القاهرة ـ المغرب اليوم
صدر اليوم عن دار الآداب للنشر والتوزيع رواية جديدة للكاتبة الكبيرة إيلينا فيرانتى بعنوان "صديقتى المذهلة" وترجمة معاوية عبد المجيد، حيث ستتوفر بالمكتبات خلال الفترة المقبلة.
من أجواء الرواية:
"أجل. شرط أن يكون هنالك من يجيب".
شعرت بالفرح يلفح قلبي. ما الذي كانت تقصد بتلك الجملة البديعة؟ هل كانت تنوّه أنها تفضّل الحديث اليّ فقط، لأنني لا أصدق كل ما تتفوه به، بل أردّ عليها؟ هل كانت تقول لي إنني، أنا وحدي، من يفهم الأفكار التي تمرّ في رأسها؟
أجل. وكانت تعرب عن هذا بنبرة غير معهودة، ضعيفة رغم حدّتها المعتادة. قصّت عليّ أنه في إحدى الروايات، أو أحد الأفلام، تقع ابنة المجرم في غرام ابن الضحية. وكان هذا احتمالا واردا: ولكي يصبح أمرا واقعا، لا بد أن يولد حبّ حقيقي. لكن كارميلا لم تفهم، وراحت في اليوم اللاحق تقول للأخريات إنها مغرمة بألفونسو، وتكذب كي تتفاخر بنفسها أمامهنّ، ومن يدري ما كانت تداعيات ذلك! تمعّنّا في الموضوع. كنّا في سنّ الاثني عشر عاما، ونتمشى في دروب الحيّ الملتهبة، بين الغبار والذباب الذي تخلّفه الشاحنات القديمة وراءنا، كأننا عجوزين يستدركان حياتهما المليئة بخيبات الأمل، فتشدّ الواحدة من عزم الأخرى. كنت أفكر في أن أحدا لا يفهمنا، وأننا، نحن الاثنتين فقط، من تفهم الواحدة ما يدور في ذهن الأخرى. نحن الاثنتين فقط، كنّا نعرف أن الغمامة التي ترزح فوق الحيّ منذ الأزل، أي منذ أن وعيا على الدنيا، كانت ستبالغ في هبوطها لولا أن بيلوزو، النجّار سابقا، لم يغرس سكّينه في عنق الدون آخيل، وأن المجرم هو الكائن الذي يسكن في مياه الصرف، وأن ابنة القاتل ستتزوج ابن الضحية. ثمة شيء ما لا يُطاق في الأحداث والأشخاص والبنايات والشوارع، ولا يسعنا تقبّله إلا إذا ابتكرناه ثانية كلعبة ما. لكن العنصر الجوهريّ هو إتقان اللعبة، وهذا ما كان حكرا علينا، أنا وهي.
سألتني حينها، دون رابط واضح، كما لو أن كل تلك النقاشات لا يمكن لها إلا أن تصل إلى ذلك السؤال:
"هل نحن ما نزال صديقتين؟"
"أجل".