يونس الخراشي
القميص البرازيلي مغر جدًا، وتشكيلة ألوانه الصفراء والخضراء والزرقاء فيها جاذبية كبيرة للعينين، وهو يأخذ من العلم الوطني للبرازيل، الذي يقوم على قاعدة خضراء، يتوسطها "معين متواز" أصفر، داخله دائرة زرقاء، تزينها سبع وعشرون نجمة، وكتب على شريط أبيض يشطرها نصفين عبارتا "النظام والتقدم".ويمكن للمرء أن يجد في موقع "ويكيبيديا" معلومات جميلة عن هذا العلم، تفيد بأنه اعتمد رسميًا بتاريخ ١٩ نوفمبر/تشرين ثان عام ١٨٨٩ بمرسوم قانون ٤، وأن النجمات السبع والعشرين تشير إلى عدد الولايات الفدرالية للبلد، وهو العدد الذي انتقل من عشرين إلى واحد وعشرين، فثلاث وعشرين، فسبع وعشرين، العدد الحالي لتلك الولايات.
وفي الموقع نفسه ستجد أن العلم البرازيلي صممه رايمون تيكسيرا منديس، ورسمه الفنان ديسيو فيلارس، وستعرف بأن الشعار المكتوب بداخله مأخوذ من مقولة لرائد الوضعية الفيلسوف الفرنسي أوغست كونت، وهي كالآتي: "الحب مبدأ والنظام قاعدة والتقدم في النهاية"، ويحيلك القميص البرازيلي الوطني، الذي يشتهر به منتخب السامبا، منذ أن أُنشئت منافسات كأس العالم لكرة القدم، على طبيعة البرازيل وطبائع البرازيليين، والتي لحمتها الأيام من الخضرة الفوارة؛ بفعل المياه المنبثقة من عيونها العديدة، ويجسدها بشكل كبير نهر الأمازون، وحاضنته الغابة الشهيرة بكونها رئة العالم، وعلى أشعة الشمس الصفراء الفاقعة التي تملأ سماء البلد صيفًا وشتاءً؛ بفعل وجودها في المنطقة المدارية، وبطبيعة الحال على البحر الأزرق الذي منه جاء مكتشفو البرازيل؛ ويشكل باستمرار بوابة البلد على العالم الخارجي.
وتنتشر ألوان العلم البرازيلي في ألبسة أهل البلد، وهم يتزيون بالقمصان الخفيفة التي دون أكمام على الأغلب، وهي الألوان التي صارت، مع مرور الوقت، متداخلة مع بعضها بشكل من الأشكال، بفضل التنويع، وتطور التقنيات المعتمدة في صناعة الألبسة، لكن دون أن تضيع جوهرها، أو تخطئها العين.
ألوان العلم البرازيلي، التي هي ألوان القميص الوطني، وعرفها العالم عن طريق منتخب كرة القدم أكثر مما عرفها بشيء آخر، تتجسد على أرض الواقع في طبيعة الناس، حيث إنهم مثلها في وجوههم غموض الغابة وسحرها المغرق في الجاذبية، وفي عيونهم شساعة السماء وعمق البحر، ولديهم، كالشريط الأبيض الذي يشطر علمهم نصفين، قدرة هائلة على النظام والتأنق، ولكنه نظام يستحق نقدًا لاذعًا.
أما تلك النجوم التي تشير إلى عدد الولايات، فهي في واقع الأمر تمثيل حي لبلد ولاد للفلتات، في مناح عدة من الحياة، وإن كانت الشهرة الغالبة للاعبي كرة القدم، الذين يعتبرون سفراء البرازيل في كل مكان، وحيثما وليت تجد لدى الناس فكرة عنهم، بل إن من الناس من يعرفهم جميعًا أكثر مما يعرف عن نجوم بلده.
وتوجد البرازيل الآن في المنتصف الثاني من الطريق نحو حضيرة الدول المتقدمة، غير أنها كمن يقطع خطوتين إلى الأمام ليرجع خطوات إلى الوراء، ما يجعل سيرها يبطئ نحو الهدف المنشود من كل البرازيليين، هؤلاء الذين عانوا جراء الحكم الشمولي لفترة مهمة، ويطمحون مع النظام الديمقراطي، إلى معدل تنمية جيد ومستدام، عساهم يرون بلدهم بدون فقر مدقع، ويستحق شعار "النظام والتقدم" الذي يتوسط العلم الوطني، ويلتصق بالقلوب وهو على القمصان الصفراء الجذابة.