بقلم:الحسين بوهروال
كان بعض الناس إلى عهد قريب يعتقدون ان ممارسة الأطفال والتلاميد للرياضة إذا لم تكن مضيعة للوقت ، فهي تشتت أفكارهم وتحول دون إبراز مواهبهم و نبوغهم الدراسي وهو خطأ كان شائعا إلى وقت ليس ببعيد ، لقد أكدت العديد من الدراسات العلمية الموثوق بها ان الرياضة هي عكس ذلك انطلاقا من المقولة القديمة ألمعروفة : (العقل السليم في الجسم السليم ) عملا بالحديث النبوي الشريف (علموا أبناءكم السباحة والرماية وركوب الخيل) . وقد كان البعض يرى كذلك أن هناك تنافيا بين ممارسة الرياضة في صفوف الاندية وبعض المهن او تحمل بعض المسؤوليات الا بترخيص مكتوب . ورغم ذلك فلم تحل هذه العوائق الاجتماعية الطاغية والقانونية الجارية آنذاك دون نجاح كثير من الشباب في تجاوز عقليات مجتمع غير واع بأهمية الرياضة في حياة الأمم والشعوب وإمكانية التوفيق بين الدراسة وولوج الوظائف ذات الحساسية ومن ضمنهم محمد نجيب جوهري .
مر ردح من الزمن وأصبح خصوم الرياضة يرددون : ( إذا لم تحققها بالقلم ، ستحققها بالقدم ) ، أي الذات كناية على أن الرياضة وكرة القدم على الخصوص قادرة على أن تكون من بين الوسائل التي بإمكانها توفير أسباب آلترقية الإجتماعية للشباب إذا أحسن تدبيرها .
استحضر محمد نجيب جوهري هذه المعيقات وهو يغادر مدينة مراكش إلى الرباط العاصمة وهي التي كانت تشكل بالنسبة إليه كباقي أبناء المغرب العميق أو غير النافع - كما يحلو للبعض تسميته - عالما جديدا يتعين عليه استكتشافه والتأقلم مع المستجدات التي قد يلامسها لأول مرة وهو يحط الرحال بالمرحومة المحطة الطرقية بباب الأحد .
حل الوافد الجديد بالعاصمة الإدارية الرباط وفي مخيلته كثير من الأحلام والأهداف التي يطمح كل طالب في سبعينيات القرن الماضي لتحقيقها حتى وإن لم يكن في محفظته سوى عقد ازدياده وشهادة الباكلوريا وفي جعبته بعض من خبايا وواقع ممارسة في رياضتي كرة اليد وكرة القدم انطلاقا من فرق مؤسساته المدرسية عندما كانت المدرسة مشتلا مزهرا وصولا الى ناديه الكوكب المراكشي الذي مارس في فئاته الصغرى إلى ان تمت ترقيته الى فريق الكبار وهو إبن 16 ربيعا لخوض مباريات بطولة المشاق والمتاعب التي مازال مع ذلك يتذكر أجواءها بحنين وافتخار .
تبث الطالب أقدامه بالتسجيل بالسنة الأولى ، علوم قانونية بكلية الحقوق واكترى له غرفة بإحدى فيلات طريق باب زعير على مقربة من المعلمة التاريخية شالة وحي (مابيلا) مقابل 300 درهم في الشهر . لم يتخلى محمد نجيب الجوهري عن الطنجية التي كانت تشكل أكلته المفضلة إلى درجة أن زملاءه في المعهد العالي للقضاء لاحقا تعودوا مطالبته بإعدادها لهم كلما كان ذلك ممكنا .
سبقته شهرته الكروية إلى الرباط في غياب وسائل التواصل والإعلام المتطور ووكلاء اللاعبين وسماسرة ما فوق وتحت الطاولة حيث كانت عين نادي القرض الفلاحي اول من رمقته من بعيد وخصص له 10 آلاف درهم كمنجة للتوقيع وتعويض شهري مبلغه 1400 درهم إضافة إلى منح الفوز وهي مبالغ كانت كافية للإستجابة لكل المتطلبات المادية لطالب ليس في فمه ملعقة من ذهب إضافة إلى منحته الدراسية التي كان مبلغها 1340 درهما لكل ثلاثة اشهر ليغني والده المرحوم الحاج المختار عن التوصل بانتظام بالرسالة المعروفة المضمون التي تعود الطلبة إرسالها إلى أوليائهم آنذاك : (لا ينقصنا الا النظر في وجهكم العزيز ، وأرسلوا الدراهم ) كانت وجبة الأكل بالحي الجامعي أكدال وبعده السويسي لا يتعدى ثمنها آنذاك 115 سنتيما وكراء غرفة بالحي الجامعي المجهزة لا يتجاوز بدوره 60 درهما في الشهر لكل قاطن .
على ضوء ما سبق يمكن إذن ان نصنف محمد نجيب جوهري الطالب ، ضمن الطبقة الإجتماعية المتوسطة التي يعمل البنك الدولي جاهدا على سحقها بكل الوسائل في كل مكان وبأدوات محلية .
آخى محمد نجيب جوهري عمليا بين الدراسة وكرة القدم بإعطاء كل ذي حق حقه متنقلا بين الكتاب والمدرج والملعب .
فجأة صادف في طريقه رجلا يجمعهما كل شيئ وإن كان الآخر يحمل إسما يمتاز بألف فصلت إسمه إلى شطرين وكأنها الف الميزان الذي يرمز إلى العدالة (جواهري) فليس بين إسمي جوهري وجواهري من فرق يذكر إلا تلك ألألف الرابطة الشامخة التي لا تنحني أبدا . كان اللقاء كما تكون كل اللقاءات الخالدة التي عبر عنها أمير الشعراء أحمد شوقي في مجال الحب والعشق بقوله : نظرة ، فابتسامة ، فسلام ، فكلام ، فموعد ، فلقاء .
التقى الطالب محمد نجيب جوهري بالإعلامي بالإذاعة الوطنية عبد الرفيع جواهري ، لقاء حول مسار الطالب الذي وطد العلاقة التي أصبحت تربطه بالأديب عبد الرفيع والتي أثمرت مصاهرة منذ 43 عاما نتج عنها تكوين أسرة ناجحة مصداقا لقوله تعالى : (وخلق لكم من انفسكم أزواجا لتسكنوا إليها) .
وتشاء الأقدار الإلهية أن يحل الأستاذ عبد الرفيع ضيفا مرحبا به في مدينة مراكش ليستقر بها ويحتضن من قبل رجال العلم والقانون والثقافة والفن والإعلام والدفء الأسري ويستمتع بقمره الأحمر الذي يطلع علينا في صورة البدر المكتمل يوم الرابع عشر من كل شهر ليواصل الأستاذ المبدع المحامي ، الكاتب ، الشاعر ، والإنسان تألقه الذي لا يحتاج لمن يطنب في التعريف به أو الكتابة عنه ما دام كنار على علم .
طوبى للجوهري والجواهري بجواهر ما تحفظه القلوب الطيبة من حب ساكن بين الجوانح مدى الحياة