بقلم - أيوب رفيق
مِثْل قطارٍ اهتدى إلى سِكَّته الصحيحة بعد سنوات من الضّياع، أخذت الكرة المغربية تنْخَرِطُ في مسارٍ قويم من ثِماره التتويج بكأس أمم إفريقيا 2018 للمحليين، كامْتدادٍ لحجز المنتخب الوطني الأول بطاقة العبور إلى نهائيات كأس العالم، وحيازة الوداد الرياضي للقب دوري أبطال أفريقيا.
يبدو من المُجْحِف اعتبار هذه الإنجازات مُجرَّد مُصادفة؛ ذلك أنها حدثت في هامشٍ زمنيٍّ ضيّق لا يتعدَّى الثلاثة أشهر، وإنما يُحيل الأمرُ فِعلاً إلى الدِّينامية التي بدأت تدبُّ في النَّمط الذي تُدار به الملفات الكروية، وتعاطي الجِهات الوصية بحزمٍ أكبر واستيعابها بأن العمل هو السبيل الوحيد لبلوغ القمة.
اللاعبون الذين رفعوا، الأحد، لقب "الشَّان"، وداسوا على كبرياء المنتخب النيجيري، لم يستندوا في ذلك على مجاورة العديدين لبعضهم البعض داخل فريق واحد، أو علاقات الصداقة التي تربطهم خارج المستطيل الأخضر، بل جاء ذلك نِتاجَ مُخطَّطٍ يسِمُهُ الانضباط والالتزام.
لقد ظل الإطار الوطني جمال السلامي عاكفاً لسنتيْن على هندسة لبِنات النجاح؛ وهو يسهر على معسكرات دورية لتعزيز الانسجام بين اللاعبين، وتسليط مُتابعة دقيقة من مدرجات الملاعب على مقابلات الدوري المحلي، حتىيرصد مِجهر الطاقم الفني أي اسمٍ برَزَ وصدَّر بوادر توحي بقدرته على تقديم الإضافة.
كانت هذه أولى الرسائل التي يُمكن التقاطها من كأس أمم أفريقيا للمحليين، قِوامها أن اعتلاء منصات التتويج لا يتأتَّى إلا بالاجتهاد والمثابرة والتخطيط المُحكم. أما ثاني الرسائل فقد تكفّل رفاق أنس الزنيتي في بعثها إلى العامَّة، مُكسِّرين تلك النظرة النمطية التي ترمي اللاعب المحلي بالعجز والقصور والهواية.
مع كل اللآلئ التي لمعت داخل المنتخب الوطني طيلة مجريات المسابقة، أثبتت الكرة المغربية أنها قادرة على الإنجاب والتفريغ، ولا تعوزها المادة الخام من حيث المواهب، بل تحتاج فقط إلى تجويد التكوين ووضع لاعبيها وطاقاتها الشابة في إطارها الفني والتربوي الصحيح.
لمَّا وجد أيوب الكعبي وزملاؤه المناخ السليم للاستعداد، ولمسوا مدى الاهتمام الذي يولى إليهم، وحظوا بالإمكانيات اللوجيستيكية كافة والدعم المعنوي اللازم، ما كان منهم إلا أن انفجروا على أراضي المملكة، حتى صار يستحيل أن ننسب هذا الإنجاز للاعب دون آخر بفعل توهج الجميع.
المطلوب في الوقت الراهن هو استثمار هذا اللقب والبناء عليه، والانكباب بشكل أكبر على تجويد الشق المتعلق بتكوين اللاعبين والفتيان، وترسيخ ثقافة الاحتراف في أذهانهم، والحرص على مرافقتهم من مرحلة تعلمهم أبجديات اللعبة إلى احترافها، إذا ما أردنا أن تنعم كرتنا بقاعدة بشرية عريضة ومواهب غزيرة تجعل من التتويجات عادة بالنسبة لنا أكثر من استثناء.