بقلم - مصطفى الفن
نشرنا خبرًا قصيرًا من بضعة أسطر قلنا فيه إن الرئيس السابق لفريق الرجاء البيضاوي السي محمد بودريقة "طبز لها العين" عندما أقحم بندا غريبًا في اتفاقية مع لاعب الفريق عصام الراقي.
وتكمن هذه الغرابة في كون هذا البند نص على أن يتسلم الراقي منحة بـ50 مليون سنتيم إذا ما فاز الرجاء بكأس العرش كما لو أن هذا اللاعب إسمه "ميسي" ، ويا لهذه الحكامة المالية "العشوائية" التي جاء بها بودريقة لإدارة فريق كبير من حجم الرجاء ، فما معنى أن تعطي للاعب واحد 1/5 القيمة المالية "250 مليونًا" التي منحتها جامعة الكرة إلى الرجاء مقابل الفوز بهذه الكأس؟ فهذا تسفيه واستفزاز لباقي اللاعبين الذين سيشعرون أنهم مجرد عجلات احتياطية.
إن هذه الـ50 المليون لم تعطها من مالك الخاص ، بل أعطيتها من مال أنت مستأمن عليه لكي لا يصرف إلا على الوجه السليم والشفاف ، وكم وددت لو اعترف بودريقة بهذه "العشوائية" في التسيير، التي اتت على "الفريق الأخضر" في عهده البائد، لكنه لم يفعل، بل أصر على أن يتصرف عكس ذلك تمامًا ، فماذا فعل بودريقة عندما نشرنا هذا الخبر العادي جدًا؟ لقد أطلق علينا هذا الشاب الصغير الملتحق حديثًا في حزب كبير إسمه "التجمع الوطني للأحرار" ملشياته لتكيل لنا السب والشتم بما لذ وطاب من الكلام الساقط.
ولم يكتف السي بودريقة بهذا، بل تصرف مع ما نشرناه مثل أي مراهق فاقد للأهلية النفسية قبل أن يصفني بـ"البليد" وبأني لا أعرف أي شيء كما لو أن هو سعادته حاصل على شواهد من أرقى المعاهد والمدارس العليا في التسيير الرياضي.
وفعلا، لا يمكن للإنسان إلا يقر ببلادته أمام هذا "الذكاء الخارق" لبودريقة الذي استطاع، بحركة يد غير مرئية، أن يدس منحة "الفيفا" في حساباته البنكية الشخصية دون أن تنتبه إليه أجهزة عبد اللطيف الحموشي ولا عناصر عبد الحق الخيام في مكتب التحقيقات القضائية.
ولأن بودريقة "خارق الذكاء" فقد بذل ما في وسعه لكي يحجز لنفسه مقعدًا وسط مناضلي العدالة والتنمية فقط ليرد الصاع صاعين لقادة الأصالة والمعاصرة الذين رفضوا إلحاقه بالحزب هنا في الدار البيضاء.
وليس هذا فحسب، لقد ذهب بدريقة بعيدًا وكاد أن يهدد "السلم الاجتماعي" بأكبر مدينة مغربية عندما وصف الوداد والوداديين بـ"أرانب السباق" ، بل إن بودريقة وتر الأجواء وزرع الاحتقان عندما أقحم السياسة في الرياضة ودعا، عبر مستشاره، في ظرفية صعبة، جمهور الرجاء إلى التصويت لفائدة العدالة والتنمية فقط ليقطر الشمع على غريمه سعيد الناصري رئيس الوداد الذي كان يستعد وقتها لخوض انتخابات 7 أكتوبر/تشرين الأول باسم إلبام.
وعندما فشل بودريقة في أن يكون عضوًا في الأصالة والمعاصرة ثم فشل بعد ذلك في أن يكون عضوًا بالعدالة والتنمية، فقد قلب الاتجاه نحو "موروكو مول" للارتماء بين يدي رجل الأعمال عزيز أخنوش ليس لأن السيد يؤمن بالبرنامج السياسي للتجمع الوطني للأحرار.
أبدًا وكلنا يعرف أن السي بودريقة رجل بسيط جاء به الفراغ وبعض المسؤولين القضائيين وليس له لا في العير ولا في النفير وكل همه أن يظل تحت الأضواء مهما كانت الكلفة ، وفعلًا ها نحن نرى اليوم كيف يؤدي عزيز أخنوش هذه الكلفة من سمعته ومن سمعة حزبه لأنه رضي أن يجلس جنبًا إلى جنب مع شخص خام بلا هوية وبلا قيمة مضافة وبلا تكوين سياسي وبلا ماض سياسي وبلا تأطير سياسي وبلا أي شيء في المكتب السياسي لحزب كبير كان دائمًا رقمًا صعبًا في معادلة الحياة السياسية في المغرب ، ثم إني لم أفهم كيف أن رجل أعمال محترمًا مثل السي عزيز أخنوش يقبل أن يكون معه في الأجهزة القيادية للحزب كل من هب ودب أو الذي لم يسبق له أن هب أو دب ليتدارس معه الحلول للقضايا والملفات الكبرى الشائكة للوطن.
