بقلم : يونس الخراشي
اقترحت على الزملاء أن نتفادى، هذه المرة، الاعتماد على الحافلة في تنقلنا من المحطة المركزية نحو قاعات الملاكمة، فهذه الأخيرة قريبة إلى حد ما، ويوصلنا إليها جسر مؤقت، مركب من أعمدة حديدية وضعت عليها أخشاب مصفوفة بترتيب رائع، في حين تقطع بنا الحافلات طريقا مطولا، بفعل حاجتها إلى أن تلف لفات كثيرة، مما يتعبنا، ويضيع علينا لحظات ممتعة يحققها لنا المشي والنظر إلى العالم من حولنا.
قبل الأغلبية بالاقتراح، وسرنا جميعا في اتجاه الجسر بخطوات بين متثاقلة وخفيفة، لنكتشف الأجواء من فوق الطريق الرئيسية، حيث أتيحت لنا رؤية مناظر طبيعية تخلب الألباب لجزء كبير من المدينة، سواء من جانب شاطئ "إيبانيرما"، أو من جانب "السينترو"، حيث قمم الجبال تنتصب هنا وهناك، مع فارق بين الموقعين، فضلا عن أننا احتككنا بالجماهير المحتشدة وهي تنطلق فرحى، فرادى وجماعات، إلى القاعات، لتشجيع أبطالها الرياضيين.
في الطريق، التي كانت تبعد حوالي كيلومتر أو يزيد بعض الشيء عن القاعة حيث سيجري محمد الربيعي، بطل الملاكمة، مباراته الثالثة، كان الحديث يتجدد حول الأولمبياد بشكل عام، والتنظيم بشكل خاص، فينبري محمد الروحلي، سندباد الصحافة المغربية، ليؤكد لنا ما سمعناه من إعلاميين عالميين كثيرين، وهو أن هذه الدورة بئيسة من حيث تنظيمها؛ خاصة ما يتصل بالنقل والإنترنيت، وأن أفضل دورة على الإطلاق هي التي نظمت في بكين سنة 2008، دون أن ينسى الإشادة بدورة سيدني التي نظمت سنة 2000، وأبهر بها الأستراليون العالم.
كنت أقول لنفسي:"ليتنا نستطيع أن ننظم دورة كهذه، وليقل من يشاء إنها سيئة"، حين سلبتني صور تلك الجماهير البرازيلية الحاشدة وهي تمر بهدوء من جانبينا، بقمصان صفراء، ورايات في الأيدي، وابتسامات حالمة، تعبر عن حب كبير للبلد، ورغبة في إنجاح الدورة، سيما من جانب الحضور الجماهيري للمنافسات، ما يدر مداخيل مالية كبيرة على الجهات المنظمة، كي تعود على البلد بالنفع، وليكن رأي الآخرين في التنظيم سيئا إن أرادوا ذلك، لا ضير.
في لحظة من اللحظات، وكانت أشعة الشمس مصوبة إلى رؤوسنا، مثل رصاص متواتر يتقاذف علينا من كاتم للصوت، انعطفنا يمينا، بعد تردد، مخافة ألا يكون طريقنا صحيحا، فإذا بنا، بعد قطعنا مسافة ليست باليسيرة، نكتشف أننا بالفعل أخطأنا، وأننا إزاء مدخل الجماهير، وليس مدخل رجال الإعلام. غير أننا استمررنا في سيرنا، بما أننا كنا نملك "اعتمادات" تتيح لنا الدخول من مواقع مختلفة، وأفسح لنا شاب باكيستاني على الأرجح، من المتطوعين، الدخول بسرعة، مع نصيحة بأن نتخذ طريقنا إلى مدخل الإعلاميين لاحقا.
مباشرة بعد دخولنا وجدنا أنفسنا في مكان مختلف تماما عن الذي كنا نلج منه إلى قاعات الملاكمة، من الجهة الأخرى، المقابلة لبوابة القرية الأولمبية، إذ اكتشفنا متحفا صغيرا مشكلا من مجسمات لعدة ملاكمين معروفين، ضمنهم محمد الربيعي نفسه، حيث كانت الجماهير تلتقط لنفسها صورا إلى جانب تلك المجسمات، فضلا عن ملاعب مصغرة لعدة رياضات، وبخاصة للملاكمة، حيث وضعت قفازات رهن إشارة الجماهير، و"أكياس" رمل لمن يرغبون تجريب الضربات القوية، وكرات، فيما خصص موقع للعبة كرة المضرب في الجانب.
ثم قادنا سيرنا عبر ممر واسع جدا، محروس بعساكر مدججين بأسلحة خفيفة، إلى عدة محلات تجارية، بعضها يبيع مأكولات، وأخرى تبيع تذكارات للدورة الأولمبية، ثم بدت لنا، من حيث كنا، في فسحة غير مغطاة، علامات المدخل الذي اعتدنا أن نلج منه إلى قاعات الملاكمة، ليبتسم الزملاء، حينها، وقد عرفوا أن رحلة المشي المتبعة تحت أشعة الشمس الملتهبة قربت من نهايتها، وأن موعد المواجهة المرتقبة للربيعي صار وشيكا.
أما حين كنا على مرمى حجر من مدخل رجال الإعلام، فقد أجمع الزملاء على أن البرازيليين فعلوا خيرا إذ حفزوا الجماهير بطريقة مثيرة وممتعة، مشيدين بتلك الملاعب المصغرة، وبتلك المجسمات التي يلتف حلوها الناس لالتقاط صور للذكرى، مؤكدين أن الرحلة عبر الجسر كانت ممتعة، وأن الخطأ في بداية الطريق كان أفضل هدية لنا جميعا.