كيفما كانت القوانين التي يسنها البشر فإنها لا تسمو على التعديل، إذا اتضح ما بها من قصور بعد التطبيق، ولا يسمى القصور قصورا، إلا إذا تكاثر الضحايا، أو ظهر أن القانون لم يعد يستجيب لمتطلبات العصر
فلما أماط اللاعب البلجيكي جان مارك بوسمان اللثام عن الاستغلال الذي يتعرض له لاعبو كرة القدم، كان من الطبيعي أن تقود انتفاضته إلى إنهاء سلطة الفرق على اللاعبين بعد انتهاء عقودهم، وبالتالي وضع القانون الذي يحمل اسمه (قانون بوسمان) حدا فاصلا بين عهدين.
لكن ما يعد له مدربو كرة القدم المغاربة يختلف عما حدث قبل حوالي ثلاثة عقود (1990)، فبعد أن ناضلوا من أجل قانونهم الحالي، وناضلنا تضامنا معهم دفاعا عن المدرب الوطني وحماية لحقوقه، ها هم يعدون العدة للثورة والالتفاف على القانون، وتحديدا البند 16 من قانون المدرب، رغم أنه لم يظهر سوى ضحية، إذا جاز أن نسمي من عبر عن تضرره منه ضحية بالفعل.
الحديث هنا عن المدرب فؤاد الصحابي، الذي تعاقد قبل بداية الموسم الجاري مع المغرب التطواني، ثم فكا الارتباط بعد الإقصاء من منافسات كأس العرش.
مرت الأسابيع، والشهور، وفي غفلة من الجميع أعلنت إدارة سريع وادي زم نهاية شهر العسل مع المدرب محمد البكاري، بمجرد انهزام فريقه ضد الوداد، ولم يشفع له حصول الفريق بقيادته على رصيد مهم من النقاط، كأن لهذا الفريق ما يؤهله لهزم الوداد المثقل بالتجارب والمعزز بجمهوره.
وبينما البكاري يتجرع مرارة "غدر" الزمان والإنسان، أعلنت إدارة السريع بسرعة عن التعاقد مع فؤاد الصحابي، لكن الجامعة رفضت التعاقد الجديد مستندة إلى القانون الذي لا لبس فيه، واستنفذ الطرفان جميع السبل لتمرير العقد الجديد، وظل الباب موصدا.
طيلة المدة الفاصلة بين التعاقد والاحتكام للجن التابعة للجامعة ظلت ودادية المدربين في صف الصحابي، لكن لا أحد تحدث عن الظلم الذي تعرض له البكاري.
يوم الاثنين الماضي اجتمع المدربون بالدارالبيضاء لتشكيل فريق للضغط من أجل تعديل الفصل 16 من قانونهم والمطالبة بالسماح للمدرب أن يدرب أكثر من فريق في الدرجة نفسها في الموسم الواحد، وكأن من ساعد على تمرير القانون الذي اعتبروه منصفا أشخاص آخرون لا تربطهم بأسرة التدريب صلة، لا لشيء سوى لأن القانون طبق مرة واحدة وحال دون السماح لمدرب بتدريب فريقين.
في السابق كان المطلب محط إجماع المدربين، وهللوا لإضافة البند للقانون، لأنهم اعتبروه ضامنا لحقوقهم ولا مسعى لهم سوى الحصول على كافة مستحقاتهم في حال الإعفاء من طرف إدارة الفريق، وهذا سبقتنا إليه دول متقدمة في المجال الرياضي والتدبير.
ما الذي تغير اليوم يا ترى؟ إن حالة المدرب الصحابي شاذة، و"الشاذ لا حكم له"، كما يقول اللغويون، اللهم إذا رغبت "ريما في العودة إلى حالتها القديمة"، والعادة التي كنا نستنكرها هي تفاوض مدرب مع فريق وهو مرتبط بآخر، أو تفاوض فريق مع مدرب قبل إنهاء عقد المدرب المتعاقد معه، فضلا عن تربص مدرب يعاني العطالة بآخر يشتغل فيحصي أخطاءه الموجودة وغير الموجودة ليحرض الإدارة ضده عله يحل محله.
وليتراقص المدربون بين الفرق على مدار الموسم، ومثلما يجرب الفريق حظه مع أكثر من مدرب يجرب المدرب حظه مع فريقين أو ثلاثة.
تحرك المدربين للإجهاز على بند حديث أمر مسيء، لأن البند يحمي المشتغل ويحصنه ضد التسرع في الإقالة، ويضمن له الدخل السنوي ويؤمن له مستحقاته عبر الجامعة.
على العموم نحن لا نملك سلطة فرض القوانين أو تغيرها، لكن نعمل من جهتنا على التنبيه إلى ما قد يقترف من أخطاء أما الحل والعقد فهو بأيدي من يمتلكون سلطة القرار وكل الأمل ألا تحتاج أسرة الكرة المغربية أن يخاطبها أحد بالقول أليس فيكم رجل حكيم؟ والله من وراء القصد.