بقلم - أيوب رفيق
الوطنية شعور يكاد يكون فطرياً، وغريزياً، هو كامن في نفوسنا جميعاً، نحْسِبُ، في بعض الأحيان، أنه تلاشى لفرط اكتوائنا بما يعيشه البلد من شوائب وهالات سوداء، حتى يُفاجئنا في اللحظات المفصلية من حيث لم نحتسب. لا يستقيم أن ترشق الآخر بقصور الرأي، وانعدام الحكمة والتبصر، لمجرد أن تقديره ونظرته يسبحان ضد التيار، ويعارضان التوجه العام.
ما من مغربي لم يتفاعل بجوارحه وحواسه مع مشاركة المنتخب الوطني في كأس العالم، وليس هناك من لم تُراوده الأماني والطموحات في إحداث المفاجأة، وبلوغ المراد، حتى لو كان ذلك يبدو من حيث المنطق ضربا من ضروب الخيال، وفي خانة المستحيل.
لكن دعونا نخلع عنا العاطفة، رغم أنها مهمة بالغة العُسر، ونقارب المشاركة المونديالية بمنظار الموضوعية، وبصورة شمولية تحيط بكافة ما رافقها ويرافقها. أي نعم، "أسود الأطلس" وقعوا في مجموعة تضم ألغاما بالجملة، وتنطوي على منتخبات ذات صيت عالمي، لا نحتاج إلى التعريف بها. قدمنا كرة جميلة لا يتنازع عليها اثنان، وظهرنا على بساط العالمية بوجهٍ يكسب التعاطف، ويحرك مشاعر المغاربة كما الأجانب. إنه واقع يحوز إجماع الجاحدين والعدميين قبل المحبين. لكن ما يُضيرني شخصيا، هو أن نُحوِّل هذا الظهور المونديالي من "فشلٍ" في النتائج إلى إنجازٍ رياضي ورمزي ضخم، حتى أن هناك من قارن كتيبة هيرفي رونار بمنتخبات مرجعية في تاريخ الكرة. لقد ابتدع "أصحاب القرار" بروباغندا روّجوها على نطاق واسع، وأضفوا عليها توابل "الشعبوية"، فرأينا كيف أن دموع الثعلب الفرنسي انهمرت، وألسنة المسؤولين دغدغت عواطف الشعب، وربتوا على كتفه، بروايات تتسم بالمؤامرة والمظلومية، في خطوة تروم حجب الزلات التسييرية والتقنية.
ما يكتسي أهمية بالغة، في اللحظة الراهنة، هو مراجعة الوضع، وتمحيصه، بدون أدنى عاطفة. من حقنا الاطلاع على الميزانية الضخمة التي رصدناها للاستعداد والسفر إلى روسيا، والمبالغ المالية التي استفاد منها اللاعبون وعائلاتهم، وهم الذين رافقوهم إلى بلاد الدببة طيرانا وإقامةً وطعاما. كيف نفسر الدعوات التي توصل بها البرلمانيون والرحلات المجانية التي استفاد منها المشاهير. لنفرض أننا عشنا حلما جميلا في المونديال، لكن لنعد إلى أرض الواقع، ونعتمد لغة الحسابات والأرقام، ونستجلي المسؤوليات ومن لم يرتقِ إليها. باراكا من العاطفة، ندوزو للمعقول، وباراكا مانبقاو عايشين فالحلم الوردي وننساو الأهم اللي يمكن يحول لينا حلمنا لواقع.