارسة الجنس وقتما يريد. – هل للأمر علاقة بإدمان الجنس ؟ في حالة وجود ثلاثة أو أكثر من هذه العوامل يعتبر الشخص سواء كان ذكر أو أنثى لديه مشكلة في التحكم في رغبته الجنسية بشكل ملائم و قد يحتاج لمراجعة نفسية متخصصة . – علامات الانتباه للمتزوجين في رمضان : هناك بعض العلامات التي يشير وجودها لدى احد الزوجين لاحتمالية وجود مشكلة لديه في التحكم في اندفاعاته و رغباته الجنسية ، و من هذه العلامات : 1 – الاعتياد على مشاهدة المواد الإباحية . 2 – السيطرة المبالغ فيها على مجريات العلاقة الزوجية . 3 – التقلبات المزاجية قبل و بعد ممارسة الجنس . 4 – المتطلبات العالية بخصوص العلاقة الزوجية . 5 – عدم التواصل مع الشريك بشكل كافي خلال العلاقة الزوجية . 6 – عدم الاهتمام الكافي بالإشباع العاطفي للطرف الآخر قبل و بعد العلاقة . 7 – إخفاء محتويات إباحية في المنزل أو مكان العمل . 8 – عدم الأمانة مع شريك الحياة . 9 – استعمال النكات ذات المضمون الجنسي بشكل مفرط . – التعامل مع مشكلة الرغبة الجنسية المفرطة خلال رمضان : أولاً : تعديلات نمط الحياة : * تشمل بعض الإرشادات العامة البسيطة التي تساعد الأشخاص الذين لم يتطور لديه الأمر ليصل لمرحلة المشكلة النفسية . 1 – تجنب المواقف التي تضع مخاطرة عالية للوقوع في المحظور أثناء الصيام . 2 – احترام الشريكين لطبيعة طقوس نهار رمضان الروحانية و عدم المبالغة في تحفيز الطرف الآخر . 3 – الإدراك الجيد لمسألة انه ليس من المفترض أن تختفي شهوات الإنسان خلال الصيام من تلقاء نفسها ، بل لا يحدث هذا إلا بمجاهدة الإنسان لنفسه و مقاومة رغباته ابتغاء مرضاة الله . 4 – الاندماج في مساعدة الزوجة في أعمال المنزل الكثيرة خلال نهار رمضان يساعد على توجيه الطاقة بشكل ايجابي كما يعزز الرابطة العاطفية بين الزوجين دون وقوع في أمر لا يتناسب مع الصيام . 5 – حسن تنظيم وقت مابعد الإفطار بين الواجبات العائلية و الاجتماعية و بين الأوقات الخاصة حتى لا يأتي احدهما على حساب الآخر . 6 – توجيه قدر من وقت نهار الصيام للصلاة و قراءة القرآن استغلالاً لفضل الشهر الكريم و ثوابه . 7 – تجنب مشاهدة المواد الإباحية التي تحفز الرغبة الجنسية أثناء الصيام . 8 – تجنب تعاطي المواد المخدرة و الكحوليات . 9 – صارح شريك حياتك بشعورك و شاركه معك في خطة التعامل مع الرغبة الجنسية الزائدة أثناء الصيام . ثانياً : العلاجات النفسية : * تستخدم هذه العلاجات مع الشخص الذي تمثل مشكلة الرغبة الجنسية المفرطة لديه مشكلة نفسية مرضية ذات ضرر على الحياة الاجتماعية الطبيعية للشخص ، و غالباً ما تكون غير مقتصرة على رمضان فقط ، و تتضمن بجانب تعديلات نمط الحياة السابق ذكرها بعد تقنيات العلاج النفسي . 1 – العلاج النفسي الديناميكي : و يتركز هذا النوع من العلاج على زيادة إدراك الإنسان لأفكاره اللاواعية ؛ مما يزيد من قدرته على توجيه انتباه و محفزاته الداخلية لقنوات صحية غير ضارة مثل الجنس المفرط . 2 – العلاج السلوكي الإدراكي : يتركز على تعديل السلوكيات الغير صحية من خلال إدراك المعتقدات الخاطئة لدى المريض و العمل على تعديلها و استبدالها بمعتقدات ايجابية تساعده على تغيير سلوكه السلبي . 3 – مجموعات العلاج النفسي : تتركز على فكرة مشاركة التجربة الإنسانية مع أشخاص يعانون من مشاكل مشابهة تحت إشراف طبيب نفسي متخصص . 