لندن - المغرب اليوم
رغم الثقة التي اكتسبتها طوال 7 عقود من العمل الصحفي المميز في أسلوبه، تتساقط فروع شجرة صحيفة "الحياة اللندنية" التي كانت راسخة في أعماق الصحافة والإعلام، فبعد أن أغلقت الصحيفة مكاتبها في لندن ولبنان، تُعرض للبيع في مزاد علني في بيروت، بينما تحتضر فروعها في السعودية والإمارات، وتكمن الأزمات المالية المتتالية والاعتصامات والإضرابات من قِبل العاملين فيها وراء تدهورها.
أصدرت دائرة التنفيذ في بيروت قراراً ببيع رخصة جريدة «الحياة» في بيروت بالمزاد العلني، بناءً على الدعوى المرفوعة على إدارتها من الموظف السابق في «الحياة»، عماد لمع، والتي أدت إلى صدور قرار من مجلس العمل التحكيمي في بيروت بإلزام المدعى عليها، بدفع مبلغ 386 ألف دولار أميركي للمدّعي، عبارة عن غرامة إكراهية، بعد صرفه تعسفياً.
وحُدِّدت قيمة الرخصة بـ 350 ألف دولار أميركي، على أن يُصار إلى تنفيذ البيع بالمزاد العلني يوم 21/6/2019. وسبق أن أعلنت دائرة التنفيذ قرار بيع «الحياة» بالمزاد العلني في أيلول عام 2018، إلا أن وساطة بين المدعي والمدعى عليها أدت إلى إرجاء تنفيذ القرار.
إضرابات بلا جدوى
وشهدت أبواب الجريدة في بيروت، إضراب مفتوح بدأه متسكتبو "دار الحياة"، استمر لأسابيع من دون أن تؤدّي هذه الخطوة إلى أيّ تحسّن أو خطوات إيجابية، بل على العكس، فالقائمون على الدار السعودية أداروا "الأذن الصماء".
ففي آخر التطورات أنّ المستكتبين أقفلت في وجوههم جميع الأبواب للحصول على مستحقاتهم المالية المتراكمة منذ نحو خمسة أشهر، وبدأوا البحث فعلياً في تفعيل الدعاوى التي رفعوها سابقاً أمام "مجلس العمل التحكيمي"..
تلك الدعاوى رفعها موظفو "الحياة" في الشتاء الماضي ثم تنازلوا عنها في يونيو الماضي مع إقفال مكتب بيروت، بعدما اتفقوا مع الإدارة على فتح صفحة عمل جديدة ودفعت معاشاتهم المتراكمة سابقاً، لكن مع تكرار السيناريو نفسه في قضية دفع المستحقات، يجري الكلام اليوم عن ذهاب الموظفين مرة أخرى نحو القضاء لتحريك الدعاوى.
أقرأ أيضا :
أهم وأبرز إهتمامات الصحف اللبنانية الصادرة الجمعة
في حين تحدثت مصادر في تقارير إعلامية، إلى أن الوضع المتأزّم وصل إلى مكتب دار الحياة في دبي حيث لم يتقاض الموظفون هناك معاشاتهم منذ شهرين تقريباً، لذلك بدأت مطالبات مصروفي دبي تتفاعل، خاصة أن اجتماعاً عقد قبل أسبوعين تقريباً ضمّ إبراهيم بادي الرئيس التنفيذي لـ«الحياة»، طالباً من الموظفين التحلي بالصبر لأن الأمور متجهة نحو الحلحلة.
وكانت مصادر عليا للصحيفة أعلنت عن أنه "لا جديد يسمح بتوقع مخارج من الأزمة قريبًا على رغم استمرار الاتصالات بين الفرقاء".
أزمات مالية لازالت تلوح في الأفق
توقع مراقبون من قبل أن تنفجر الأمور في كواليس دار الحياة، وتتوقّف الجريدة عن الصدور في السعودية والإمارات (تحت شعار الطبعة الدولية)، فكل المؤشرات كانت تدلّ على أن ملفّ الدار السعودية التي يملكها خالد بن سلطان، كانت تتجه نحو التأزّم بعد مرور خمسة أشهر على عدم حصول المستكتبين على مستحقاتهم المالية.
الأزمة تفاقمت قبل عام تقريباً، عندما أُعلن عن إقفال الدار في بيروت في يونيو الماضي إثر الأزمة المالية التي عصفت بها، وبالفعل، أغلقت الدار في الصيف الماضي ودفعت بعض التعويضات للموظفين، ولكن الأمور لم تتوقّف هنا، اتفق القائمون على الدار (شفهياً) مع مجموعة من الموظفين في بيروت على بقائهم في عملهم كمستكتبين، لتكون المفاجأة بعدم حصولهم على مستحقاتهم.
في حين، قرأ آخرون الخطوة بأنّها قرار ضمني بإيقاف العدد الإماراتي، مع التركيز على العدد السعودي لأنّه مدعوم مادياً من قبل السلطات السعودية، مع العلم أن الرئيس التنفيذي لـ«دار الحياة» إبراهيم بادي سافر إلى الرياض مؤخرا، على أن يعقد اتفاقاً مع القائمين على «الحياة» هناك ويتوصل إلى اتفاق نهائي: إمّا الإغلاق التام للورقي أو دفع المستحقات وفتح صفحة جديدة. في المقابل، صدر عدد «الحياة» بطبعته السعودية قبل يومين، لكن بصفحات أقل من الأيام العادية.
