دبلوماسي خشن

دبلوماسي خشن

المغرب الرياضي  -

دبلوماسي خشن

بقلم ـ توفيق بو عشرين

التناقض الموجود في العنوان هو جزء من تناقضات جارنا البعيد… وزير الخارجية الجزائري، عبد القادر مساهل، خرج عن كل الأعراف الدبلوماسية يوم الجمعة الماضي، في تجمع لرؤساء المؤسسات الاقتصادية في الجزائر، فقال: «حتى واحد ما يخلعنا. الأبناك المغربية تقوم بتبييض أموال الحشيش أكثر من أي شيء آخر، والخطوط الملكية المغربية تنقل أشياء أخرى غير المسافرين. رؤساء دول إفريقية هم من أخبروني بذلك». ولكي يصل إلى الهدف من وراء هذه المعلومات الخطيرة التي ينقلها الرجل الثاني في الحكومة الجزائرية، قال مساهل: «ليس هناك في شمال إفريقيا إلا الجزائر المستقرة والآمنة، والتي تتوفر على مقدرات كبيرة، أما مصر فغارقة في الديون، وتونس غير مستقرة، والمغرب لا يفعل شيئا إلا زرع الكيف وضخ عائداته في الأبناك المغربية، وشركة الخطوط الملكية المغربية تنقل أشياء أخرى غير المسافرين، وحتى واحد ما يخلعنا!».

هذا الكلام لو صدر عن صحافي يشتغل في صحيفة رسمية، أو عن برلماني محسوب على الحزب الحاكم، أو عن سياسي يريد أن يرفع أسهمه لدى قصر المرادية، لفهمناه، واعتبرناه جزءا من الحملة التي لا تتوقف لتشويه صورة المغرب في الجزائر، وإبعاد المواطن الجزائري عن مقارنة أحوال بلاده الغنية بالنفط والغاز بأحوال المغرب الذي ليس فيه نفط ولا غاز، لكن، أن يصدر هذا الكلام غير المسؤول عن وزير خارجية مهمته توسيع رقعة أصدقاء بلاده، وتقليص قائمة أعدائها، فهذا وحده يكشف نوعية المسؤولين الجزائريين الذين أصبحوا يديرون دفة الدبلوماسية الجزائرية التي مرت منها أسماء كبيرة، مثل أحمد الطالب الإبراهيمي، والأخضر الإبراهيمي، ومحمد بجاوي، وعبد العزيز بلخادم، والعميد عبد العزيز بوتفليقة، شفاه الله.

كلام مساهل لا يحتاج إلى رد، ولا حتى إلى استدعاء السفير المغربي في الجزائر للتشاور، أو استدعاء القائم بالأعمال الجزائري بالرباط للاستفسار، فهذه كلها إجراءات دبلوماسية لا تفيد مع شخص غير دبلوماسي، جر على نفسه موجة من السخرية في الجزائر قبل أن يعلق المغرب صباح السبت الماضي على الموضوع… فالبنوك، التي يتهمها رئيس الدبلوماسية الجزائرية بتبييض أموال الحشيش، جلها يضم مساهمات أجنبية، في مقدمتها الفرنسية والإسبانية، فهل يعقل أن تسكت فرنسا وإسبانيا على تبييض أموال الحشيش بواسطة بنوكها وصناديقها السيادية؟ وشركة الطيران المغربية RAM، التي يتهمها رئيس الدبلوماسية الجزائرية بنقل أشياء أخرى غير المسافرين (يقصد الحشيش غالبا)، تحط في أكثر من 70 مطارا في العالم، منها 33 وجهة إفريقية، ولا يمكن أن يتصور عاقل، أو قل شبه عاقل، أن تترك أمريكا وفرنسا وإنجلترا وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا… شركة لارام تنقل أشياء غير المسافرين، وتحط في مطاراتها، وتنزل شحناتها… عبد القادر مساهل لم يقلل من قيمة المغرب وأبناكه وشركة طيرانه، بل قلل من قيمة المسؤولين الذين كانوا يجلسون أمامه ويستمعون إلى كلامه، وهم مسؤولون كبار في المؤسسات العمومية الجزائرية، ويعرفون جميعا أن كلام وزير الخارجية «المهبول» لا يدخل إلى العقل.

