بقلم - حسن البصري
قد يرتفع سعر البنزين مرتين كل شهر فيزيد الإقبال على محطات الوقود، وقد ترتفع أسعار مواد البناء فيدفع المواطن دون اعتراض، وعندما تتجاوز أثمان المواد الغذائية الأساسية الحد الأدنى للقدرة الشرائية يستعيد بالله من الشيطان الرجيم ويبتلع الزيادة مع ريق الصباح. أما أن يرتفع سعر ممارسة لعبة كرة القدم وثمن ولوج مدرجات الملاعب فالأمر يستدعي استحضار أغنية “للصبر حدود” والمطالبة بمسيرات تطالب بمجانية الكرة حتى تعود إلى صفوف البسطاء.
نحن نعيش اليوم سجال مجانية التعليم، بعد أن قررت الحكومة وضع حد للمجانية، وإنهاء العمل بمقولة قم للمعلم وفه التبجيلا، واستبدال المعلم بمالك المؤسسة التعليمية، وعلى نفس المنوال عزف وزير الصحة الذي دعا إلى خوصصة هذا القطاع، ضاربا في الصميم مرضى نصفهم يحمل موعد فحص بعيد المدى، رغم أن الوزير خريج خيرية الناضور ويشعر أكثر من باقي الوزراء بما يكتوي به الفقراء.
الرياضة كالتعليم والصحة حقوق أساسية للمواطن على حكومته، وإلغاء المجانية سيجهز على الطبقة الوسطى، ويحول المشهد الاجتماعي إلى طبقتين متباعدتين، أقلية تحتل الصدارة وتفوز ببطولة الخريف وكل الفصول، وطبقة واسعة من أبناء الفقراء يخوضون مباريات يومية للهروب من قاع المجتمع، في ما يشبه بطولة طبقية راعيها الرسمي شركة أحزمة السلامة.
ضربت الخوصصة ملاعب الكرة، وأصبح الفريق يؤدي سلفا ثمن إجراء مباراة لشركة صونارجيس، الذي يصل إلى 80 ألف درهم لمباراة تحت الأضواء الكاشفة و70 ألف درهم تحت أشعة الشمس أو الريح والمطر، الدولة تبني الملاعب وتحدد سومة اللعب معلنة نهاية عهد الملاعب البلدية التي تحولت إلى ملاعب عمومية، بينما نالت كبريات المنشئات الصفة الخصوصية.
لم يجد رؤساء الفرق بدا من التعايش مع هذه الرسوم، فحرضوا قرائحهم للبكاء على زمن “فابور”، ورددوا مرثية “قفا نبك من ذكرى الغلاء المشتعل”، وقال الراسخون في القهر “ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا”، وانهالوا على خوكم منصف بما تيسر من دعوات. كان بلخياط وراء إلغاء مجانية ممارسة الرياضة، فأصدر القرار ذات يوم رمضاني وناس جمعيات حماية المستهلك نيام وصيام عن الكلام، ولأنه رجل البيع والشراء بالفطرة فقد كان قادرا على إقناع عشيرة الكرة بالدفع المسبق قبل دخول غرفة تغيير الملابس، فالرجل قادر على تسويق أي شيء، بل إنه يستطيع المتاجرة في الريح والضباب والرعد والزمهرير، وحده الأوكسيجين الذي نستنشقه ظل خارج الفكر التسويقي الذي يسكنه.
من المفارقات العجيبة أن يدفع فريق الكوكب المراكشي ثمن اللعب على أرضية ملعب مراكش، ويمنع لاعبوه من ولوج البساط الأخضر إلا بعد الدفع المسبق، وحتى الحصص التدريبية في الملعب الملحق لها سعرها..نفس المعاناة يعيشها اتحاد طنجة مع إدارة الملعب التي جرت رئيس الفريق إلى المحكمة وجعلته يردد مع كوكب “الشر” مقاطع من أغنية “أروح لمين وأقول يامين ينصفني منك”، موجها شكواه للمدير العام لصونارجيس.
أم المفارقات أن تتاجر الشركة في ملعب بني على أرض متنازع حولها، وحين دخلت القضية دهاليز المحاكم قال محامي صونارجيس “لقد أحل الله البيع وحرم الربا” وهو يستهل مداخلة تجاوزت شوطي المباراة، قبل أن يقول محامي المطالبين بالحق المدني، إن الملعب بني على أرض للخواص وما بني على باطل فهو ملعب باطل لا يجوز القصاص فيه من طرف اللجنة التأديبية.
“إدفع تلعب”، هذا هو شعار ملاعب الحكومة، وهو القرار الجاري به العمل حتى مع المتفرجين، الكل أمام الشباك سواء، ويستثنى من الدفع النساء في اليوم العالمي للمرأة والحوامل في يوم الأم، ضدا على توصيات المناظرة الوطنية للرياضة بالصخيرات التي شددت على مجانية النشاط الرياضي، قبل أن تدفن التوصيات عملا بالقول المأثور إكرام الميت دفنه.