بقلم: المهدي الحداد
خرجت جميع مكونات الفريق الوطني بعد ودية بوركينا فاسو الأخيرة، تدعو الجمهور والإعلام المغربي إلى الصبر ومنح الوقت الكافي للناخب وحيد خاليلودزيتش، حتى يعرف الأجواء جيدا وتتضح له الصورة، ثم يشرع بعدها عمليا في العمل العميق والتحضيرٍ لأسس فريق وطني جديد، ينافس من أجل تحقيق الأهداف والإستراتيجية الموضوعة من قبل جامعة لقجع.
هو مطلب مشروع ومن حق أي مدرب أن يطلب تمتيعه بالوقت الكافي لكي يزرع بذوره ويسقي شجرته قبل جني الثمار، لكن لماذا الجمهور المغربي دون غيره محكوم عليه بالصبر أبد الدهر؟ ومُجبر على الجلوس في قاعة الإنتظار طويلا يشاهد حقول التجارب مع كل فيلسوف كروي يُتعاقد معه؟ وما هي الضمانات التي يمكن أن يعطيها المدرب الجديد وطاقمه للمغاربة على أن الصبر هذه المرة ستكون نهايته الفرج؟
منذ فوز الأسود بكأس أمم إفريقيا 1976 والجامعات والأطر المتعاقبة تطالب من الجمهور المغربي الصبر، يأتي رئيس ثم يرحل ويأتي آخر، وأول ما يقوله في خُطبة الترحيب «إمنحونا الوقت وإصبروا علينا»، وهي لازمة معدية في الساحة الكروية المغربية وخصوصا في المنتخبات الوطنية والإدارة التقنية، حيث يرددها كل مدرب أجنبيا كان أو محليا، وهي في الحقيقة بمثابة الحقنة الخادعة والمسكّنة للألم فقط، وليس الدواء المضاد الحيوي الذي يشفي ويداوي بعد إنقضاء المهلة المحددة من قبل الطبيب.
منذ المدرب الروماني مارداريسكو صاحب أول وآخر تتويج للأسود في خزانة ألقابهم، مرّ عشرات المدربين الذين إستفادوا من وقت طويل وصبر كافٍ ودعم مطلق، وهم يبحثون عن النواة أو يحاولون وضع الأسس أو يصلحون شقوق ما فات، وطيلة فترة التجارب والوديات والمعسكرات لم يكلوا ولم يتوقفوا عن المطالبة بالمزيد من الصبر والوقت لتحقيق الأهداف، لكن في النهاية ماذا؟ رحلوا وغادروا المقاعد وقد فشلوا في الحصول على ثاني نجمة ذهبية، والقلة القليلة فقط من لامست بعض النجاح الدولي بالتأهل للمونديال، دون توفيق طبعا في كسر نحس كأس أمم إفريقيا.
الناخب الحالي وحيد خاليلودزيتش ومعه كثيبته المخضرمة والشابة تسلك شفهيا ولا إراديا نهج السلف، ونفس التصريحات تُعاد مع تغييرات في الوجوه والأشخاص، فما قيل وسيُقال لاحقا يذكرنا بخطابات شهيرة لمدربين أمثال غيريتس، لومير، الطوسي، كويليو، فاخر، مومن، كاسبيرزاك، والقادة الذين أوهموا الشعب بأنهم حملة التغيير وأصحاب الثورة، فاستدرجوهم بعدها إلى نفس الحافة وذات المصير.
ها هم الأسود قد إنطلقوا الآن من عتبة الصفر مع القائد البوسني، بأفكار وعقلية وفلسفة جديدة، في رحلة التطهير وتجديد الدماء، تماما كما حدث مع من سبقوه، المطلب واحد مع وحيد، إعطاء الوقت والصبر، وهو الشرط الذي أدمنه المغاربة واعتادوا عليه، وبطبيعة الحال سيصبرون مكرهين أملا في الفرج الضئيل، رغم أن الشك كبير والثقة منعدمة، فحلمهم بالتتويج بالكان مع أي مدرب كان، بات أشبه بالمستحيل.