الرئيسية » عالم الثقافة والفنون
الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي جورج لاباساد

الصويرة - وم ع

إذا كانت الصويرة المغربية من بين المدن القليلة التي تزدهر بتراثها الثقافي فإن الفضل في ذلك يرجع إلى رجال شغوفين آمنوا بمؤهلاتها حتى في وقت كانت تعيش فيه على الهامش، متقوقعة على ذاتها، ومن بين هؤلاء الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي جورج لاباساد، الذي خصص حيّزًا مهمًا من حياته لتسليط الضوء على الكنوز التي تزخر بها مدينة الأليزي. لاباساد، الذي وُلِد في 10 أيار/ مايو 1924، في آربو (جنوب فرنسا)، ارتبط بعلاقة مثمرة مع مدينة الصويرة دامت حوالي 20 سنة، وذلك منذ اليوم الذي اكتشف فيه المدينة خلال سنة 1968، وطيلة تلك السنوات، التي كان خلالها مدعومًا بثُلّة من الشباب المثقفين والفنانين الصويريين من مختلف التيارات، قام لاباساد باستقاء وتحليل ونشر كل ما شكّل جوهر تراث الثقافة الشعبية لهذه المدينة.
وبذلك استطاعت أهازيج المزارعين أثناء موسم الحصاد، أغاني الفنانين والبحارة، الزوايا الدينية والنساء، وحتى أناشيد الأطفال التي كانت تُغنَّى قديمًا داخل دوائر اجتماعية مغلقة، أن تتخطى الحدود، إذ نُشِرت نتائج الأبحاث التي قام بها لاباساد وزملاؤه المحليون في أرقى الجرائد والمجلات والدوريات الوطنية والأجنبية.
كما أنه كان، بشكل أو بآخر، أحد رواد الدينامية الثقافية للصويرة، بالنظر إلى مساهمته المتميزة في أول مهرجان شهدته المدينة سنة 1980، الذي حمل شعار "الموسيقى أولاً"، والذي، وبالنظر إلى مفهومه المتفرّد آنذاك، والذي أسفر عما كان يعرف بـ"النموذج الصويري للمهرجان".
غير أن السؤال يطرح بشأن مكوّنات هذه التوليفة الناجحة بين المسافر البسيط الذي كان في إمكانه الاستمتاع بالفضاء ويمضي لحال سبيله، وبين مدينة تمتنع عن البوح بأسرارها؟.
ويَعتبر الباحث الأنثروبولجي والكاتب المغربي وأحد الصويريين الذي شاركوا في أبحاث لاباساد، عبد القادر مانا، أن عوامل عدّة دفعت بالرجل المتعدّد الاهتمامات (التحليل النفسي، علم الأحياء، العلاج النفسي المؤسساتي، علم النفس الاجتماعي، الإثنولوجيا)، للغوص في الحيز الثقافي لمدينة الصويرة.
وقاد لاباساد الذي قدِم إلى الصويرة شابًا باحثًا، مهيئاً، بفعل أبحاثه السابقة، إلى الاهتمام بالتراث الثقافي للصويرة، خاصة كناوة، كما يؤكد مانا في تصريح إلى "وكالة المغرب العربي للأنباء"، مذكّرًا بأنه "حين كان يدرس مع الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، في تونس، كان قد بدأ حينها البحث في تراث السطمبالي، أي ما يضاهي كناوة، في كل من الجزائر وتونس".
ويوضح مانا "كان يشتغل أيضا إلى جانب روجي باستيد بشأن الماكومبا في البرازيل (ويعني مجموع الثقافات الأفريقية البرازيلية)، وكان أيضًا شديد الاهتمام بموسيقى البلوز والجاز الأميركيين، أي كل ما هو إنتاج موسيقي للسكان الزنجيين"، مضيفًا أن أعماله عبر العالم جعلته يحظى بإشادة ليوبولد سيدار سنغور، الذي كان آنذاك رئيسًا للسنغال، خلال المهرجان العالمي للفنون الزنجية، الذي نُظِّم في دكار سنة 1966".
وتابع مانا "غير أن الأمر لم يقتصر على ذلك. فلدى وصوله إلى الصويرة عايش لاباساد حدثًا مهمًا شهدته الثقافة الكناوية، والذي يهمله التاريخ من دون شك، غير أنه كان له أثر عميق على مستقبل الصويرة كمدينة ذات إشعاع ثقافي".
