بقلم - عزيز بلبودالي
الأول يعتذر، دافعه الاعتراف بالخطأ أو الأمل في إعادة العلاقة إلى سكتها الصحيحة وتحسينها والحفاظ عليها. الثاني بقبوله الاعتذار يعبر عن سلوك راق وحضاري ونبل في الروح والأخلاق، كما أن من يسعى كوسيط بينهما، يكون هو كذلك على نفس الدرجة من النبل والأخلاق.
في عالمنا الرياضي الوطني، وكرة القدم على الخصوص، تنبعث من حين لآخر، صور جميلة بمواقف إنسانية رائعة تترك أثرها في المتتبع وفي كل مكونات المشهد، هكذا هي كرتنا الوطنية، ومباريات كل البطولات من أقسام الهواة إلى الاحتراف، حيث لا تقدم فقط الصور القبيحة، والأخبار المؤلمة، والعناوين المقززة، لكننا ومن حين لآخر، نتابع مواقف جميلة من هذا اللاعب أو ذاك، من ذلك المدرب أو آخر، كما حدث هذا الأسبوع ونحن نتابع كيف بادر الإطار الشاب يوسف فرتوت إلى إرسال خطاب اعتذار رسمي لمكونات فريق اتحاد الخميسات بعد اللغط الكبير الذي صاحب تعاقده مع المغرب التطواني، في الوقت الذي كان قد أعطى « كلمته» للفريق الزموري وأعلن موافقته المبدئية على الإشراف على تدريبه قبل أن يتراجع ويقرر ساعات قليلة بعد ذلك الطيران إلى تطوان.
موقف محترم من مدرب شاب يشق طريقه في عوالم التدريب، ونادرا ما يقوم بالسلوك ذاته كبار المدربين. الأجمل، أن مكونات اتحاد الخميسات تلقت اعتذار فرتوت كقطعة ثلج بددت حرارة الغضب الذي امتلكها منذ اعتبرت فرتوت تهرب من الفريق الزموري واحتال عليه، قبلت مكونات الفريق اعتذار مدرب وصف البعض سلوكه بالمهين في حق فريق بمرجعية هامة في كرة القدم، إلا أن اعتذاره كان الحد الفاصل بين الغضب وبين السكينة وعودة الهدوء.
تعلمنا وعلمنا معلمونا وآباؤنا أن الاعتذار هو سلوك نبيل، هو أسلوب حياة راق وجميل، وعلمونا أن قابل الاعتذار، المعتذر إليه، هو الأكثر نبلا والأرقى خلقا. ولعل من تابع المباراة التي جمعت مؤخرا بين الفتح والرجاء، لتأكد أن كرتنا، وبقدر ما تقدم لنا من صور قبيحة في كثير من الأحيان، إلا أنها أيضا تبسط أمامنا أرقى مشاهد السلوك الرياضي النبيل، و في هذا الإطار، تابعنا حركات الصلح وابتسامات الرضا بين المدربين وليد الركراكي (الفتح ) و غاريدو ( الرجاء)، بعد كل عبارات الإساءة التي حاول كل واحد منهما أن يتفوق فيها تجاه الآخر من خلال تصريحاتهما.
لحظات قليلة بعد ذلك المشهد الجميل، كنا مع موقف حضر فيه السلوك المثالي الرزين للاعب بدر بانون، وهو يبادر إلى تقديم اعتذاره للمدرب وليد الركراكي عما بدر منه من كلام لا يليق من لاعب لمدرب أكبر منه سنا وخبرة، مجرد كلمة اعتذار أنهت الخلاف الذي كان وقع بينهما خلال مباراة نصف نهائي كأس العرش، ومجرد كلمة اعتذار كان لها التأثير المباشر في صفوف الجمهور الحاضر في المدرجات الذي انتقلت له تلك الروح الرياضية الجميلة وانعكس ذلك على سلوكه داخل الملعب أثناء المباراة، وخارجه بعد نهايتها.
تتكرر مشاهد الروح الرياضية في ملاعبنا ونادرا ما نتوقف عندها، مشاهد تترجم أن عددا كبيرا من رياضيينا ما زالوا يؤمنون بقيم الرياضة وبأخلاقها، ونأمل أن تنتبه جامعة كرتنا أو مختلف الجامعات الأخرى وتفكر في تخصيص جائزة للروح الرياضية وللسلوك الراقي مرة كل شهر أو ،على الأقل، مرة عند كل نهاية بطولة وموسم.
ولكرتنا أن تفتخر، وقد مر بها نجوم كبار، اعترف العالم كله ليس بموهبتهم، فحسب، بل بأخلاقهم أيضا وبروحهم الرياضية العالية، ولن يصعب علينا هنا أن نتذكر، بفخر وباعتزاز، الراحل عبد المجيد الظلمي، مثلا، الذي ساوى، وبامتياز، خلال كل مساره الكروي، بين الرقي في الأداء واللعب، وبين الرقي وبنفس المستوى في السلوك، ما دفع مؤسسة عالمية من قيمة مؤسسة «اليونيسكو» إلى الاعتراف به واختياره لاعبا استحق جائزة الروح الرياضية.
في فريق الرجاء، خلال بطولة هذا الموسم، برز اسم اللاعب زكريا حدراف كلاعب مهاري يلعب دورا بارزا في صنع الأهداف وكذلك في تسجيلها، وإلى جانب ذلك، يبقى حدراف من اللاعبين الخلوقين المتسامحين. حدراف يعتذر دون تردد حتى في المواقف التي يجب أن يكون هو فيها المعتذر إليه. في الوداد، هناك إبراهيم النقاش، في الجيش الملكي هناك محمد أمين البورقادي حارس المرمى، في الفتح، تطوان، الحسيمة، أكادير، خنيفرة، الجديدة، خريبكة، وجدة، وفي كل الفرق، هناك لاعبون بسلوكيات مثالية وأخلاق عالية، تصرفهم داخل الميدان يعطي للفرجة متعة إضافية.
مثل زكريا حدراف، وعبدالمجيد الظلمي، وغيرهما من اللاعبين « النبلاء» يجب أن يكونوا القدوة، كما يجب أن نصفق لهم ونشجعهم، فسلوك اللاعبين أو المدربين والمسيرين داخل الملعب يكون له دائما انعكاس على سلوك الجمهور.. يجب أن لا ننسى ذلك! !