برلين ـ وكالات
رغم أن القانون يتيح العمل للمرأة المحجبة في ألمانيا، إلا أن بعض أرباب العمل يتخذون من الحجاب سببا لرفض التوظيف، واقع يفرض تحديات أمام الطالبات المحجبات اللائي يسعين إلى تحسين مستواهن المادي بالموازاة مع الدراسة.أمام أحد الأحياء الجامعية في قلب مدينة بون الألمانية، اتخذت طالبات جامعيات زاوية من مقهى الحي، يتبادلن أطراف الحديث تارة، ويراجعن دروسهن تارة أخرى. من بينهن فاطمة، هي طالبة مغربية تبلغ من العمر 24 عاما، قصدت ألمانيا قبل 3 سنوات لتدرس الاقتصاد وكلها أمل في تحصيل تكوين أفضل مما هو متاح لها في بلدها.وبالموازاة مع الدراسة تحاول الطالبة المغربية تطبيق معارفها من خلال تداريب صيفية وهو ما لا يتأتى بسهولة حسبما تقول بسبب ارتدائها الحجاب، ورغم ان حجابها"عصري" ولا يوحي بأي تشدد أو تطرف ديني. إلا أن فاطمة باتت مقتنعة بأنه السبب في عدم حصولها على تدريب أو عمل، وذلك بعدما تم رفض طلبها للتدريب في أكثر من شركة ألمانية. "كانوا يوافقون على طلبي الخطي، ويعجبون بسيرتي الذاتية، لكن بمجرد أن يروا شكلي يتراجعون في آخر لحظة، ولست أفهم لماذا". لماذا؟ سؤال تعجز فاطمة عن الإجابة عنه خاصة أنها في بلد يتيح لها الدراسة بالحجاب، كما أن تعامل الألمان معها في الجامعة أو الشارع لا يتأثر بمظهرها كما تقول.بجانب فاطمة كانت تجلس إسراء صديقتها المصرية، إسراء غير محجبة وتواجه مشاكل أقل من صديقتها في العمل لكنها "غير راضية بالعنصرية" التي تمنع صديقتها من العمل أيضا، تقول ل "لا فرق بيني و بينها، لدينا نفس المبادئ والتسامح وكلانا تريد تخفيف نفقات الدراسة عبر العمل لا أكثر، لا أعلم لماذا يعتقدون أن كل من ترتدي الحجاب متطرفة، إنها حرة في طريقة لباسها".إسراء تدرس أيضا الاقتصاد وتشتغل في نفس الوقت نادلة بمقهى في مدينة كولونيا، وتقول "أعتقد أن كل الأجانب قد يواجهون صعوبات في العمل أو مضايقات عنصرية لكن وضعي يبقى أفضل من صديقتي المحجبة". وتقول الشابة المغربية فاطمة، إن الطالبات المحجبات في ألمانيا يضطررن للعمل في وظائف لا تركز على المظهر الخارجي وخصوصا اللواتي يرتدين النقاب، "أعرف صديقات محجبات ومنقبات يشتغلن مثلا في مراكز اتصال لأن تواصلهن مع الزبناء لا يستوجب مواصفات معينة على مستوى الشكل". لكن فاطمة لا تجد في ذلك حلا لمشكلتها بل تعقيدا للموضوع "لا يعقل أن يتم حصرنا في أعمال دون أخرى فقط لأن شكلنا يخيفهم بينما إمكانياتنا و كفاءاتنا قد تكون أفضل من أخريات لا يضعن الحجاب، لا يعقل أن يصير المظهر معيارا للحكم على مستوى الشخص و إمكانياته".و تبقى هذه الممارسات محدودة إلى حد ما لأن القانون الألماني يمنع رفض التوظيف لأسباب دينية أوعرقية، فقبل بضعة أسابيع تمكنت شابة عراقية محجبة من كسب دعوى قضائية كانت رفعتها ضد طبيب أسنان ألماني في برلين رفض توظيفها بسبب رفضها خلع الحجاب، وقد تم تغريم الطبيب بأداء 1500 يورو. حكم لاقى ترحيبا في ألمانيا خصوصا من قبل الوكالة الألمانية لمكافحة التمييز والمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا. لكن خبرا كهذا لن يشجع فاطمة على التفاؤل كثيرا كما تقول، "لست هنا لأضيع سنوات دراستي في المحاكم من أجل الحصول على تدريب أو وظيفة، يجب تغيير العقليات، أما طريق المحاكم فلن أسلكها لأن ذلك سيعني إهمالي لدراستي". لكن الطالبة المحجبة تقول إن هذه المشكلة لا توجد في ألمانيا فقط بل في معظم الدول الأوروبية وفي بلدها أيضا، فرغم أن الدين الرسمي للدولة في المغرب هو الإسلام، إلا أنه يتم رفض توظيف المحجبات في بعض الوظائف كالقطاع البنكي والتلفزيون.