بقلم - حسن البصري
رغم أن "فيفا" يتبرأ من الملتقيات الجهوية والعرقية ويعتبرها تكريسا لهيمنة رياضة الأقليات، إلا أن العرب والمسلمين يصرون على تنظيمها، وجعلها مزارا كل أربع سنوات لمن استطاع إليه سبيلا. وكرست دورة ألعاب التضامن الإسلامي التي تحتضنها عاصمة أذربيجان "باكو"، الخلاف بين المسلم وأخيه المسلم، فقد تبين أن التضامن مفترى عليه في هذه الدورة، حين أعلنت ليبيا عدم مشاركتها في الملتقى الرياضي بسبب غياب الإمكانات المالية، دون أن يتحرك في المسلمين الوازع التضامني ويعلنون بالإجماع تحمل مجلس التضامن الإسلامي نفقات سفر أبطال بلد كان ينظم الدورات الرياضية مجانا للمسلمين لا يريد منهم جزاء ولا شكورا إلا تمجيد العقيد.
في دورة أذربيحان الإسلامية حضر عدد من الأبطال المسيحيين واليهود من المجنسين وغير المجنسين، ناهيك عن عشرات المدربين والتقنيين الذين لا دين ولا ملة لهم، ولأنها دورة للتضامن بين المسلمين فإن معارك العرب والفرس قد ميزت الملتقى الرياضي، حيث استفزت إيران دول الخليج بإصرارها على تسميته بالخليج الفارسي. وتجرى المنافسات الرياضية وفق قواعد اتحاد الرياضات الإسلامية، وتراهن اللجنة المنظمة على بطولة "حلال"، قبل ثبوت رؤية مواد منشطة محظورة في دم ملاكم مغربي، منع من المشاركة في الدورة في انتظار القصاص، يا لفضيحتنا في أول يوم.
للأمانة فإن التنظيم أضر بالمنتخبات المغربية، مما يتطلب تحرك المسؤولين، فلا يعقل أن نواجه في دورة إسلامية منتخب الكاميرون المسيحي، يمارس لاعبوه طقوسا كاتوليكية قبل وبعد ولوج الملعب، ولا يصح لنا أن نقبل خسارة منتخب الكرة الطائرة أمام منتخب إيران الشيعي، في تظاهرة قيل إنها سنية، كما لا يحق لنا السكوت عن مشهد لاعبات سافرات في أحواض السباحة، ومدربات يتجولن في شوارع باكو بالدجين مما أدخل المنظمين في خلاف فقهي حول المساواة في ممارسة الرياضة وفي نقاش النقاب والحجاب والبرقع.
للدورة شعار: "الدين والرياضة للجميع"، رغم ذلك تصر اللجنة المنظمة على تنظيم مسابقات رياضية تزامنا مع صلاة الجمعة، مما شجع الصحافيين المشاركين في الدورة على تناول التنظيم "غير الديني" بالاعتراض والإفتاء. بل إن مشاركة اليمن في الدورة حرك الحوتيين ودفعهم لتقديم ملتمس للحضور الصوري بدعم من حلفائهم الإيرانيين.
قالت سباحة تونسية خارجة للتو من المسبح الأولمبي وهي تعرض مفاتنها، إن الدين جزء مهم من حياتها، دون أن يفهم الصحافي مغزى الكلام، قبل أن تضيف بأنها تملك في رصيدها مشاركة في الأولمبياد وعمرة. أما اللاعبون المغاربة فتحسبهم في لقاءاتهم الحوارية مع الصحافيين رجال دين، حين يستهلونها بالبسملة وينهونها بالحمدلة، أما ما تبقى من كلام فلا يفهمه المتلقي إلا بالاستعانة بكتاب تفسير الأحلام لابن سيرين.
إذا لم تجن منتخباتنا ميداليات من دورة ألعاب التضامن الإسلامي، فانتظروا هروبا نحو لازمة تبرر الفشل، "المهم هو المشاركة"، وتكرارا لموال "الاستعداد المتأخر"، وفي ضوء المتغيرات الجيو سياسية، قد نفاجأ في الدورة المقبلة بفتح أبواب المشاركة في وجه بعثة "داعش" الرياضية، وحضور وفد يمثل حزب الله المدعوم من إيران وآخر عن بوكو حرام، هناك ستصبح الميدالية مبللة بالدم.
في دورة التضامن غاب الرعاة "الإسلاميون" وحضر المستشهرون "الكفرة" الذين لطالما طالب المتطرفون بطردهم من حياتنا، ولو على "واتس آب"، غابت البنوك الإسلامية واختفت منتجات العطور والبخور، ورفض مطلب بتنظيم الدورة الرياضية في شهر رمضان، وقبل أن يغادر صاحب المقترح منصة الخطابة توصل برسالة نصية على هاتفه تهدده بالتصفية الجسدية، ألسنا خير أمة أخرجت للناس.