غزوة جنسية في حافلة

غزوة جنسية في حافلة

المغرب الرياضي  -

غزوة جنسية في حافلة

بقلم - توفيق بو عشرين

المراهقون الستة الذين اغتصبوا فتاة مختلة عقليا في حافلة عمومية في واضحة النهار، لم يغتصبوا، فقط، إيمان في مدينة الدار البيضاء، بل اغتصبوا أمة بكاملها، وعروا واحدا من أعطاب المجتمع والدولة، وسمحوا لـ34 مليون مغربي بأن يروا صورتهم في مرآة. فتاة معاقة تصرخ بأعلى صوتها ألما وخوفا ورجاء، دون أن تجد يدا تمتد لمساعدتها، ودون أن ترق قلوب الشباب لحالها، بل، على العكس من ذلك، كلما صرخت أكثر، هاجت غرائز الشباب تجاه لحم الفتاة أكثر. ولتخليد هذه الغزوة الجنسية، حمل الشبان كاميرا الهاتف، وبدؤوا يوثقون جريمتهم وهم في نشوة وسعادة لا مثيل لهما.

الأسوأ من جريمة عصابة المراهقين، أن سائق الحافلة لم ير ضرورة لوقف الرحلة، أو للتدخل لزجر الشباب عن أفعالهم الإجرامية، أو لمساعدة الفتاة للهروب من الذئاب الجائعة، بل استمر جالسا وراء المقود، ولم يكلف نفسه حتى عناء النهي عن المنكر بلسانه، فما بالك بيده، وهو المستأمن على سلامة الركاب وأمنهم، والأخطر من هذا وذاك هو التعاطف الذي لقيه الشباب الجانح من أبناء الحي الذي يقطنون به، حيث صرح بعضهم أمام الكاميرا بأن المعتدين على إيمان كانوا فقط يلعبون! وأن الضحية مختلة عقليا! وأنه لا يجوز أن يذهب الشبان إلى السجن لمجرد أنهم «بسلوا» على ابنة حيهم، التي كانت هي الأخرى «تتشمكر معهم».


 
أكثر من هذا، عمدت عائلات الشبان الستة إلى الضغط على والد الضحية للتراجع عن أقواله في محضر الشرطة، وإنكار أن ابنته إيمان هي التي ظهرت في شريط الفيديو الذي جاب العالم، وتحدثت عنه مختلف وسائل الإعلام. سبب كل هذا التعاطف مع الجاني هو أن التحرش الجنسي والاغتصاب والاعتداء على ذوي الاحتياجات الخاصة ليست جرائم في عرف المجتمع وثقافة جل المغاربة، وأنه بسبب الوضعية الدونية للمرأة في المجتمع، يميل الناس، في الغالب، إلى إدانة الضحية والتماس الأعذار للجاني، حتى عندما يكون متلبسا بجرمه.

السعار الجنسي الذي انتاب الشبان الستة في حافلة عمومية، ودفعهم إلى التحرش بفتاة ضعيفة، واغتصابها أمام الكاميرات، لا يعبر فقط عن الكبت الجنسي، ولا عن قلة التربية، وعن عدم الخوف من القانون، فالإنسان كثيرا ما يدفن داخل رغبته الجنسية إحساسه باليأس والإحباط والظلم والضآلة واللاجدوى، وكلها مشاعر يعانيها الفقراء في المغرب. هؤلاء أبناء البطالة والهشاشة والحگرة والزحام، يعيشون مكتظين في حجرات ضيقة، ومبان عشوائية، بلا خدمات، ولا مرافق، ولا مستقبل، ولا تأطير. يعيشون بلا احترام لكرامتهم أولا، ولأجسادهم ثانيا، فكيف تريدون منهم أن يحترموا أجساد النساء في الشارع، والتي أصبحت مستباحة بالكلمة أو اللمسة أو العنف أو الاغتصاب؟ لا تسلم اليوم أي فتاة، كيفما كان لباسها أو شكلها أو سنها أو مستواها الاجتماعي، من التحرش الجنسي بكل مستوياته، وهي ظاهرة لم تكن في المغرب بهذه الكثافة التي نشهدها اليوم، وعوض أن تنقص هذه الظاهرة مع الانفتاح الجاري في المجتمع، ومع الاختلاط الجاري بين الجنسين، ومع تطور وسائل التواصل والاتصال، فإنها تزداد، خاصة في صفوف الشبان والجيل الصاعد… وهو ما يحمل على الاعتقاد بأن الظاهرة لا ترتبط بجوع جنسي، بل بإحباط نفسي واجتماعي يغذيه تدين شكلي قتل الجوهر الروحي للدين وأبقى على المظاهر…