وشعار "أغراس أغراس" يحتاج إلى الكفاءات والخبراء والأطر من ذوي المعرفة والتكوين العالي، وهم بالتأكيد كثيرون داخل حزب السي عصمان، ولا يحتاج إلى أولئك الذين بهم "طيش" ولا يتحدثون مع غيرهم من الناس إلا بكلام آخر الليل وكلام ما تحت الحزام.
ولست في حاجة أن أذكر هنا بأن اختيار بودريقة للأحرار لم يكن بهدف تعزيز صفوف هذا الحزب والنضال من داخل مؤسساته، بل كان الهدف ربما هو الاختباء وراء عزيز أخنوش للإفلات من "العقاب" ومن الأسئلة المحرجة للفرقة الوطنية للشرطة القضائية في الكثير من الملفات الغامضة.
وليس سرًا أن تاريخ بودريقة مع الرجاء البيضاوي هو تاريخ فضائحي بامتياز لأن الرجل حول ناديًا عريقًا إلى "ورشة بناء" بحساب بنكي واحد يتقاضى منه اللاعبون أجورهم وتعويضاتهم المالية في شكل شقق وهمية لازالت لم تتحقق على الأرض. وهذا التاريخ "الفضائحي" لبودريقة تحدث عنه أهله من الداخل مثل أمين الرباطي الذي كشف جزءً فقط من المستور ، بل تحدث عنه أيضًا حتى الأجانب مثل المدرب فوزي البنزرتي الذي اعترف ذات يوم أنه لم يعرف فريق الرجاء في المباراة ضد أولمبيك آسفي.
وطبعا، نتذكر أن ألسنة السوء تحدثت وقتها عن فرضية صفقة قد يكون بودريقة هندسها مع السي عبد المالك عبرون ليفوز المغرب التطواني في بطولة ذلك الموسم ، صحيح أني لست ذا معرفة وخبرة في الرياضة والرياضيين، لكن يبدو لي والله أعلم أن الرجاء هي أكبر من أمثال بودريقة لأن هذا الفريق الكبير أعطى لهذا المنعش العقاري الجاه والنجومية وشبكة علاقات واسعة وأعطاه أيضًا امتيازات كثيرة لعل أعلاها هو امتياز الاستقبال الملكي.
لكن ماذا أعطى سعادة بودريقة للفريق الأخضر؟ لا شيء سوى أنه "غرق له الشقف" ب17 مليار سنتيم من الديون ، بل إنه مسؤول عن هذا النفق الذي دخله الرجاء ومسؤول أيضًا عن تشريد عشرات الأسر واللاعبين كما لو أن الرجاء بلا تاريخ عظيم وبلا رجاويين عظماء مستعدين أن يفدوه بأموالهم وحياتهم ليظل الفريق متألقًا كما كان منذ أن رأي النور قبل قرابة 70 عام ، وليس صحيحًا أن فريق الرجاء لم يصل إلى العالمية عام 2013 إلا أن هناك شابًا إسمه بودريقة جاء إلى رئاسته.
تألق الرجاء عالميًا قبل هذا التاريخ وقبل مجيء بودريقة وتحديدًا في عهد رؤساء كبار ولاعبين عظام لازالت أسماؤهم محفورة في الذاكرة الجماعية للمغاربة وللرجاويين ، ولن تنسى الجماهير الرجاوية وغير الرجاوية مسيرين من العيار الثقيل من أمثال المعطي بوعبيد وعبد العزيز المسيوي وعبد الواحد معاش وعبد اللطيف السملالي وأوزال وغلام وحنات وعمور الذين لم يذكر التاريخ أنهم باعوا الوهم للاعبين أو سوقوا الوعود الكاذبة لربح الوقت ولو على حساب مصلحة الرجاء.
وهذا التألق العالمي لهذا الفريق الأخضر ساهم فيه أيضًا جمهور عريض ومعطاء من الرجاويين الأوفياء والغيورين والداعمين لفريقهم في السراء والضراء وما وهنوا وما استكانوا يومًا ما ، بمعنى أن العالمية جاءت مع كل هؤلاء ومع لاعبين نجوم أمثال ظلمي والحداوي وصلاح الدين بصير ومستودع وعبد الرحيم ورضا الرياحي وجريندو والمباركي والشادلي وعزمي وياسين الصالحي وحسن الطير واللائحة طويلة بطول تلك الألقاب الوطنية والقارية المهمة التي سجلها الرجاء البيضاوي في تاريخه الذهبي المشرف للمغرب والمغاربة ديما راجا.