بقلم: هشام رمرام
إعفاء العربي بن الشيخ من منصبه ككاتب للدولة في التكوين المهني، وعودة ملاعب العشب الصناعي للظهور بذلك الشكل البئيس في بطولتنا الإحترافية، واقعتان تفرضان استرجاع بعض الذكريات السيئة من تاريخنا القريب في كرة القدم المغربية.
بن الشيخ، الذي ورد اسمه ضمن لائحة وزراء وكتاب دولة طالهم الإعفاء في قضية مشروع "منارة المتوسط"، ارتبط إسمه أيضا، ويا لسوء حظه، بواحد من أكبر أوراش كرة القدم المغربية، التي واجهها الفشل وما زالت تؤدي ضريبتها إلى اليوم. قبل حوالي عشرة أعوام، بشرتنا الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بأن تكسية الملاعب في القسمين الأول والثاني هي عملية "فيها منافع كثيرة"، بل كادت هذه الجامعة، من فرط إيمانها بهذا الاختيار، تقول لنا إن خلاص كرة القدم المغربية لا يمكن أن يتحقق إلا بتطبيق هذه الرؤية "الملعونة".
المشروع، في ظاهره، كان يبدو طموحا وضخما وقتها، لكنه لم ينتظر كثيرا ليثير لغطا واسعا، بعد أن نبه مختصون إلى أن خطوة الجامعة ليست مدروسة بما يكفي علميا وتقنيا، وتبعهم أطباء ومعدون بدنيون في تنبيههم إلى المخاطر الصحية التي قد يتعرض إليها اللاعبون الممارسون فوق هذا العشب، قبل أن يدخل مدربون على الخط ليدلوا هم الآخرون بدلوهم في الموضوع، خاصة من الناحية التقنية والفنية.
تنبيهات المعنيين لم تجد لها صدى داخل جامعة الكرة، بل إنها ووجهت بدفاع مستميت، ربما أصبح مفهوما اليوم بعد مرور كل هذه المدة، من شخصين، بالتحديد، داخل مؤسسة الجامعة، وهما محمد أوزال، نائب رئيسها، والعربي بن الشيخ، الذي لم يفهم كثيرون، حينها، كيف صار بقدرة قادر كاتبا عاما للجامعة، خلفا لأحمد عمور المستقيل، ورئيسا للجنة الدراسات ومتابعة الإصلاحات والتجهيزات.
ترؤس بن الشيخ لهذه اللجنة، في العام 2006، كان كافيا ليوضح ما كان غامضا، هو أن المدير العام للتكوين المهني، دخل الجامعة فقط ليترجم مشروع العشب الصناعي على أرض الواقع، ويا ليته لم يدخل.
هذا "المسؤول الكبير"، ومعه أوزال، بذلا كل ما في وسعهما ليمضيا في المشروع إلى أبعد نقطة، رغم التساؤلات التي طرحت حول السرعة، التي نفذ بها المشروع، والأسباب الحقيقية الكامنة وراء رفع ثمن الصفقة أكثر من مرة، وحول الدافع وراء تكليف بن الشيخ، دون غيره، بمشروع قيمته قدرت بالملايير.
استماتة أوزال وبن الشيخ وصلت إلى حد دعوتهما لأشخاص قالوا إنهم خبراء من "فيفا" لشرعنة اختيار صنف العشب أولا، الذي تبين أنه لا يصلح حتى لإجراء مباراة لفرق الأحياء، ولتبيان صواب الرؤية بأكملها.
ولأن "المية تكذب الغطاس"، حسب المثل الشائع عند إخواننا المصريين، فإن الشروع في استعمال الملاعب الجديدة المكسوة بالعشب الصناعي، لم يتأخر في حمل الأخبار السيئة، التي أكدت تخوفات المختصين، ووضعت بن الشيخ وصديقه أوزال في موقف لا يحسدان عليه، بعد أن وقف أطباء ومدربون على إحصاءات أكدت ارتفاع عدد الإصابات في صفوف اللاعبين، ومواجهتهم لصعوبات في استرجاع لياقتهم البدنية بالسرعة المطلوبة، كما استنتج الجميع أن كرة القدم المغربية ستضع نفسها في زاوية ضيقة ما دامت أنها ستفرض على أنديتها حصر نفسها في اللعب فوق عشب صناعي، بينما منافسوها إفريقيا يستعملون عشبا طبيعيا، هو أصل الممارسة السليمة.
بعد كل الذي صرف من ملايين، وبعد كل ما تسبب فيه "المشروع الملعون" من مصائب للأندية المغربية، كان لزاما تقييم التجربة والنتيجة هي العودة إلى نقطة الصفر.
أجل، البدء من حيث انطلقنا هو الحل، الذي جاءت به الجامعة الجديدة ورئيسها فوزي لقجع. ففي المستقبل القريب لن يبقى ملعب واحد من ملاعب البطولة الاحترافية بقسميها الأول والثاني مكسوا بالعشب الصناعي، أي أن جميع الفرق المحترفة ستعود إلى الممارسة فوق عشب طبيعي، كما يقضي بذلك منطق الأمور، وهو ما يعني أيضا أن "عشب بن الشيخ" لم يكن فقط مشروعا فاشلا، بل مسيئا لكرة القدم المغربية وممارسيها.
إنها مجرد ذكريات من تاريخ كرتنا لعلها تنفع في شيء.