بقلم : حسن البصري
لحسن الحظ أن الحكومة في حالة “بلوكاج”، مشغولة بشغب أكبر من الشغب الذي أعقب مباراة شباب الريف الحسيمي والوداد البيضاوي، ولحسن الطالع أن البرلمان في إجازة شتوية مدفوعة الأجر، ولن يكلف نفسه عناء تقليب مواجع مباراة يصدق عليها قول الشاعر “مكر مفر مقبل مدبر معا كجلمود صخر حطه السيل من عل”، ولمحاسن الصدف أن وزارة الشباب والرياضة تعيش فترة “بريكولاج” منذ تعيين خالد البرجاوي الوزير المنتدب للتكوين المهني، وزيرا للشباب والرياضة بالنيابة.
حين اندلعت المعركة بين جماهير الوداد البيضاوي وشباب الريف الحسيمي، هرولت نحو الموقع الرسمي للوداد بحثا عن بلاغ رسمي يعرض موقف مؤسسة الوداد، فتبين أن المشرفين عليه لا علم لهم بالمباراة المثيرة للجدل، وأن أخباره تعاني من “الديكالاج أورير”، فلا إشارة للمباراة ولا بيانا لتنوير الرأي العام ولا هم يحزنون. وحين قفلت عائدا صوب الموقع الرسمي لشباب الريف الحسيمي تبين لي أنه يخضع للصيانة وكأنه مصاب بحجر طائش.
لهذه الأسباب وغيرها لن تأخذ “موقعة الريف” نصيبها من الجدل في دواليب الحكومة، ولن تؤثر على العلاقات الجيدة القائمة بين فريقين شقيقين بالرضاعة من ثدي حزب الأصالة والمعاصرة، وقعا ذات مساء اتفاقية وقف إطلاق النار واتفقا على دفن ماضي النزاعات قبل أن ينسى الجميع بنود الاتفاقية التي ولدت ميتة ويعملون بالقول المأثور إكرام الميت دفنه.
كان عبد الغفور شابا يافعا تخلى عن دراسته بسبب سوء البرمجة، وأصبح مشجعا مهووسا بحركة الالتراس الريفي، يسافر كغجري إلى كل الدنيا وهو يلف جسده بعلم فصيل المشجعين، ويصلي النوافل على قبلة الالتراس، وبعد أن تراجع الفريق درجات في سلم الصفوة، وصادرت السلطات الجمهور المتطرف، خرج للتظاهر في الشارع وقرر تغيير المنكر بأنامله، وأنشأ خلية للكتابة ملأت حيطان المدينة بعبارة “الالتراس لن تحل”، ومع مرور الأيام غير الفتى جلده وأصبح يحمل صفة ناشط سياسي، يصطف في المظاهرات ويردّد عاش الريف بعد أن سقطت الكرة من أهازيجه بالتفاهم.
غفر الله لنا ولعبد الغفور، الذي وصف الجمهور البيضاوي بـ”بلطجية المخزن”، ووصف ما وقع عقب مباراة الوداد والشباب الحسيمي، بالعملية المدبرة سلفا من طرف السلطة، حيث “جلب إلى المدينة مجموعة من المنحرفين للإجهاز على ممتلكات الريفيين”، وكاد حماسه الزائد أن يدفعه لاتهام الجمهور البيضاوي بالعمالة لإسرائيل، لولا نفاذ ذخيرة مداده.
سار الفتى على خطى ناصر الزفزافي كبير الناشطين السياسيين في المنطقة، وأقر أن جمهور الوداد “مسخر من المخزن”، ليس لهزم الفريق على أرضية الملعب بل للقيام بأمسية رعب في شوارع مدينة تعيش على صفيح ساخن، وتتحالف ضد هدوئها الزلازل والانتفاضات..مع مرور الوقت زاد حماس عبد الغفور ولم يعد عاشقا لنجم الفريق الريفي لمباركي بل أحدث تغييرات على حائط صفحته الفايسبوكية واختار شيكيفارا كبروفايل، وقادته جرعة حماس زائدة إلى المطالبة بوطن جديد ولو على سبيل الإعارة.
رجاء دعونا نقرأ شغب مباراة الحسمية بهدوء ونفصله عن حراك المدينة، وألا نخلط الأوراق ونضع مشجعًا وداديًا يافعًا كسر بحجر طائش واجهة محل تجاري، في نفس قفص الاتهام مع مسؤولين استغلوا سلطتهم لمراكمة الثورة في المنطقة لا يهمهم أن يطحن محسن أو يهان البسطاء.
علينا أن نقر بتقصير أمن المباراة، بعد أن أجبرت الخلايا الأمنية الرياضية على اعتزال الكرة، لأن وزير الداخلية، آمن بأن “التشجيع مضر بالصحة” كالتدخين، فألغى العمل بنظام “الكابو” وصادر “الباش” وروج لفرجة حلال رغم أن العري يبطلها.
إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلا بد أن يتابع المباريات في بيته.