بقلم - توفيق بو عشرين
من شاهد الجنازة المهيبة لعماد العتابي، وحجم الحزن الذي عّم الريف، وأكف الضراعة التي رفعت إلى السماء تطلب له الرحمة وترجو الشفقة من الدولة، لا بد وأن يسأل نفسه: أما آن لهذا الجرح أن يندمل؟ أما آن للدولة أن تجرب حلولا أخرى غير الحل الأمني لاحتواء حراك الريف، وفك الاحتقان الذي تراكم منذ 10 أشهر؟
الأزمات السياسية والاجتماعية مثل الجروح على جسد الإنسان، منها ما يشفى تلقائيا إذا كان الجرح بسيطا، ومنها ما يحتاج إلى تدخل الطبيب إذا كان الجرح غائرا، لكن، في كل الأحوال، لا تترك الجروح لتتعفن، لأن ذلك ينقلها من حال إلى حال، ومن إصابة إلى خطر على جسم وعلى حياة صاحبه.
حراك الريف يكبر يوما بعد آخر، ويتعقد حادثا بعد آخر، فقد صار لهذا الحراك شهيد وقائد ومعتقلون ورموز ودفتر مطالب، وجماهير متشبثة بقضيتها وتنتظر ثمنا لتضحياتها، وأهم من هذا هناك أحساس في الريف بالظلم والحگرة في منطقة حساسة ثقافيا وعرقيا وسياسيا.
في خطابه الأخير، رمى الملك محمد السادس بالمسؤولية عما يحدث في الريف في مرمى الأحزاب السياسية، كل الأحزاب السياسية، واتهمها بالانصراف عن خدمة المواطنين إلى صراعات سياسوية تضر بالمصلحة الوطنية. رد عبد الإله بنكيران لم يتأخر، فخرج في فاس يرفع التحدي عاليا، ويقول للملك: «إذا ثبت أن حزب العدالة والتنمية عطل مصالح المواطنين بسبب صراعات سياسية مع خصومه، أو أنه عاقب الريف بجريرة البام، فأنا أطلب من الملك أن يحل حزب العدالة والتنمية. انتهى الكلام».
لا يوجد تقييم واحد لأزمة الريف. الملك يعتقد أن الإدارة والأحزاب هما المسؤولان عن إهمال مصالح المواطنين، وأن البلاد تُحكم بشكل جيد، لكنها تدار بشكل سيّئ، وأن الطبقة السياسية، في الحكومة كما في المعارضة، ليست في مستوى البناء المؤسساتي الذي وضع أسسه الجالس على العرش، وأن الأحزاب «تتبندر» أمام الإعلام في وقت الرخاء، أما في وقت الشدة فتختبئ خلف القصر.
أما الأحزاب -طبعا التي لها رأي وتعليق على الخطاب الملكي- فترى أن أزمة الريف سببها المباشر هو إعطاء الدولة «البام» الجهة وجل رئاسات المجالس القروية هناك، في الوقت الذي لا يمثل الجرار سكان الريف، ولا يحظى لديهم بأي مصداقية. أما السبب غير المباشر لحراك الريف فهو البلوكاج الذي عطل كل المشاريع في المملكة لمدة خمسة أشهر، وقبلها جمدت وزارة الداخلية جل مشاريع البنية التحتية مخافة استغلالها في الانتخابات التشريعية. كل هذا أحاط بمنطقة تعيش على موارد شحيحة، جلها يتعرض للتجفيف سنة بعد أخرى.
ما هو الحل لأزمة الريف التي تهدد، ليس فقط، السلم الاجتماعي في المنطقة، بل تهدد كذلك الإحساس بالانتماء إلى الوطن؟ الملك يرى الحل في إعادة هيكلة الحقل الحزبي وبنية الإدارة، وإرساء آليات المحاسبة والعقاب، والأحزاب ترى أن الحل هو تدخل الملك مباشرة لفك الاحتقان في الريف، وبعدها احترام استقلالية الأحزاب، وتوقير صلاحيات الحكومة، وجعل رئيسها يحكم، حتى يكسب مصداقية لدى المواطنين تسعفه غدا للتدخل في وقت الأزمات.
إيجاد حل لأزمة الريف ليس مستحيلا إذا تخلت الدولة عن المقاربة الأمنية، وتخلى شباب الحراك عن تصلبهم، وجلس الطرفان معا إلى طاولة المفاوضات، حتى وإن كانت في سجن عكاشة، حيث يقبع الزفزافي ورفاقه.