إدارة الأزمة وأزمة الإدارة

إدارة الأزمة وأزمة الإدارة

المغرب الرياضي  -

إدارة الأزمة وأزمة الإدارة

بقلم : توفيق بوعشرين

تظهر أزمة الريف اختلالات كبيرة في جسد الدولة، وفي منهجية اتخاذ القرار، وفي طريقة تنفيذ السياسة العمومية الخاصة بتدبير الأزمات. ولأن الجميع مشغولون باليومي والظرفي، فإنهم لا يشعرون، في الغالب، بهذه الاختلالات وبالتغيرات التي طرأت على صناعة القرار العمومي، ولأن المعاصرة حجاب، كما يقول المؤرخون، حيث تحجب الأحداث الرؤية، ويحجب المعيش اليومي الإطلالة من فوق على نهر الوقائع المتدفقة هنا، نحاول أن نمسك ببعض هذه الاختلالات التي ظهرت على سطح تدبير كارثي لأزمة طالت لمدة ثمانية أشهر، ومازالت مفتوحة على كل الاحتمالات.

أولا: ضعف استشعار المخاطر عن بعد لدى السلطة. لم تنتبه الدولة إلى أزمة الريف منذ انفجارها الدراماتيكي يوم 28 أكتوبر من السنة الماضية، وتعاملت معها الداخلية وكل الأجهزة التابعة للدولة بـ«استخفاف» ظاهر، حيث لم ترَ ما يمكن أن تفتحه شرارة وفاة بائع السمك في شاحنة أزبال في منطقة تعيش أربعة مشاكل معقدة؛ أولها تراجع تحويلات الدياسبورا الريفية من أوروبا نتيجة الأزمة الاقتصادية التي انفجرت منذ 2008، وثانيها ضعف مردودية زراعة وتجارة المخدرات التي حاصرتها الدولة بضغط من أوروبا دون توفير بديل اقتصادي ومعيشي لسكان منطقة لا زراعة ولا تجارة ولا صناعة فيها.. منطقة تصل بطالة الشباب المتعلم فيها إلى أكثر من 40%. أما ثالث عامل أسهم في تفجير الوضع فهو احتكار البام مواقع انتخابية لا توازي نفوذه السياسي، ما خلق قطيعة بين الشارع والمؤسسات المنتخبة.

أما رابع أسباب الأزمة، فهو العامل السياسي والإداري، حيث ألحقت الحسيمة بجهة طنجة، وأصبحت تشعر بالتهميش، علاوة على طول أزمة البلوكاج، وصعود حكومة العثماني في حالة من الضعف والترهل، جعلت سكان الريف يشعرون بأنهم بلا مخاطب، فلجؤوا إلى الشارع. كل هذه المشاكل لم تظهر في لوحة القيادة بالرباط وهي تتابع حدث استشهاد فكري، الذي شكل القشة التي قصمت ظهر الربيع.

ثانيا: التغول الأمني على حساب السياسي، بمجرد ما كبرت كرة الثلج في الريف، وصار للحراك زعيم ودفتر مطالب وجماهيرية في الشارع، وتأييد في جل بيوت الريف، حتى تحركت المقاربة الأمنية التي احتكرت تدبير الأزمة بالاعتقال والضرب والقانون الجنائي. أكثر من هذا، عمدت هذه المقاربة إلى توريط السياسة، مجسدة في الحكومة، في اتهام الريف بالسعي إلى الانفصال والعمالة للخارج، وهو ما صب الزيت على النار. وإذا كانت هذه المقاربة قد فشلت في إقناع صاحب القرار بجدواها سنة 2011، فإنها في سنة 2017 نجحت، أمام التجريف الذي تعرض له الحقل السياسي والحزبي، في فرض نفسها كحل وحيد ورخيص للأزمة، حيث أقنعت القصر بلاجدوى التنازل للشارع في ظرف وطني وإقليمي ودولي لا يضغط بشيء على المغرب، ومن ثمة فإن استعمال القوة والاعتقال والسجن سيحل المشكلة، وبعدها يمكن أن تتقدم المقاربة الاقتصادية لترقيع ما يمكن ترقيعه. ورغم أن هذه المقاربة فشلت، فإن الدولة لم تستبعدها، بل حاولت حماية تجاوزاتها الحقوقية التي فاقمت المشكلة، وخلقت مضاعفات جديدة لها، وهذا يكشف مدى تراجع صوت السياسي في مربع اتخاذ القرارات.