ويقول يانتس ديكمان وهو محامي ألماني في مدينة بون، وخبير في قضايا الهجرة، وهو ايضا محامي في محكمة لاهاي الدولية، إن القانون الألماني لا يمنع أبدا ارتداء الحجاب أثناء العمل، "بل بالعكس من ذلك، فهو يعطي الحق لكل محجبة، تم رفضها رغم كفاءتها فقط لكونها تضع غطاء للرأس لأسباب دينية، في مقاضاة الشركة أو رب العمل لتعويضها عن الضرر الذي تسبب لها فيه". ويضيف ديكمان خلال حوار مع أن الحكم الذي صدر في حق الطبيب الألماني هو الأول من نوعه، وقد تمت الاستجابة لشكوى الفتاة المحجبة لأن تصرف الطبيب يتعارض مع مقتضيات القانون بخصوص معاملة كل الأديان بإنصاف.ومازال منع المدرسات المسلمات من ارتداء الحجاب في المؤسسات التعليمية يثير الجدل في ألمانيا حيث تعتبره محاكم ألمانية رمزا دينيا، شأنه شأن الصليب والعمامة اليهودية، يتعارض مع مبدأ الحياد و يهدد الوئام داخل المدرسة. بينما تعتبر هيئات دينية وحقوقية منعه تدخلا في الشأن الديني والشخصي للأفراد. ويعتبر منع التوظيف بسبب الحجاب واحد من أوجه التمييز التي جعلت المعهد الألماني لحقوق الإنسان يطلق مشروعا لتعزيز مبدأ التسامح، و تسهيل ظروف عمل الأجانب و محاربة التمييز ضدهم، من خلال دعم منظمات المجتمع المدني التي تسعى لمواجهة التمييز بكل أشكاله. وقد تم من أجل هذا الغرض نشر دليل إلكتروني يهدف إلى مساعدة أي شخص أجنبي يعيش في ألمانيا ويعاني من العنصرية أو التمييز بسبب جنسه أو دينه أو عرقه أو عمره أو إعاقته الجسديةويبدو أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها ألمانيا قد أرخت بظلالها أيضا على ظروف حياة المحجبات، فإن كان وضع الأجانب عموما تضرر فيما يتعلق بفرص العمل، فإن وضع المحجبات يبقى أسوأ وأكثر تعقيدا. وخصوصا في بعض المناطق من شرق ألمانيا التي تنتشر فيها مظاهر العنصرية والتمييز قياسا لمناطق أخرى من ألمانيا، مثل بون أو كولونيا أو هامبورغ. حول احتمال وجود دوافع عنصرية وراء هذه الممارسات، يقول يانتس ديكمان"من الصعب صراحة الحكم على مثل هذه الأمور و الإقرار بوجود علاقة بين رفض توظيف محجبة ودوافع عنصرية". ولكن ديكمان يلاحظ من خلال تجربته مع قانون الهجرة طيلة العشرين سنة الماضية، ان"الكثير من الألمان يحسون بعدم الأمان أو يتعاملون بتعقيد مع الأمر، مثلا طبيب ألماني لا يستقبل المرضى المسلمين، سيشعر بالحرج إن تم سؤاله من طرف زبنائه عن موظفة لديه ترتدي الحجاب، أعتقد أن الأمر يتعلق بالخوف وعدم الشعور بالأمان وليس بالعنصرية".وبخصوص حالة فاطمة، يقول الخبير القانوني الألماني "ربما تكون هذه الحالات قليلة لكنها تحدث"، والمشكلة برأي ديكمان، أن الشخص المعني عندما لا يحصل على تدريب أو منصب عمل، يمكنه أن يستفيد من تعويضات مالية عن طريق المحكمة، لكن هذا لا يتحقق دائما لأن صاحب العمل لا يقر دائما بالسبب الحقيقي وراء رفضه لتوظيفه، وهذا ما لا يعطي فرصة للشخص المتضرر للدفاع عن نفسه، كما يقول ديكمان مشددا على أهمية تصريح الشخص المعني بأن ارتداء الحجاب نابع من قناعات دينية، لأن القانون الألماني يحمي حق من يحملها في الحصول على عمل أو تدريب.