بقلم: محمد الروحلي
شهد موسم 2017-2018 اعتزال العديد من النجوم كرة القدم عبر العالم، بعد سنوات طويلة قضوها في الملاعب حققوا خلالها إنجازات عظيمة وصنعوا قاعدة جماهيرية، ليقرروا أخيرا التوقف كسنة للحياة، لا يمكن بأي من الأشكال تجاهلها أو تجاوزها نهائيا. وبطبيعة الحال فالأسماء كثيرة وكبيرة، وتابع العالم كيف كان الوداع مؤثرا وقاسيا على القلوب، وكيف ذرفت الجماهير الوفية الدموع، مع النجم المغادر أو المعتزل، وهو يقف وسط ملعب فريقه لآخر مرة في حياته.
ولعل آخر وداع مؤثر حقيقة، كان وداع جماهير نادي برشلونةللنجم الكبير أندريس إنييستا، في لحظات قاسية على القلب إلى درجة أن النجم المعتزل لم يتحمل مغادرة الملعب، وبقي وحيدا حافي القدمين جالسا فوق العشب الذي كان شاهدا على إبداعاته، أطفئت كل الأضواء ملعب النيو كامب، وغادر الجميع إلا "الرسام" الذي فضل أن يكون يوم وداعه طويلا، وتمنى أن لا ينتهي…
هكذا يكون العظماء، وهكذا يجب أن يكون التكريم والوفاء وتجسيد ثقافة الاعتراف من النادي ومن المحبين ومن طرف الأوساط الرياضية ككل.
قبل نجم البارصا، تم هذا الموسم وداع نجم آخر كبير أعطى الكثير بدون حساب، وتميز مساره الناجح بالوفاء والحب، إنه الملك فرانشيسكو توتي الذي ظل 28 سنة وفيا لروما، لم يغادر ولم يبحث عن آفاق جديدة، بل إنه رفض الإغراءات المادية، قائلا للجميع: "أنا هنا الملك، فلماذا الذهاب للبحث في مكان ما، عن مملكة جديدة قد يضيق بي أهلها في أي لحظة"، فبايعه أهل روما ملكا أبديا لهم، واحتضنوه بكل المودة والحب والتقدير.
غادر إنييستا واعتزل توتي واعتزل أيضا البرازيلي الأنيق ريكاردو كاكا أمير كوبا كابانا فهو من اللاعبين المحببين لدى جماهير كرة القدم عبر العالم وعشاق ميلان وريال مدريد على الخصوص، كاكا قرر الاعتزال في سن 35 عام قبل بضعة أسابيع بعد انتهاء عقده مع أورلاندو سيتي بولاية فلوريداالأمريكية، إذ ختم مشوارا رائعا كان من الممكن أن يكون أكثر روعة لولا لعنة الإصابة الذي طاردته منذ مدة طويلة، وعرقلت مسيرة هذا النجم المتميز.
في 2017 اعتزل أيضا الإيطالي أندريا بيرلو ضابط إيقاع وسط الميدان بامتياز، بعدما قضى عامين ونصف في الدوري الأمريكي بقميص نيويورك سيتي، ليعلن بيرلو اعتزاله في سن 38 بعد سنوات طويلة من التألق والإبداع.
غادر أيضا أحد أساطير بايرن ميونيخ والكرة الألمانية فيليب لام والإسباني تشابي ألفونسو وغيرهم من الأسماء الكبيرة التي لا يمكن أن تنسى بسهولة، بعد سنوات من العطاء والتميز والأخلاق العالية.
بالإضافة إلى اللاعبين، غادر كذلك المدرب الكبير أرسن فينغر قلعة أرسنال الإنجليزي، حيث تابعنا كيف كان المشهد مؤثرا وهو يقف وسط الملعب، شاكرا جمهور النادي على كل لحظات الفرح التي تقاسموها جميعا، وطلب منهم وهو يغادر النادي الذي ارتبط به لأكثر من 22 سنة أن يبقوا ملتفين حول ناديهم وشعارهم ورمزهم، وأن يستمروا في دعم اللاعبين وكل مكونات "الغانرز".
هكذا يغادر الكبار، وكذا يخرج النجوم من الباب الكبير، وهكذا تكون ثقافة الاعتراف والتقدير والوفاء، وهي لحظات لا تعترف فقط بالماضي، بل تخدم الحاضر والمستقبل معا.
واسمحوا لي هنا أن لا نطلب منكم مقارنة مع ما يقع هناك، وما يحدث عندنا، فالفارق مهول ولا يقاس مع وجود اختلاف في كل شيء، بل حتى في طريقة التعبير عن المشاعر…
والله يصاوب وصافي …