بقلم - عزيز بلبودالي
يبتسم لي الحظ في أحيان ليست، في الحقيقة، كثيرة لكنها مفيدة جدا، لأصادف حالات إنسانية أو اجتماعية تمنحني دروسا جديدة في حياتي المهنية، نتعلم منها، نستلهم منها العبر وترشدنا لما يمكن أن يكون قد مر دون أن ننتبه إليه. كنت،على هذا المستوى، محظوظا أول أمس الخميس، وأنا أحضر ندوة صحافية نظمتها الجمعية المغربية لقدماء الأبطال والمنظمين لرياضة رفع الأثقال لتقديم نشاط تكريمي يقام في إطار الأيام الثقافية والاجتماعية والبيئية والرياضية التي تنظم بمقاطعة سيدي البرنوصي، حيث قادني فضولي الصحفي، والتزامي بتغطية أشغال الندوة ونقل الخبر، إلى أن أتعرف وللمرة الأولى في حياتي المهنية، على أبطال عمالقة في رياضة رفع الأثقال، لديهم أكبر وأثقل وأعلى وزن من خلال تاريخهم في هذه الرياضة، منهم من شارك في عدة دورات أولمبية، منهم من راكم ألقابا وميداليات وطنية وقارية، ومنهم من يحمل سجله أرقاما قياسية، ومنهم من قهر الكبار في أفريقيا وفي مختلف البطولات العربية والدولية، تجمع عدد منهم في قاعة الندوة، اختلفت ملامحهم، تقاسيم وجوههم، منهم من ظهرت على ظاهرهم آثار نعمة وراحة عيش وبال، ومنهم، وعددهم أكبر، من تحمل وجوههم ندوب زمن قاس وتجاعيد حياة صعبة.
انطلقوا جميعا من بيئة واحدة، من حي البرنوصي، بأزقته وحاراته الضيقة الشعبية ودفء ناسه وأهله في تلك الفترة الجميلة من سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، تعلموا وتدربوا ومارسوا رياضتهم في نفس الظروف ونفس الطقوس، ودونوا بعرقهم واجتهادهم على نفس السجل ببطولاته وألقابه. وبعد الاعتزال، تفرقت بينهم الدروب واختلفت مسارات الحياة.
ماذا حدث وكيف وقع حتى يجد بطل نفسه يعيش في فيلا أو في منزل فخم ويمتلك سيارة ورصيدا بنكيا، وبطل آخر يعيش في " كاراج " رفقة أسرته، ينام ويصحو وسطه ككيس بطاطس أو أثاث مستعمل قديم؟ بل وكيف يتحول بطل من مصدر للفرح والسعادة، إلى شخص تشمئز منه نفوس من يصادفه وهو يقتات من حاويات الأزبال والقاذورات؟
الأول، تجاوب مع " اقرأ" فعمل على التوفيق بين الرياضة وبين التحصيل الدراسي، وعندما تخلت عنه أضواء الرياضة، وجد في شهاداته الدراسية ملاذا حماه من غدر الزمان، أما الثاني والثالث، فقد أدارا ظهرهما لـ"اقرأ " فهجرا المدرسة متوهمين أن أضواء الشهرة والبطولات ستدوم، ليصطدما بعد مغادرة دائرة النجومية، بالفراغ والعطالة، ولم تشفع لهما ألقابهما ولا بطولاتهما، ولم ترحمهما مؤسسات الرياضة ولا جامعته، في تأمين عيش مريح لهما.
اقرأ.. فقرأ، فقهر فشل السياسات العمومية التي عجزت ولا تزال تعجز عن تحديد مرادنا وهدفنا من الرياضة، وبالتالي، تستمر في توسيع الفجوة بين التعليم وبين ممارسة الرياضة ليصبح الاختيار مفروضا: إما الرياضة وإما التعليم.. والتوفيق بينهما يصبح المعادلة الصعبة شبه المستحيلة بل يصبح المعجزة..
في كرة القدم، لدينا نماذج عدة تؤكد أن ممارسة الرياضة أصبح مغامرة محفوفة المخاطر. لاعبون في فريق واحد، نجم قرأ، ونجم لم يقرأ، الأول يقود اليوم الديبلوماسية المغربية كسفير في روسيا، والثاني يقود أطفاله في مهمة تسول في مفترقات الطرق والشوارع.
هي معادلة صعبة، غير أنها ليست مستحيلة أن توافق بين الرياضة وبين التحصيل الدراسي والتعليم. ويستحضرني هنا فيلم للفنان المصري الكبير يحيى الفخراني، لا أتذكر عنوانه، ولكني أتذكر جيدا مشهدا معبرا وملهما يقود فيه البطل ابنه الصغير الشغوف بكرة القدم والمهمل لدروسه، ليعرفه ببواب العمارة ويقول لطفله" هذا البواب الفقير، كان نجما كبيرا في ناد لكرة القدم، لم يذهب للمدرسة، وبعد اعتزاله لم يجد غير وظيفة بواب لضمان عيشه، ثم انتقل البطل مع ابنه لنفس النادي الذي كان يلعب البواب فيه، ودخلا معا لمكتب رئيس النادي وكانت كل علامات الثراء ظاهرة عليه، والتفت لابنه قائلا: هذا الرئيس لعب في هذا النادي رفقة البواب، لكنه درس وتعلم ونال أعلى الشهادات التعليمية ولم يجد صعوبة في اعتلاء أعلى المناصب!".
أبطالنا..عليكم أن تدركوا تماما أنكم تمارسون الرياضة كهواية في فترة محدودة زمنيا، وعليكم أن تفكروا جيدا بعد نهاية المشوار الرياضي في ما يمكن أن يضمن لكم عيشا كريما! أبطالنا، عليكم ألا تنسوا أنكم في بلد، مؤسساته ووزارته الوصية على القطاع، لا تزال، للأسف، غير مقتنعة بما يمكن أن تلعبه الرياضة من دور فعال وناجع في المجتمع، عليكم أن تعلموا أن تدبير الشأن الرياضي في بلدنا لايزال يخضع "للعشوائية" بعيدا عن أي تخطيط علمي يضمن لنا حضورا مشرفا بين بلاد العالم أولا، ويضمن ثانيا وضعا مريحا لكم أبطالنا، والوضع المريح والكريم والمشرف معناه بطل رياضي بعقل مثقف وحضاري وإمكانيات معيشية في مستوى إنجازاته.
في الماضي، كنتم نجوما منحتمونا الفخر و السعادة.. واليوم تسببون لنا الألم، ونحن نصطدم بواقعكم المزري..على الأقل نحن كدولة و كمجتمع و كإعلام علينا أن نعيد لكم ولو جزءا بسيطا من مشاعر السعادة التي منحتموها لنا ذات يوم..! اقرأ أيها الرياضي، كون نفسك وجهزها، فالرياضي القارئ المتعلم مفيد لمجتمعه ولأسرته ولأطفاله، وهو بكل تأكيد خير من رياضي جاهل لا يقرأ ! !
اقرأ… !