ثالثا: أظهرت أزمة الريف احتراق ورقة البام التي تعرضت في ظرف سنتين لثلاثة اختبارات قاسية، انتهت كلها بنتيجة واحدة وهي أن البام ليس حلا، وأنه جزء من المشكلة. ظهرت هذه النتيجة أولا في الانتخابات الجماعية لسنة 2015، إذ عجز التراكتور عن دخول المدن الآهلة بالسكان، وبقي يحرث في أرض الأحزاب الإدارية في البوادي، حيث الرهانات السياسية والاقتصادية ضعيفة جدا، فيما كان المصباح يحقق نتائج مبهرة أعطته قيادة 80% من الناتج الداخلي الخام في المدن الكبرى والمتوسطة التي استولى عليها، وكان الاختبار الثاني في 2016، حيث عجز التراكتور عن انتزاع المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية للسابع من أكتوبر، رغم كل الدعم الذي قدم له ماليا وقانونيا وإداريا، وهذا ما اضطر الدولة إلى قبول انتصار حزب بنكيران على مضض، وحتى عندما أزاحت زعيمه، فبيدها لا بعجلات البام. أما ثالث اختبار انتهى بفشل البام، فهو حراك الريف، حيث كان حزب إلياس العماري يبيع للدولة وهم المصالحة مع الريف، والقدرة على لعب دور الوساطة، لكن الثمانية أشهر الأخيرة أظهرت أن البام لا يتمتع بأي حضور في الريف، وأنه هو نفسه متهم بإشعال نار الفتنة في منطقة ساخنة جدا منذ عقود. ورغم كل هذه الإخفاقات، فالدولة عاجزة اليوم عن إعادة حساباتها تجاه البام، ومازال في مربع القرار من يرى في الجرار أداة من أدوات إدارة الصراع مع البيجيدي، الذي دخل بعضه إلى الحكومة فيها جله يمارس المعارضة، وبهذا لم يربح المغرب حزبا يقود الحكومة ولا حزبا يقود المعارضة.

رابعا: هناك خلل كبير في قنوات نقل المعلومات إلى أصحاب القرار، وهذا من أخطر الظواهر السلبية التي يمكن أن تقع في نظام حكم مركزي لا تلعب فيه باقي المؤسسات إلا أدوارا هامشية، وهذا الخلل هو الذي يفسر الارتباك الحاصل في إدارة أزمة الريف، فمرة تتهم الدولة السكان بالانفصال، ومرة تعتذر إليهم، ومرة تسمح بالتظاهرات، ومرة تمنعها، ومرة تقول لا وجود للتعذيب، ومرة تعد تقريرا يقر بالتعذيب، ومرة تبعث الوزراء إلى الريف، ومرة تبعث البوليس، ومرة تقول إن مطالب الناس مشروعة، ومرة تقول إن شعو وخلايا أوروبا هم من يوقدون النيران… كل هذا العزف المتناقض يكشف أزمة عميقة في صعود المعلومات إلى الأعلى.. دعك من التحليلات ومن تعدد الآراء والمقاربات غير الموجودة في دائرة القرار.

خامسا: أظهر حراك الريف وعجز الحكومة عن الاقتراب منه ومن حله، أن الطبخة التي أفرزت حكومة العثماني سرعان ما احترقت، وأن الذي خطط لإقصاء بنكيران ومعه نتائج الاقتراع ليس لديه بعد نظر، ولا تصور لطبيعة مشاكل البلد والتوجه السياسي العام فيه. هذا التوجه الذي لم يعط حكومة العثماني أي مصداقية بغض النظر عن الأشخاص داخلها ومساراتهم الفردية. ثم بعد العجز عن الرؤية، ظهر العجز عن إيجاد خطة باء أو بديل لإصلاح الطاجين الذي احترق بعد أقل من 100 يوم على وضعه فوق طاولة البلد، وهذا ما جعل البلد عمليا بدون حكومة، وجعل القصر في احتكاك مباشر مع الشارع ومطالبه وتقلباته.

هذه بعض «الحقائق» التي كشفتها إدارة الأزمة، أو بالأحرى أزمة الإدارة، والله أعلم.

 

GMT 08:07 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أخبار مهمة أمام القارئ

GMT 08:04 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الإمارات والأردن.. توافق لأمن المنطقة

GMT 08:01 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسوأ عقاب أوروبى لأردوغان

GMT 07:59 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لهذا تقود أمريكا العالم!

GMT 07:57 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر الحلقة المقفلة في اليمن

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إدارة الأزمة وأزمة الإدارة إدارة الأزمة وأزمة الإدارة



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  -

GMT 01:21 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 وجهات أوروبية لقضاء عطلة الصيف
المغرب الرياضي  - أرخص 10 وجهات أوروبية لقضاء عطلة الصيف
المغرب الرياضي  - أخطاء تقعين فيها عند ترتيب مطبخكِ عليكِ تجنّبها
المغرب الرياضي  - رفض دعاوى

GMT 09:27 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

7 آلاف تذكرة لجماهير أدوانا ستارز ضد الرجاء

GMT 19:01 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فريق "المغرب الفاسي" ينهي مبارياته الودية بانتصارين

GMT 00:24 2016 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

أولمبيك خريبكة يواجه الكوكب المراكشي وديًا السبت

GMT 03:47 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

جمهور الرجاء البيضاوي يرفض عودة محمد بودريقة

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 22:22 2015 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير "يونايتد" تحيي ذكرى وفاة لاعبها جورج بست

GMT 23:41 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

المغرب الفاسي يعقد جمعيته العمومية في 10 دقائق فقط

GMT 19:35 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

شاهيناز تكشف تفاصيل ألبومها الجديد في "الليلة عندك" على 9090

GMT 22:11 2019 الأربعاء ,05 حزيران / يونيو

ترامب يلتقي مرشحا مسلما لخلافة ماي

GMT 14:38 2017 الثلاثاء ,25 تموز / يوليو

ظهير الزمالك يعود إلى القاهرة لأداء الامتحانات

GMT 14:39 2013 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

"الوطية" الساحلية مدينة مغربية سياحية تبحث عن المستثمرين

GMT 08:29 2019 الجمعة ,12 إبريل / نيسان

بيراميدز يتأهب لمواجهة فاصلة أمام الأهلي

GMT 19:46 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أمل أولمبيك خريبكة يتعادل مع الرشاد البرنوصي
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib