بقلم: المهدي حداد
في ظل الهجرة شبه الجماعية للمحترفين المغاربة صوب البطولة السعودية هذا الموسم، وغزو الأسود لرمال الخليج بغثة وبكثافة عددية مهمة، تتباين الآراء وتختلف الرؤى حول قرارات ثوابت الفريق الوطني الفجائية، مع تسجيل نقذ لاذع وسخط عارم من أغلبية المتتبعين، مقابل تقبل الأقلية لهذا السفر الكروي، في حين تلتزم فئة معدودة الحياد وتحاول تفهم الأمر دون تطبيل أو توجيه لسهام النقذ.
شخصيا أنا مع هذه الفئة التي تتجنب الدخول في سجال عقيم لعدة أسباب أراها منطقية، أولا أن قرار إحتراف هؤلاء الأسود في الخليج وتحديدا السعودية قرار شخصي ناضج ومسؤول يدعو للإحترام، وثانيا أن سنهم يشفع لهم بالتوجه إلى الأمكنة التي يرونها مناسبة لعمرهم الكروي بعد تجاوز عتبة الثلاثين بالقليل أو الكثير، وثالثا رغبتهم في تأمين مستقبل حياتهم وحياة أبنائهم وعائلاتهم، ومن حقهم هذا ولا يحق لأحد أن ينتقذهم، كونهم ببساطة باتوا يفكرون في مصلحتهم الشخصية قبل كل شيء، بعدما ضحوا لسنوات عديدة من أجل تحقيق العديد من الأشياء في مقدمتها خدمة الوطن والفريق الوطني.
المال بمثابة مغناطيس يجذب إليه المرء مهما علا أو دنا شأنه، وطبيعة الإنسان أن يميل لتحسين ظروف عيشه والبحث عن الرفاهية والإستقرار والغنى، والعامل والأجير يغير عمله ويذهب لمن يدفع أكثر، وهذا حال كرة القدم واللاعبين والمدربين وجميع المتدخلين في هذه اللعبة التي صارت لا تتحدث سوى لغة البذخ والأموال المحرّضة على الجنون.
قمة الأنانية منّا كصحافيين أو مناصرين أو مسؤولين أن نعاتب لاعبا يبلغ 32 عاما إختار النزول من خشبة عصبة الأبطال والبطولات الأوروبية، ليطلب اللجوء بأحد الأندية السعودية والإماراتية والقطرية، وأعلى درجات النرجسية أن ندعوه للبقاء في القارة العجوز لكي يحافظ على مستواه وبالتالي يبقى سخيا ومعطاءا مع الفريق الوطني، وكأننا لا نملك غيره، ولا نتوفر على لاعبين وشباب، وكأن الساحة ستفرغ والأسود سيموتون برحيله أو نزول أدائه.
العيب ليس أن يذهب الأحمدي، داكوسطا، أمرابط، بوصوفة، بوطيب وحتى بلهندة إلى الخليج أو مصر، وإنما العيب في البكاء عليهم وعدم تجهيز الخلف الذي يحل بديلا عنهم داخل العرين، ومطالبتهم بالتعمير طويلا كفرسان للوطن، في صورة مقيتة تهدم الأمل لدى الناشئين وتعدم الأحلام عند الأشبال الذين لا يقلون موهبة وطموحا عنهم، إن لم يكونوا أفضل منهم في بعض الصفات والمميزات.
بعض أسود رونار شاخوا ومن حقهم أن يفكروا الآن في المال فقط بعدما دقوا ناقوس الإعتزال، وإن كان من عِتاب صائب ونقذ منطقي يمكن توجيهه، فهو الذي يجب أن يكون بحق الشباب الذين يطيرون شرقا في مقتبل العمر وأوج العطاء، ويفضلون إغناء الرصيد مبكرا وحرق المراحل، بحجة أن الفرص المتاحة قليلة ويُمنع إهدارها، تاركين الأسود والمشوار والألقاب والشهرة لمن يسعى إليها، والأمثلة عديدة بداية بجواد الزاييري وسفيان العلودي وصولا إلى عبد العزيز برادة ومحسن متولي...
جيل بوصوفة والأحمدي إنتهى كرويا مع نهاية كأس العالم بروسيا، ولو ساعدتهم أجسادهم وإستثمروا ما تبقى في الخزان البدني ليتركوا آخر بصمة مع الفريق الوطني بكان 2019 بمصر، سيكون أفضل ختام لهم على مستوى المسار الدولي، فحضورهم المؤكد بتزكية وعاطفة من رونار قد يخدم الأسود بالتجربة والخبرة والروح القيادية، أما من ناحية الطراوة ومقارعة ديناصورات إفريقيا، فلا أعتقد أنهم سيقدرون على التوقيع على سلسلة من اللقاءات المتتالية بنفس الصورة والقوة، وأتمنى أن يكذب أحدهم تكهني بعد حوالي 6 أشهر.
الإحتراف في الخليج بعد الثلاثين شيء محبذ ومنطقي وواجب لأولئك الذين يبحثون عن مضاعفة الرصيد المالي وتأمين المستقبل، أما من يفعل ذلك في ريعان الشباب فهو إختيار للمال فقط وعجز عن الإحتراف وتثبيت الذات في أوروبا، وتبقى الحرية لكل لاعب في إختيار طريقه وبلوغ أهدافه الشخصية، لكن الفريق الوطني ملك عمومي للشعب، والشعب يريد من يقدم الإضافة من شباب ومخضرمين، ويرفض أن تُغيّر المبادئ عطفا على من إختاروا المال قبل الكرة بفِكر المتقاعدين.