قمة الإياب
تعتبر القمة الكروية البيضاوية الوطنية بين الرجاء والوداد طبقا استثنائيًا لا يبرر القاعدة العامة إلى مباريات البطولة الاحترافية القسم الوطني الأول لكرة القدم، فقد تبدو للعيان كنقطة ساخنة وسط أجواء صاخبة وظروف مغايرة، ذلك أن العاصمة الاقتصادية ستكون على موعد مع الديربي الموعود الملخص في مقولة المنتصر مولود والمنهزم مفقود ، في مواجهة بيضاوية خالصة ستضع شوطي اللقاء على صفيح ساخن.
ديربي الأب جيكو
يقول أصحاب التاريخ الكروي الوطني، أن المرحوم بلحسن العفاني الملقب بـ "الأب جيكو" كان يقوم بمهمتين مع الوداد "الأولى إدارية، والثانية تقنية"، وإعفائه من مهامه كان عقب عودته بعد زيارة والده المريض في تارودانت، كان النقطة التي أفاضت كأس الخلاف بينه وأعضاء بالمكتب المسير للوداد، حيث غادر المحراب الأحمر مكرها، فأقسم بأغلظ الإيمان على إنشاء فريق جديد يقتسم مع الوداد هواء الدار البيضاء، انتقل اسمه من الفتح إلى الرجاء.
وكان المرحوم الأب جيكو الذي وافته المنية سنة 1970، شاهدًا على ميلاد ديربي بيضاوي خالص حلق زمنيا من الدار البيضاء نحو العالمية، في ظل تطوير جماهيري بإنشاء إلترات زينت أعراس ديربيات البيضاء بتيفوات رائعة، فهل يستيقظ مسئولو الرجاء والوداد من سباتهم، على الرغم من مرور 48 سنة على رحيل صانع الديربي محمد بلحسن العفاتي، بتنظيم دوري الأب جيكو؟ أو على الأقل إطلاق اسمه على إحدى المعلمات الرياضية البيضاوية؟
الحمولة التاريخية
إن المواجهات بين قطبي كرة القدم البيضاوية ظلت على امتداد 61 سنة تشغل بال الفئات الرياضية المغربية، وبالأخص مدينة كازابلانكا التي شطرها صانع الملحمة البيضاوية المرحوم الأب جيكو إلى نصفين، حيث ظلت مواجهتهما خارج كل التصنيفات بلا بداية ولا نهاية، نظرا إلى الحمولة التاريخية إلى الناديين العريقين المفعمة بالألقاب وطنيًا عربيًا قاريًا وعالميًا، واللغز الرقمي الذي يتباهى به الرجاويين على نظائرهم الوداديين مفتخرين عليهم بالتفوق، وذلك منذ انطلاق البطولة الوطنية سنة 1957، حيث تمكن الخضر من الانتصار 37 مرة مقابل 28 مرة للحمر، فيما اقتسما التعادل بينهما 56 مرة، مع التفوق التهديفي إلى الرجاء 103 هدف نظير 92 هدف إلى الوداد، لتظل ذكرياتهما والاكثر جدلًا خلال مشوارهما عالقًا بسخرية هذا الطرف أو ذاك.
وإضافة إلى ذلك شهدت سنة 1978عدم إتمام إياب الديربي بعدما كانت النتيجة 1-1، لمغادرة الرجاء الميدان إثر تظلم الحكم حجان بإعلانه عن ضربة جزاء خيالية، فيما يظل موسم 1997 واحد من الذكريات الخالدة للرجاء، الذي حقق خلاله النسور الخضر انتصارين باهرين بثلاثية شعبان وخماسية رمضان.
فقيد الديربي
وكانت القمة البيضاوية للقاء الكلاسيكي بين الغريمين الرجاء والوداد صادمة بالنسبة إلى المجتمع المغربي عامة والرياضي على وجه الخصوص، ذلك أن تاريخ السبت 29 سبتمبر/ أيلول 2001 الذي لبس ثوب الحداد إثر وفاة فقيد الديربي يوسف بلخوجة، سيبقى عالقًا في ذاكرة كل الوداديين والرجاويين الذين تناسوا الانتماءات الكروية كلما حل موعد الديربي، إلا وتعود الذاكرة الرياضية إلى خبر وفاة يوسف بلخوجة الحامل لرقم 19، الذي شكل بؤرة نفسية أليمة في كل النفوس، وهو اللاعب القنيطري الذي اصبح معشوق كل الوداديين والدولي الذي لم ينعم بدوليته، أضحى درسًا إلى كل المسؤوليين على القطاع الرياضي بوضع اللجن الطبية رهن إشارة الأندية.
الأرقام الناطقة
وحملت الدورة 25 من البطولة الوطنية اصطدامًا بيضاويًا شاءت الظروف هذه المرة أن يكون متقاربا، فالوضع على سبورة الترتيب ينبأ بموقعة حارقة على كل الواجهات لتقارب الحسابات الرقمية بينهما، في ظل مسايرتهما الترقبية لثلاثي كوكبة الأوائل "اتحاد طنجة، حسنية أكادير والدفاع الجديدي"، ذلك أن هذه المزايا وفقًا إلى المطلعين على خبايا الديربيات ستجعل موقعة الدار البيضاء حارقة، وستلعب على جزئيات صغيرة، فهل يستطيع النسور الخضر تحقيق ما حققوه في لقاء الذهاب؟ أم أن الوداد سيثأر للهزيمة السابقة 12؟.
هل للتصنيف معيار ؟ …
يعتقد الرجاويين والوداديين على أن وضعية السبورة الترتيبية قبل مواجهة الديربي قد ترمي بظلالها على اللقاء الكلاسيكي، وهذا خطأ كبير وشاسع، لأن اصطدامهما البيضاوي يظل دوما خارج كل الحسابات نظرا لطقوسه المعروفة، فكم من مرة أحالتنا وقائع الديربي على مواجهات انتهت بفوز الفريق المعذب في أسفل الترتيب او العكس هزيمة المتزعم، وغالبًا ما ينهي التعادل المنصف بينهما، لكن مواجهة إياب هذا الموسم تشكل الاستثناء، خاصة بالنسبة إلى شاكلة الرجاء التي ستكون محرومة من الحارس الزنيتي، فيما تأكد رسميًا دخول الوداد بكامل عناصره.
الديربي … مرآة مونديال 2026
وسيشاهد هذا الديربي كل دول العالم، وسيراقب تحت عيون لجنة من خبراء الاتحاد الدولي لكرة القدم، وهي الخاصية التي آلت إلى تجنيد جميع الفعاليات المتداخلة في هذا اللقاء الكلاسيكي، لدراسة كل الترتيبات التنظيمية لإنجاح هذا البلاطو الذي يتوخى منه الجميع مردودًا تقنيًا يكذب اسطوانة ضعف البطولة، ونجاحها تنظيميًا يمكننا من ضرب سرب من الطيور بحجر واحد، وهي صورة المغرب اللامعة إلى كسب رهان مونديال 2026.
ختامها مسك
وشخصيا!.. لا أنسى المقولة الشهيرة للحكم الراحل سعيد بلقولة "إدارة نهائي كأس العالم أسهل من تحكيم الديربي البيضاوي بين الرجاء والوداد"، وكل ما أتمناه أن ينعم الجميع ببلاطو فرجوي، وأن يقدم الجمهور صورة عصرية حضارية وأن يساهم التحكيم في وضع بهارات لامعة، مع استحضار القيم الرياضية الأولمبية الخالصة.