بقلم - يونس الخراشي
رأيت، في ما يرى النائم أن حسن سعادة، الملاكم المغربي المحتجز في البرازيل، على ذمة قضية اتهام بالتحرش الجنسي، سألني قائلا:"هل لي أن أعرف منك أين وصلت رياضتنا بعد مشاركتها في أولمبياد ريو؟ وهل وضع المعنيون بها من حصيلة؟ وهل تغير فيها شيء ينبئ بتحسنها؟"، قبل أن يستدرك قائلا:"أعذرني على إزعاجك، فكما تعلم، أنه لا علم لي بأي شيء، ولا تصلني أخبارها، وأود لو أن أسمع عنها أشياء تسرني وأنا هنا موزع بين ألم الحرج، وأشجان الحنين، ولوعة الشوق".
وحيث إن سؤاله كان مثل جمرة ألقيت في بئر غاز، فأشعلتني من كل جانب، فقد وجدتني بين متيقظ من نومي، وغارق في حلمي، أقول له:"تمنيت لو أنك اكتفيت بما أنت فيه، على أن تطرح علي سؤالك هذا، موجعا مؤلما، فأزيدك، بما سأقوله لك، ألما على ألم، في وقت تتشوف فيه، بحرارة عالية، إلى يوم انطلاق محاكمتك، ويدك على قلبك، في انتظار حكم قد يبرئك مما نسب إليك، أو يكتفي بمنحك سراحا مؤقتا مع التمتيع بحق العودة إلى بلدك".
لاحظت أنه كاد يسألني مرة أخرى، قبل أن يتراجع، ليفسح لي المزيد كي أقول ما عندي، وهو يومئ لي برأسه أن أتحدث دون أن أهتم. فإذا بي أصارحه بما هو واقع:"لا أخفيك أننا مثلك، ولو أن بين حالتنا وحالتك فروق. فما نصل إليه من أخبار عن حقيقة رياضتنا، بجهد جهيد، كما لو أنا في بلاد بعيدة، حيث لا يصل الخبر إلا بمشقة، حتى في عصر صارت فيه المعلومات تسافر بسرعة البرق. والمصيبة أننا حين نصل إلى بعض الأخبار، وننشرها، نجد من يقول، في اليوم الموالي، هذا لا أساس له من الصحة، دون أن يخبر الرأي العام بما هو صحيح، أو تكون له الجرأة كي يوضح، ويفصح، بالوثائق، والمعطيات المفحمة".
عندها ظل وجهه متجمدا، يريد المزيد، حتى تتضح له الأمور أكثر. فقلت له:"لا أخفيك، أنه بعد كل هذه الأيام العصيبة، التي تعدت ثلاثة أشهر، لم يتغير شيء. فلا أحد تحدث عن حصيلة، إلا في بعض المقالات الصحفية. أما الوزارة، التي عبرت بين ثلاث رجال في أقل من خمس سنوات، فلا حس ولا خبر. وأما اللجنة الأولمبية فقد عقدت اجتماعا لتهدئة خواطر بعض الرؤساء، إثر خروج كاتبها العام ينذر بما هو أخطر في المستقبل، إذ قال للناس لا تنتظروا أي شيء في أولمبياد طوكيو 2020 إذا بقيت الأمور على حالها، وأما الجامعات، فقد خرج بعض رؤسائها يقولون للناس إن كل شيء على ما يرام، وإن هناك تطورا، وكأنهم يتحدثون عن نظرية داروين، وليس عن الرياضة".
رأيته ما يزال يدقق نظره في وجهي، وتحديدا في عيني، يريد المزيد، فقلت له:"للأسف، كنت أود لو أن لدي أخبارا جيدة حتى تكون لك فألا حسنا وأنت تتشوف إلى بدء محاكمتك، التي أرجو أن تكون خاتمة عهدك بنفيك القصري في بلاد البرازيل. غير أن الواقع لا يرتفع، وربما تعود إلى البلد، وتكتشف بنفسك، ومن خلال زملائك في منتخب الملاكمة، أن الأمور لم تتغير قيد أنملة. وستلمس بيديك كيف أن المستفيد الوحيد هم بعض المسيرين، دون أي رغبة منهم في التغيير، لأن التغيير يعني لهم شيئا واحدا، وهو أن ما يستفيدون منه سيتوقف".
ضحك الملاكم عند هذه اللحظة وهو يلبس قفازتيه، ثم خرج من بيته نحو شاطئ البحر، وراح يركض ركض النمور في البرية، حتى تفصد منه عرق عجيب، وعاد نحوي يقول:"إلبس قفازتي كلماتك، واتبعني إلى شاطئ الحقيقة، وسترى كيف أن الأوضاع ستتغير بعد حين".
أعجزتني خطواته السريعة، وقدرته العجيبة، حتى زاد وجيب قلبي، وتفصد عرقي، فوجدتني أزيد إيقاعي صعودا، إلى أن لم يعد بإمكاني أن أزيد، لولا أن المنبه أيقظني من منامي، دون أن ينزع من أذني كلمات سعادة الأخيرة:"ستتغير بعد حين". وقلت في نفسي":خير وسلام".
(يونس خراشي) صحافي بيومية اخبار اليوم