آنذاك، وفي إطار عرض ليفينغ ثياتر "المسرح الحي" (فرقة المسرح التجريبي التي تأسست في نيويورك سنة 1947)، الذي كان يقدم على شاطئ الصويرة، كان يتم، وللمرة الأولى خارج الزاوية، إحدى "ليالي كناوة". وكان وراء هذه المبادرة، المعلم الراحل عبد الرحمان باكو، الذي سيصبح في ما بعد، أحد نجوم فرقة ناس الغيوان"، كما يحكي ذلك مانا.
في تلك اللحظة، تغير مجرى الأمور. "لاباساد باحث شغوف. حين يهتم بموضوع، يقوم بذلك بشكل كامل وطيلة الوقت. فبالتالي، وطيلة فصول الصيف التي تلت، مع انتهاء السنة الجامعية، كان لاباساد يأتي إلى الصويرة ليكتب"، يقول مانا، مستطردًا، " كان طوال الوقت يسبُر أغوار الثقافة المحلية إلى جانب مجموعة من الفاعلين الصويريين".
وقبيل عودته إلى باريس في أيلول/ سبتمبر كان يرسل مقالاً إلى، "لاماليف"، "لوبينيون"، "الأزمنة المعاصرة"، أو دوريات أخرى متخصصة في الأنثروبولوجيا والإثنولوجيا بفرنسا. ونشر ما لا يقل عن 30 مقالاً عن كناوة.
وبهذا النشر المتكرر لمقالاته رسخ الصويرة كمدينة لكناوة، ليقوم بذلك بدعاية كبرى لتراث كناوة، فبعد أن كان مهمّشًا كليًا في البداية، ومتخندقًا ضمن ممارسات وطقوس غامضة على مستوى الزوايا، أصبح معروفًا على المستوى العالمي بفضل لاباساد، كما يؤكد الباحث المغربي.
غير أن عمل لاباساد لا يتوقف عند حدود البحث والنشر، ففي سنة 1980، شرع في مرحلة تطبيقية بشكل أكبر، تمخض عنها مأسسة التراث الثقافي من خلال إسهاماته في العديد من المهرجانات، من بينها "الموسيقى أولاً"، للكاتب المسرحي الصويري الطيب الصديقي.
ويقول مانا "في إطار هذا المهرجان، تكفل جورج بتنظيم مؤتمر عن علم الموسيقى العرقية، الذي انعقد في دار الصويري"، مضيفًا أن الأمر "يتعلق بمفهوم جديد في تلك الفترة، تم خلاله مواكبة التظاهرات الموسيقية بمائدة مستديرة حول الإثنولوجيا، شارك خلالها جامعيون ولكن أيضًا معلمون كناويون ومقدمو حمادشة وعيساوة، ومؤدو الرزون في عاشوراء (أهازيج كانت ترافق احتفالات عاشوراء). كان في مكان إذن الجمع بين وجهات نظر متقاطعة بشأن كل حدث ثقافي".
هذا المهرجان، الذي تم تخليده من خلال إصدار خلاصات المؤتمر ضمن مجلدين، أحدهما خاص بالغناء الشعبي (النساء، الحصادين، العيطة)، والآخر عن الأناشيد الروحية، كان، وكما يبدو، فرصة أخيرة لإنقاذ تراث كان يحتضر.
ويؤكد مانا "إنها المرة الأولى التي تمت خلالها وعن كثب، دراسة الحضرة عند حمادشة والحضارات، غناء غزاوة، عيساوة، كناوة، منظومة الزوايا التي كانت مهمشة وتعتبر كمجال شعبي من دون أهمية"، مضيفًا أن "هذين المجلّدين سيصدران ضمن دورية ترانزيت التابعة لجامعة باريس 8، في ظرف إستراتيجي كانت المدينة تفقد خلاله هذه الذاكرة والثروة التي لا تُقدّر بثمن".
ويضيف "يتعلق الأمر بتضافر للإرادة بين لاباساد الذي جلب المنهج وثلة من الصويريين الذين، وفضلا عن وعيهم الثقافي، كانوا يجدون جزءًا من تراث مدينتهم في كل ركن منها، في كل زقاق، وحتى داخل بيوتهم، وهذا العمل في نظر مانا كان حاسمًا في تحديد مستقبل الصويرة".
ويقول مانا "جورج جلب المنهج الإثنوغرافي، في حين كنت أنا نفسي، خليلي (ممثل ومغني)، بوجمعة لخضر (فنان) والآخرون قد ترعرعنا في هذا التراث. جورج مكّن بطريقة ما، وإن كانت غير رسمية، من مأسسة البحث في التراث الثقافي للمنطقة".
ويختم بالقول إن "العمل الثقافي الذي أطلقه جورج لاباساد (الذي تُوفي في 30 تموز/ يوليو 2008) أعطى نتائج ملموسة لحد الآن، فمع إغلاق آخر معامل تصنيع سمك السردين أبوابها أضحت المدينة تعيش بفضل السياحة الثقافية، شئنا ذلك أم لا، فأصحاب الفنادق والمطاعم يستفيدون من عائدات الاشتغال على التراث".

View on moroccosports.net

أخبار ذات صلة

"اللوفر أبو ظبي" يكشف عن موسمه “مجتمعات متغيرة” أيلول…
"أبو الهول" البريطاني يرى الشمس لأول مرة منذ 100…
عشاق الرواية التاريخية العالمية ينتظرون إعلان الفائز بجائزة والتر…
خالد سلي يكشف عن مساعي المهرجان المغربي للفيلم في…
العثور على "مُنقِذ العالم" في يخت ولي العهد السعودي…

اخر الاخبار

العثور على مصاحف وسط القمامة في المدينة المنورة و"الشؤون…
تفاصيل مُثيرة عن حقيقة اختطاف فتاة قاصر من مطار…
نهاية مأساوية لأخ حاول فضّ عراك بين شقيقه وشخص…
شاب يسلم نفسه إلى شرطة تطوان بعدما ذبح خليلته…

فن وموسيقى

ناهد السباعي ترفض قطعيًا أن تكون الزّوحة الثّانية
إليسا تعود لصديقاتها من جديد وتُمارس تمارينها الرياضية
الفنان أحمد عز يفتح صندوق أسراره وجديد أعماله
جمال سليمان يشيد بالترحيب بالسوريين المقيمين في مصر

أخبار النجوم

سُميَّة الخشاب تُقرِّر العودة إلى السينما بفيلم وسيناريو جديد
محمد الشرنوبي يتجاهل الحديث عن خطوبته من سارة الطباخ
طليقة وائل كفوري تستعرض جمالها وتكسر الحصار
حسن الرداد يُكشف كواليس مسلسه الرمضاني "الزوجة 18"

رياضة

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
محمد صلاح يتصدر ترتيب أفضل خمسة لاعبين أفارقة في…
ميسي يعود للملاعب بعد غياب شهرين للإصابة
مبابي في قلب حرب باردة داخل المنتخب الفرنسي

صحة وتغذية

احذر إهمال ارتفاع ضغط الدم ولا تتجاهل علامات الوجه
دراسة تؤكد أن الرضاعة الطبيعية تقلل خطر الإصابة بـ"الربو"
بريطانيّة تُنقذ حياة ابنها بعد أن لاحظت إحمرارًا على…
لصقة من جلد الإنسان تحدث ثورة في علاج القلب

الأخبار الأكثر قراءة