في كل ما قاله عبد القادر مساهل هناك جملة مهمة يجب الوقوف عليها والباقي بلا قيمة. قال وزير خارجية جارنا الشرقي: «حتى واحد ما يخلعنا»، هذا هو بيت القصيد. الجزائر تشعر بالخوف من المغرب، ليس بسبب ترسانته العسكرية، ولا بسبب ميزانية تسلحه، ولا بسبب حلفائه في المنطقة وخارجها، بل بسبب قوته الناعمة التي تتحرك في إفريقيا، عبر الاقتصاد والشراكات التي تحمل لواءها البنوك التجارية وشركة الطيران وشركة اتصالات المغرب وشركات التأمينات، ومقاولات كثيرة صغيرة وكبيرة تبني لها قصص نجاح هناك. هذه أسلحة خطيرة لا تقوى الجزائر على مجابهتها، ولا يملك بوتفليقة مضادات لها، لأن بلاده، ومنذ 1962، لا تصدر شيئا إلى الخارج سوى النفط والغاز الموجودين تحت الأرض منذ ملايين السنين.

يردد المؤرخ الفرنسي، بنجمان ستورا، دائما عبارة شهيرة عن طبيعة العلاقات المغربية الجزائرية، فيقول: «المغرب مشكلة جزائرية»، وهي في الواقع أكثر من مشكلة.. إنها عقدة تتجاوز التحليل السياسي أو الجغرافي أو العسكري أو الاقتصادي، ولا تجد تفسيرها إلا في التحليل النفسي.

تتوفر الجزائر اليوم على أكثر من 70 سفارة حول العالم، شغلها الرئيس هو شن الحرب الدبلوماسية على المغرب، ومساندة أطروحة الانفصال، ومد جبهة البوليساريو بكل ما تحتاج إليه من مال ودعم واستشارة ولوبيات لترويج أطروحتها في القارات الخمس للعالم، وفوق هذا ترفض فتح الحدود مع المغرب، وترفض تفعيل اتحاد المغرب العربي، وترفض التنسيق مع الرباط في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والتهريب…

الدول لا تختار جيرانها، والجزائر جار قريب جغرافيا لكنه بعيد سياسيا واقتصاديا، والمشكل أنه كلما تأزمت أوضاعه أكثر صار شرسا تجاه المغرب، وفق نظرية تصدير مشاكل الداخل إلى الخارج، فعوض أن يبحث الجزائري عن حل مشاكله الاقتصادية في شراكة شاملة وواسعة مع جيرانه، نراه ينعزل أكثر، ويتوتر أكثر، ويهرب إلى الأمام، ويصدر التوتر إلى المنطقة عبر أكثر القنوات امتصاصا للتوتر. ليس عبد العزيز بوتفليقة فقط من يرقد على سرير المرض منذ سنوات، الجزائر كلها دخلت إلى غرفة الإنعاش، واستحقت لقب الدولة العثمانية في بداية القرن الماضي: الرجل المريض.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دبلوماسي خشن دبلوماسي خشن



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  -

GMT 01:21 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 وجهات أوروبية لقضاء عطلة الصيف
المغرب الرياضي  - أرخص 10 وجهات أوروبية لقضاء عطلة الصيف
المغرب الرياضي  - أخطاء تقعين فيها عند ترتيب مطبخكِ عليكِ تجنّبها
المغرب الرياضي  - رفض دعاوى

GMT 11:17 2012 الإثنين ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الخطيب يؤكد عدم تخليه عن حمدي في محنته خلال حفل الرواد

GMT 22:56 2017 الإثنين ,28 آب / أغسطس

البزغودي لاعب الجيش يخضع لفحوصات طبية

GMT 15:33 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

أولاس يشيد بفريقه قبل مواجهة شاختار دونيتسك الأوكراني

GMT 10:19 2022 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

وليد الركراكي يرُد على منتقديه بسبب عبد الرزاق حمدالله

GMT 05:44 2022 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد النني يُهدي الشيخ مشاري راشد العفاسي قميص أرسنال

GMT 22:45 2022 الإثنين ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعبات غولف «أرامكو» في مواجهة الإعلام بجدة

GMT 08:27 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

ليفربول يتحدى مانشستر سيتي اليوم في الدوري الإنكليزي

GMT 21:10 2022 الأحد ,22 أيار / مايو

كريم بنزيمة يثير الجدل بعد قرار مبابي

GMT 11:34 2022 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

مفاوضات في تجديد عقد ساديو ماني مع ليفربول

GMT 19:32 2022 الإثنين ,07 شباط / فبراير

مغربيان في التشكلية المثالية لكأس أمم إفريقيا

GMT 13:33 2021 الثلاثاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

"المنتخب المغربي" يخضع إلى فحوصات كوفيد-19
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib