بقلم - المهدي الحداد
غيث الشائعات الذي يتساقط كل يوم وكل ساعة في جميع المنابر الإعلامية الأوروبية والمغربية، فيما يخص الأندية الراغبة في خدمات حكيم زياش، أمسى مملاً ومزعجًا إلى درجة أن لا أحد صار يصدق ما يُنشر ويذاع، ولا مُعجب بات ينساق وراء هذه الفوضى في مجمل الأخبار الزائفة والاستهلاكية، والتي يروج لها أساسًا وكلاء أعمال اللاعب بغرض المزايدة ورفع القيمة التسويقية، ومعهم بعض الصحفيين الذين يشتغلون ضمن أجندتهم، والتي سرعان ما ينفيها المدير الرياضي لأجاكس أوفيرماس جملة وتفصيلاً.
«خُلق ليقترب» جملة ساخرة يطلقها المغاربة في مواقع التواصل الإجتماعي تعليقًا على كل خبر موضوعه زياش، والذي لم يترك فريقًا أوروبيًا عملاقًا إلا واقترب من صفوفه، ودنى من التوقيع له في صفقات وهمية يسيل لها المداد سهوا ليكتب عدة أرقام وأصفار كقيمة مالية للانتقال.
آخر ما جادت به العناوين والصحف ذلك الخبر الذي نشرته بعض المواقع الإسبانية غير المقربة من ريال مدريد، والتي أوردت الأسبوع الماضي أن الرئيس بيريز تحرك رسميا لخطف حكيم بمبلغ لن يقل عن 40 مليون أورو، ليكون مفاجأة الصيف وهدية الملوك لمصالحة عشاقهم بعد موسم كارثي على كافة الأصعدة.
شخصيًا أضحك حينما أقرأ وأسمع مثل هذه الشائعات، ليس تقليلاً من زياش ولا تعظيمًا لريال مدريد، وإنما أجدني مباشرة أحلل منطقيًا وعقلانيًا، وأدقق في التفاصيل، وأستحضر التجارب والدروس السابقة، والتي كانت مماثلة لما يجري الآن مع عبقري أجاكس وأحد أفضل صناع اللعب في أوروبا.
أولاً: فريال مدريد وبرشلونة من العمالقة الكبار الذين تسكنهم العنصرية فلا ينظرون إلى الأفارقة والعرب إلا كخيارات أخيرة ومخططات «د» و«ه». وثانيًا فسعر حكيم غير باهض ولا يصل إلى 35 مليون أورو وبالتالي فهو في متناول الأندية المتوسطة قاريا، وثالثًا: وهذا هو المهم فمغاربة هولندا على وجه الخصوص غالبا ما تحكم قراراتهم العديد من الأخطاء، ويفشلون في القيام بالاختيارات الصحيحة، بل ويموتون وينتحرون فور مغادرة أحواضهم الصغرى في حدائق الأراضي المنخفضة.
زياش ليس أول أسد من الإيرديفيزي سيخلق هذه الزوبعة وسيهيج الإعلام الأوروبي ليتحدث عن مستقبله خارج هولندا، بل سبقه العشرات ومنهم من تمتع بمثل موهبة حكيم، وقيل في حقه الكثير وتوقع له الكل نجاحًا باهرًا واحترافًا تاريخيًا، لكنه فشل فشلاً ذريعًا بل وصدم المعجبين والمتتبعين والأنصار، واختفى كليًا عن الأنظار وفي ريعان السن الكروي، ليصبح في خبر كان وخانة الحسرة والنسيان.
أسامة السعيدي كان بنفس مستوى زياش الحالي ونفس أرقامه سنة 2012، وغادر هيرنفين وهولندا في أوج عطائه ومن الباب الكبير، لكنه أخطأ المسار ووقع في كشوفات ليفربول، لتكون نقطة النهاية المبكرة له، بعدما كشفت البرمرليغ عيوبه وعيوب البطولة الهولندية، والتي يعجز أفضل نجومها على إيجاد مقعد احتياطي في الأندية الكبرى الأوروبية، كما حدث مع الهداف منير الحمداوي الذي غادر أجاكس بطلاً وعريسًا فلم يجد له موطئ قدم حتى بفيرونتينا، ومثله تكرر الأمر بالنسبة لزكرياء لبيض بسبورتينغ لشبونة البرتغالي، وأسامة طنان مع سان إتيان الفرنسي والعديد من الأسود (تيغادويني، العيساتي، بارازيت، مختار..)، وآخر العنقود سفيان أمرابط الذي ودع فاينورد قبل عام ليجلس إحتياطيا في مقاعد كلوب بروج البلجيكي.
مشكل مغاربة الإيرديفيزي أنهم يسيئون دراسة مستقبلهم، ومحيطهم ووكلاء أعمالهم يساهمون في ذلك، إلى جانب العقلية العنيدة والمزاجية، والإنسياق نحو المال وإستعجال حرق المراحل، دون نسيان طبيعة التكوين الهش بهولندا والمعتمد بالأساس على اللعب التقني والنحافة البدنية، ضد خصوم صغار ومتواضعين، سرعان ما تظهر نتائجه الوخيمة فور خوض أول مباراة رسمية خارج بلاد الطواحين.
لو كنت مكان زياش أو أحد مقربيه المؤثرين لاخترت كمحطة أولى، ألمانيا وفرق كدورتموند أو لايبزيغ أو فولفسبورغ، وحتى إسبانيا مع أندية مثل إشبيلية أو فالنسيا، لأدخل تدريجياً عالم الإحتراف وأضمن التنافسية وتسلق الدرج بهدوء، قبل رفع الأسهم وتثبيت الذات ثم الإنتقال بعدها لنادي أوروبي أكبر، أما تصديق الترهات وتشتيت زاوية الأحلام، فسيقودني حتما كالأعمى لجحيم البرمرليغ مبكرًا، وسيدفعني كالأحمق للجني على المشوار الكروي والانضمام إلى بايرن ميونيخ أو ليفربول أو مانشستير يونايتد..