وتنقسم الآراء حول الأسباب التي أدّت إلى تفاقم الأزمة، مع العلم أنه حُكي في الفترة الأخيرة عن عملية بيع أسهم دار الحياة إلى الشركة الدولية للاستثمارات الإعلامية التي يملكها الإماراتي منصور بن زايد آل نهيان..
تلك الأخبار توقّفت فجأة وسط كلام عن تعثّر المفاوضات لوجود "كيديات سياسية" بين خالد بن سلطان وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وفق مصادر تحدثت في تقارير إخبارية.
في السياق نفسه، يلفت بعضهم إلى أن صحيفة الحياة الورقية وصلت إلى نهايتها المأساوية، وبات الكلام عن توقف العدد اليومي السعودي والإماراتي قاب قوسين.
وقالت مصادر أخرى، إن مفاوضات بدأت منذ أشهر بين إدارة الصحيفة ومسؤولين في دولة الإمارات العربية المتحدة، لشراء «الحياة». وفي آخر جولة تفاوض أوشك الطرفان على عقد صفقة، لكن اتصالا جاء من الرياض أوقف كل شيء، إذ هاتف وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود، المسؤولين الإماراتيين المعنيين بالتفاوض، وأعلمهم برغبة المملكة بالمشاركة في الصفقة، بدون إيضاح تفاصيل المشاركة.
حِيلة سعودية لاستمرار الجريدة
يذكر أنه في أغسطس من العام الجاري، لم يُغلق ملفّ دار الحياة بعد، مع العلم بأنّها ودّعت بيروت نهاية يونيو الماضي. فمع إقفال أبوابها في العاصمة اللبنانية، تعاقدت الدار السعودية مع مجموعة من موظّفيها من مكتب بيروت، ويبلغ عددهم نحو 30 موزّعين بين صحافيين وتقنيين، تسلّم هؤلاء مهامهم من منزلهم، لإصدار العددَيْن الخليجيَيْن، الإماراتي والسعودي، إضافة إلى مواد الموقع الإلكتروني للصحيفة.
وعقد القائمون على الدار التي تأسّست عام 1988 في لندن ثم انتقلت إلى لبنان العام 2000، اجتماعاً مع الموظفين طالبين من بعضهم الاستمرار في مزاولة أعمالهم من منازلهم.
عندها، وافقت مجموعة منهم على الأمر، على الرغم من حصولهم على ثلاثة رواتب مستحقة سابقاً فقط، من دون أي تعويضات على غرار بقية زملائهم (الذين لم يوافقوا على العرض). كما كان هناك اتفاق بينهم وبين الإدارة على أن تفتح الأخيرة صفحة جديدة معهم، تمهيداً لحصولهم على رواتبهم الشهرية بشكل طبيعي، وبأنّ الأمور ستسير في الاتجاه الصحيح.
هذه الخطوة، كانت أشبه بـ "حيلة" اتبعتها المؤسسة السعودية، لكي تبقى أعمالها مستمرّة، بسبب حاجتها إلى فريق عمل يُصدر العددين السعودي والإماراتي. خصوصاً أنّ مكتب «الحياة» في دبي ليس قادراً على إصدار الطبعتَيْن المذكورتَيْن، ويواجه أيضاً مشاكل مادية أدّت إلى الاستغناء عن عدد لا بأس به من الموظفين. لكن تلك الوعود بقيت حبراً على ورق، ولم تدخل حيّز التنفيذ أبداً.
تاريخ عريق رسّخ مهنيتها
يذكر أن صحيفة الحياة الواسعة الانتشار في العالم العربي وبلدان الاغتراب، تأسست في بيروت في العام 1946 على يد الصحافي كامل مروة الذي كان يعد من أبرز رواد الصحافة اللبنانية والعربية قبل أن يتم اغتياله داخل مكتبه في العام 1966. وأقفلت الصحيفة أبوابها في بيروت في العام 1976، بعد عام من اندلاع الحرب الأهلية في لبنان (1975-1999).
في العام 1988، انطلقت "دار الحياة" في لندن، وباتت بعد عامين ملكاً للأمير السعودي خالد بن سلطان. وتميزت "الحياة" منذ عودتها إلى الصدور في (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص، وفي مطلع 2005، شهدت "الحياة" ولادة طبعتها السعودية واتخذت من الرياض مقراً لها.
وعلى مدى عقود، شكلت صحيفة "الحياة" التي اتخذت من لندن مقراً رئيسياً لها، منبراً لأبرز الكتاب والمثقفين العرب، وعملت فيها نخبة من الصحافيين اللبنانيين والعرب. واتسمت بتوجهها الليبرالي العام وبتنوع خلفيات كتابها.
ودأبت الصحيفة خلال العقود الماضية على إصدار نسختين، الأولى دولية انطلاقاً من بيروت وتوزع في أنحاء العالم والثانية سعودية محلية.
وقد يهمك أيضاً :