الإسلام الرسمي اليوم مثله مثل الإسلام الوهابي، لا يركز في المساجد والتلفزيون والفتاوى والكتب والجرائد والخطب إلا على الطقوس الدينية بمنأى عن السياق الاجتماعي الذي تُمارس فيه، وعلى الولاء للحاكم، والتدخل لتهدئة الاحتجاجات بدعوى الخوف من الفتنة، لذلك، لا ينفع التدين الذي يزداد انتشارا في كبح الغرائز، ولا في تهذيب السلوك، ولا في زرع قيم العدل والمساواة والرحمة واحترام الآخر، وضبط النفس، والتحلي بقيم المواطنة والمدنية والتحضر.

الخلاصة أن مصادر التربية في مجتمعنا ثلاثة: الأول هو الأسرة، وهي بنية مرهقة اليوم، تعاني التفكك الناتج عن اتساع الفقر والهشاشة الاجتماعية. المصدر الثاني هو المدرسة، وهذه أحوالها لا تسر، وقد انهارت وظيفتها في التعليم أولا، وفِي التربية ثانيا. المصدر الثالث هو المسجد، وهو في يد الدولة التي لا مشروع لديها للإصلاح الديني، ولا لترشيد التدين وربطه بمقاصده العليا ومثله الأخلاقية لأن هم الدولة الوحيد في هذا الحقل هو «الضبط الديني» (le contrôle idéologique).

ماذا بقي، إذن، من فضاءات أمام الشباب لاكتساب السلوك المدني والقيم الأخلاقية في ظل دولة الحق التي تحيا فيها المجتمعات الحديثة؟ بقي القانون، وهذا لا يصبح نافذا دون قناعة وجهاز. القناعة هي إيمان الناس به، واقتناعهم بأن احترام القانون وتطبيقه في صالحهم، وهو الطريق لتجنب الفوضى والاقتتال الجماعي. والجهاز هو الذي يملك إمكانات وعقيدة وموارد بشرية لإنفاذ القانون على الجميع، لأنه يمثل سلطة شرعية أوكل إليها المجتمع تطبيق القانون.

ما جرى في حافلة madinabus جريمة لها سوابق كثيرة، وليس استثناء من قاعدة. الذي حدث فقط أن نقله عبر الكاميرا صدم الوعي الجماعي للأقلية التي مازال ضميرها يتحرك ويشعر بوخز الإبر.

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزوة جنسية في حافلة غزوة جنسية في حافلة



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  -

GMT 01:21 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 وجهات أوروبية لقضاء عطلة الصيف
المغرب الرياضي  - أرخص 10 وجهات أوروبية لقضاء عطلة الصيف
المغرب الرياضي  - أخطاء تقعين فيها عند ترتيب مطبخكِ عليكِ تجنّبها
المغرب الرياضي  - رفض دعاوى

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 19:00 2017 الخميس ,18 أيار / مايو

الوداد يسثني أعراب في صورة لأبطال المغرب

GMT 23:05 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

لقجع يلمح إلى إهتمام المغرب بتنظيم "كان" 2019

GMT 03:03 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

"سارة الدوسري" تصيب برونزية بطولة أمير الكويت الدولية

GMT 15:23 2019 الإثنين ,25 آذار/ مارس

عراقيل متنوعة تسيطر عليك خلال الشهر

GMT 15:14 2018 الإثنين ,22 تشرين الأول / أكتوبر

شبان وفتيان المغرب التطواني يفوزان على شباب خنيفرة

GMT 14:06 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

غريندل يوضّح أهمية فوز المنتخب الألماني على هولندا

GMT 21:35 2017 الثلاثاء ,18 تموز / يوليو

زكرياء الهاشيمي يغيب عن أول تدريب له مع الوداد
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib