خان يونس – صفا
في "نكهة زمان" تجد "السكافي، المنجد، الحداد، البوابرجي، النحاس، صانع البسط، والأحذية، وسعف النخيل، والخيزران، والغزل، المكوجي، الخياط والترزي" وغيرها من المهن والحِرف التراثية القديمة التي امتهنها الآباء والأجداد منذ عشرات السنين. بعض هذه المهن اندثر ولا يكاد يرى ولم يبق منه سوى مجرد الذكرى، إلا أن معرض "نكهة زمان" الذي نظمته جمعية الثقافة والفكر الحر بمدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، وقف مجددا على أطلال تلك المهن، واستعادها من شريط الذاكرة. وفي محاولة لتوثيق هذه المهن لإبقائها حية في الذاكرة، شرعت عدسة المصور الشاب محمود العثامنة من سكان محافظة خان يونس تلتقط الصور لهذه الحرف ومن يعملون بها، ليعيد ما غاب منها إلى الذاكرة ويضعها بين أيادي من سمعوا عنها ولم يروها من قبل. وتمكن العثامنة في غضون أربعة أشهر من التقاط عشرات الصور للمهن القديمة من داخل محال وبيوت اللاجئين في مختلف مدن وقُرى قطاع غزة، ليقدمها بعدما انتهى من مهمته بصورةٍ فنية، ضمن مبادرة أطلق عليها "نكهة زمن" بتمويل جمعية الثقافة والفكر الحر. وحضر بالمعرض حشد من المواطنين، ومنهم مسنون من أصحاب المهن والحرف التراثية من النسوة والرجال، وجلبوا معهم بعض الآلات المستخدمة بالعمل، وعرضوها أمام المُتجولين بالمعرض، فيما شهد المعرض الذي يستمر لثلاثة أيام في مقر الجمعية إقبالا كبيرا من مختلف الفئات وحاز على إعجابهم. مهمة صعبة ويوضح المصور العثامنة لمراسل وكالة "صفا" أن المعرض يضم حوالي أربعين صورة لأكثر من ثلاثين مهنة، بعضها اندثر، التقطت خلال أربعة أشهر ونيف تقريبًا، في مختلف مدن القطاع، والقرى والمخيمات والمناطق الريفية الشرقية. يقول العثامنة إن مهمته لم تكن سهلة، واصطدم بصعوبة الوصول إلى أصحاب بعض الحرف، بسبب وفاة معظمهم، ومن تبقوا هم كبار في السن ولا تكاد مهنهم خاصة النحّاس والبوابرجي والنجاد وحداد الكور تُرى أو يتحدث عنها أحد بعد أن ماتت ودفنت مع أصحابها. ويضيف "استغرق البحث عن تلك المهن نحو أربعة أشهر، منها ما تم تصويره في محلات قديمة في الأسواق والكثير منها تم تصويره داخل منازل أصحاب تلك الحرف، خاصة جيل ما بين سن الستين والثمانين، وبحمد الله نجحت مهمتي وأنجزت ما كنت أطمح إليه، ورغم المشقة أشعر بسعادة لأنني حققت هدفي". ويلفت إلى أنّ الهدف الرئيس من هذا العمل هو أن نثبت للعالم أن الفلسطيني صاحب هوية وحضارة عريقة لن ينساها، وسيبقى متمسكا بها كما هو متمسك بأرضه وحقوقه العادلة، وأنه صاحب قضية سامية، ولكي يظهر للعالم فخره بتلك الحضارة والتاريخ، متمنيًا السفر للخارج لتوثيق معاناة مخيمات اللجوء. أما المسن محمد عاشور، البالغ من العمر سبعين عاما تقريبا، وصاحب مهنة صناعة الآلات الحادة كالسيوف، فيقول: "ورثت هذه المهنة من آبائي وأجدادي وأعمل بها منذ نحو 50 عامًا وحتى الآن، وسعيد جدًا بأنني أجد من يهتم بها ويسلط الضوء عليها". إحياء الماضي بدورها، تقول منسقة الأنشطة الثقافية والمجتمعية بالمركز الثقافي بثينة الفقعاوي: إنّ "فكرة هذا المعرض تقوم على توثيق عشرات المهن والحرف القديمة التي اندثر معظمها والبقية ستلحق بها نتيجة عدم الاهتمام بها وتسليط الضوء عليها، ولأن معظم من عملوا بها كبروا في السن وبعضهم توفى". وتوضح الفقعاوي أن مبادرة "نكهة زمان" قدمها المصور العثامنة للمركز ضمن المبادرات الشبابية التي يُتيح المركز من خلالها لأي شاب أو مجموعة شبابية بأن يتقدموا بها، ويتبناها ويوفر لها الإمكانيات المادية والأدوات اللازمة لإنجازها". وتشير إلى أنّ الهدف من تلك المبادرات هو إتاحة الفرصة للشباب للتعبير عن قضاياهم بلمسات فنية وإبداعية ومهنية يقدمونها، مجددة التأكيد على استعداد المركز لدعم المبادرات الشبابية حتى ترى النور. من جانبه، يثني مدير البرامج في جمعية الثقافة والفكر الحر حسام شحادة على أداء المصور العثامنة واختياره للفكرة، قائلا: "أراد المصور تصويب عدسته نحو شيءٍ جديد بطريقة غير تقليدية، من خلال صور معبرة تنقل المشهد الفلسطيني وتقول نحن هنا باقون". وبين شحادة أن الصور "تعكس نفسها بما تتضمنه، ونجحت بتجسيد أرضنا وسمائنا والتراث والهوية والماضي العريق للشعب الفلسطيني المتأصل بأرضه والمتجذر بها بشتى السبل"، متمنيًا من أي شاب لديه فكرة تخدم أي جانب من جوانب قضيتنا أو قضايانا العادلة أن يقدمها وسيلقى الرعاية والاهتمام.