4 – الاستشارات الزوجية : تتركز على الحصول على مساعدة طبيب متخصص في مشاكل العلاقات الزوجية ، و ميزة هذا النوع من العلاج أنه يتم بمشاركة الزوجين مما يسهل الوصول لآليات علاجية تتناسب مع الطرفين . ثالثاً : العلاجات الدوائية : * الفكرة الأساسية من استخدام العلاجات الدوائية لعلاج مشاكل إدمان الجنس المفرط هو العمل على الآليات المختلفة التي يفترض أن تشارك في تسلسل حدوث المرض . 1 – اختلال النواقل الكيميائية العصبية : – يتم التعامل مع هذا الافتراض من خلال تجربة بعض الأدوية التي تعمل على إعادة تنظيم مستويات النواقل العصبية المختلفة في المخ لتعود لتوازنها الطبيعي ، و يتم هذا تحت إشراف طبيب متخصص ، و يشمل أدوية مثل مضادات الاكتئاب من نوع مثبطات السيروتونين . 2 – الاضطرابات المزاجية النفسية : – يتم التعامل مع هذا الافتراض من خلال بعض الأدوية النفسية التي تستخدم في علاج حالات الاضطراب ثنائي القطبية ، و هو احد الأمراض النفسية التي تتسم بوجود تقلبات مزاجية دورية من السعادة المفرطة للاكتئاب الشديد ، و قد يصاحب بعض هذه الحالات مشكلة في التحكم في الرغبة الجنسية بشكل ملائم . 3 – الأدوية الهرمونية : – تتعامل هذه الأدوية مع الافتراض الذي يقول أن جزء كبير من مشكلة الرغبة الجنسية المفرطة يعود لاضطراب في توازن نسب الهرمونات الجنسية الطبيعية في الشخص سواء ذكر أو أنثى . – هل هناك أعشاب لتعديل الرغبة الجنسية ؟ 1 – حشيشة الملاك الصينية dong quai : – تشير التجارب على الحيوانات إلى تأثير هذه العشبة على مستويات الاستروجين –الهرمون الأنثوي- ، و لكن لا توجد أبحاث كافية بشأن تأثيرها المقابل على البشر . – يعتقد أن لهذه العشبة تأثير مساعد على تنظيم الرغبة الجنسية في السيدات سواء بزيادتها أو تقليلها ؛ حيث يعتقد أنها تعمل على إعادة التوازن الهرموني الذي يضمن مستويات طبيعية من الرغبة الجنسية . – البراهين الطبية الخاصة بفاعلية هذه العشبة غير كافية حتى الآن . – ينصح بعدم استخدامها في المرضعات و الحوامل . – ينصح بعدم استخدامها لفترات طويلة أو بكميات كبيرة . 2 – نبات الشزندرة Schisandra: – يعتقد أن لهذه النبتة دور في تنظيم وظائف الكبد الخاصة بتكسير الهرمونات المختلفة ؛ مما يساعد على استعادة توازن الهرمونات المنظمة للرغبة الجنسية في الرجال . – لا توجد أدلة علمية كافية على فاعلية هذه النبتة . – لا ينصح بتناوله للمصابين بمرض الصرع . – لا ينصح بتناوله للحوامل و المرضعات . 3 – البردقوش Marjoram : – يستمد البردقوش سمعته الأكبر ليس من الأدلة الطبية ، و لكن من الموروث الشعبي على مستوى العالم و الذي يتضمن العديد من الفوائد الخاصة بتنظيم الرغبة الجنسية من خلال البردقوش . – لا توجد أدلة طبية مؤكدة على فاعلية البردقوش في علاج مشاكل الرغبة الجنسية المفرطة . – لا ينصح بتناوله للحوامل و المرضعات . – لا ينصح بتناوله للأطفال . – لا ينصح بتناوله للمصابين بحساسية منه . و بشكل عام لا ينصح بتناول أي أعشاب مادامت الأمور ضمن القدرة على التحكم فيها بشكل طبيعي ، و في حالة تطور المشكلة لدرجة مرضية يكون من الضروري مراجعة طبيب نفسي لعمل تقييم شامل للحالة و وصف خطة علاج مناسبة للتفاصيل الفردية خاصة فيما يخص الجرعات . و هكذا أعزائنا القراء نكون قد أنهينا جولتنا فيما يخص شكوى بعض المتزوجين من معاناتهم مع الرغبة الجنسية الزائدة خلال الصيام ، و ما نرغب في التأكيد عليه في ختام حديثنا هو أن الأمر في نسبة 99% من الحالات يكون ضمن النطاق الطبيعي و لا يتطلب سوى مجاهدة النفس و حسن تقويمها لا أكثر حتى نتعود أن نسيطر على شهواتنا و رغباتنا الإنسانية ليس فقط في وقت الصيام و لكن أيضا في كل وقت يكون علينا فيه واجب أهم و أكبر من تلبية نداء رغباتنا الداخلية .