بقلم: منعم بلمقدم
حماقات كثيرة وهلوسات رمضانية وعلماء جهابذة برزوا للساحة في الفترة الحالية ليقدموا فتاويهم و يوزعوا صكوك الوطنية على هذا و يجردوا الآخرون منها..
ما يحدث اليوم من ضجيج وغوغائية في النقاشات وتصدير الشعبوية لخلق الله٬في محطات الأثير و عبر مواقع زاغت عن السكة ٬هو ظاهرة متأصلة فينا وداخل مجتمعنا الفرق فقط أنها أخذت بعدا إشعاعيا كبيرا بسبب الفيسبوك ومنصات التواصل الإجتماعي فانتشرت كما تنتشر النار في التبن..
أنا هنا أتحدث عن العداء الأصيل الموجود منذ زمن بين جماهير الأقطاب الكروية و غرماء الجلد المدور في كل بلاد الدنيا٬والبعض ركب على تعاطف يصعب الحكم إن كان مشروعا مباحا أو مكروها حراما لجماهير الرجاء مع الترجي و مناصرتهم للزمالك على حساب نهضة بركان٬ فانطلق الفقهاء في تخوين هذا و رمي الثاني بصفة العميل و هكذا..
لن أنصب نفسي قائما بأمر الله يجرد أي كان من وطنيته لا لشيء سوى لأنه يقدس اللون الكروي الذي ينتمي إليه و يكره لون الغريم٬خونة الوطن ليست هذه الفئة الهشة من المجتمع التي يأكلها الفقر و تقهرها الحاجة وتجعل من الكرة المتنفس و الملاذ.
أن يناصر الرجاوي فريق الترجي في حدود التنابز و» الشدان» المسموح به في عرف الكرة فهذا لا يعطي الشرعية لأي كان كما نسمع هذه الأيام من بعض المتقولين كي يجردوا الرجاويين من وطنية تربوا و نشأوا عليها.
وكم كان قاسيا حسن ناضر و مبالغا في الطرح حين ذهب بعيدا ليؤكد أنه كل من لا يريد للوداد أن تنتصر في تونس فعلي» أن يخوي البلاد».. وما هكذا تورد الإبل في نقاشات الإختلاف الذي هو أساس الرحمة..
في إسبانيا يستحيل أن يفرح مناصر برشلوني لانتصار ريال مدريد٬و العكس صحيح ٬بل مستحيل في مدار العاصمة أن يسعد واحد من جماهير الريال لفوز الجار الأتلتيكو و لا أحد يتجرأ هناك على وصف إحدى الضفتين بالخيانة..
في أنجلترا الأمر أفضع بين قطبي مانشستر وأقطاب العاصمة لندن فيستحيل تصور مثلا أن مناصرا من تشيلسي يسعى لخير أرسنال أو طوطنهام وحين يخسر ليفربول أوروبيا يقيم أنصار إيفرطون سهرات تستمر حتى الصباح نكاية و سخرية من شياطين الليفر و لا تقام جنائز و مندبات التخوين وتوزيع صكوك الوطنية بينهم..بل من المخجل أن يفتحوا هكذا نقاش بينهم لأنه من صميم التعدي على الحريات الفردية..
بين ميلان و الأنتر و روما ولازيو حكايات شماتة هذا الطرف من الثاني لا تكاد تنتهي٫ وفي هولندا أقامت جماهير فينورد عرسا بسقوط أجاكس الذي أدمى قلوب الهولنديين أمام طوطنهام واحتفل أنصار فينورد مع الفريق الأنجليزي في مقر الفريق و لو حدث ذلك عندنا لأهدر دم الفريق المعني..
ولماذا نذهب بعيدا٬فحين واجه الزمالك المصري نادي نهضة بركان كانت بلاطوهات و قناة الأهلي تتحدث عن نهضة بركان و كأنها ملحق تابع لفريق القرن الإفريقي٫ بل أن شوبير حارس المنتخب المصري السابق و الأهلي لا يخفي متمنياته بسقوط الزمالك ومنصور أي كان شكل و لون المنافس و لأنه شعب حضارة لا أحد يفصل عباءة الوطنية على مقاسه هناك ليضعها على أكتاف هذا ويجرد الثاني منها..
أنا هنا لا أحرض الرجاويين على كراهية الوداد لأنها أصلا مغروسة لديهم و العكس صحيح٬ بل ثابت بالدليل في مناسبات سابقة ..لكن ما شددت عليه هو أن لا يخرج هذا الشدان عن حدود الإحترام ومساحة التقدير و عدم تجاوز الأسلاك الشائكة و الخطوط الحمراء بأن يتمنى هذا الأذى للثاني..
للذين خرجوا من جحورهم ليتاجروا باسم الوطنية و يركبوا على صهوة جماهير الرجاء ليقدموا أنفسهم أوصياء على الوطن أقول لهم زمن الريع و» الكريمات» انتهى وابحثوا عن شماعة ثانية.