كبش الفداء

كبش الفداء

المغرب الرياضي  -

كبش الفداء

بقلم - توفيق بو عشرين

لا يمكن أحدا أن يزعم أنه فوجئ بالمواجهات التي اندلعت في مدينة الدار البيضاء بين مهاجرين أفارقة من جنوب الصحراء وبعض شبان العاصمة الاقتصادية، الذين دخلوا في مواجهات بالحجارة والعصي والنار مع «ضيوفنا»، بدعوى تحرش واحد منهم بفتاة، وكأن التحرش الجنسي غريب عن بيئتنا، وليس جزءا من هواية الكثير منا، وبدعوى تحويل الأفارقة حديقة وسط المدينة إلى مخيم لجوء، مع ما يتسبب فيه ذلك الأمر من مس بالنظام والسكينة والهدوء خاصة في الليل… المشاكل شيء وعلاجها بكوارث أفظع شيء آخر.
الاصطدام بين المهاجرين الأفارقة وبعض الفئات من المجتمع أمر كان متوقعا، خاصة مع ازدياد عدد المهاجرين الأفارقة الهاربين من بؤر التوتر أو الحرب أو الفقر أو الجوع في جنوب الصحراء، والراغبين إما في البحث عن فرصة أفضل للعيش في بلادنا، أو اتخاذ المغرب محطة عبور نحو أوروبا… إن منظر المئات من المهاجرين الأفارقة وهم متكدسون في مفترقات الطرق يتسولون بالليل والنهار أمر لا يشرف بلادنا، ولا يحفظ كرامة هؤلاء المهاجرين الذين لا شك يتعرضون لمتاعب كثيرة، ليس أقلها العنصرية الموجودة لدى بعض فئات مجتمعنا، الذين لم يعتادوا استقبال المهاجرين ولا التعايش معهم (وسط 35 مليون مغربي لا يعيش سوى أقل من 30 ألف مهاجر أوروبي جلهم فرنسيون، وبضعة آلاف من العرب جلهم سوريون، والآن هناك بضعة آلاف من الأفارقة جلهم بلا عمل ولا مورد رزق).
لا يمكن أن نبني جدرانا على الحدود الجنوبية والشرقية للمملكة، ولا يمكن أن نغلق الباب في وجه المهاجرين، سواء كانوا لاجئين أو عابري سبيل نحو أوروبا. هناك اعتبارات إنسانية أولا، وقانونية ثانيا، ودبلوماسية ثالثا، وكلها تلزم الدولة بفتح يدها لمساعدة الأشقاء الأفارقة والعرب وغيرهم، فلا ننسى أننا بلاد عضو في الأمم المتحدة وفي الجامعة العربية وفي الاتحاد الإفريقي، ويجب ألا يغيب عن بالنا أننا بلاد مصدرة للهجرة أيضا، وهناك أكثر من خمسة ملايين من أبنائنا الموزعين على الأركان الأربعة للعالم، يبحثون عن فرص أفضل للعيش أو الدراسة أو الحرية، وهؤلاء يواجهون مشاكل الاندماج والعنصرية والإسلاموفوبيا، وغيرها من الظواهر السلبية.
أن تتحول بلادنا من مصدر للهجرة إلى مستورد لها أمر يفترض وجود سياسة عمومية لاستقبال المهاجرين، وأطر قانونية واجتماعية للتعاطي مع الظاهرة، فلا يعقل أن نفتح للأشقاء الأفارقة الباب ثم نتركهم هائمين على وجوههم في المدن الكبرى والصغرى دون مراكز استقبال، ودون رعاية، ودون إرشاد، ودون مساعدات، مع العلم أن هؤلاء الأفارقة لا يعرفون لغة البلد، ولا ثقافته، وجلهم يفتقر إلى المؤهلات التي تسمح له بإيجاد فرصة عمل أو دخل في بلد يشكو مرض البطالة وقلة فرص العمل.
أن تتحول بلادنا من مصدر للمهاجرين إلى مستورد هذا تحول كبير، يفرض إطارا قانونيا وإطارا اجتماعيا وإطارا إنسانيا وإطارا لوجستيكيا، وإلا فإن الدولة تلقي بمهامها ومسؤولياتها على كاهل المواطنين العاديين، الذين يجدون أنفسهم أمام مهاجرين لا يعرفون كيف يتواصلون معهم، ولا كيف يساعدونهم، ولا يفهمون حتى أسباب وجودهم في المغرب، وطبعا «سوء الفهم» هذا لا يمكن إلا أن يولد كليشهات عنصرية، وتصرفات غير مدنية، ومشاعر سلبية إزاء الآخر، فإذا كانت الشعوب الأوروبية، ورغم مستواها المادي والثقافي وتجربتها الطويلة مع الهجرة، تنتج سلوكيات عنصرية إزاء المهاجرين العرب والأفارقة، فماذا ننتظر من مواطنين يعيشون في أوساط شعبية، ويعانون كل تبعات الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية، فليس غريبا أن يلقي بعضهم بإحباطه وغضبه وفقره على مهاجر أكثر بؤسا منه. هذا «تقليد» معروف في علم النفس الاجتماعي، حيث تلجأ بعض الفئات الهشة إلى البحث عن كبش فداء bouc émissaire، حيث يجري تحميل فرد أو جماعة ذنبا لم ترتكبه، في محاولة لتعليق الفشل أو المسؤولية على الآخر، كجزء من أدوات الدفاع غير المشروع عن النفس.. ومن غير شاب إفريقي مهاجر يقيم بشكل غير قانوني في البلد، ويعيش من التسول، ويبيت في العراء يمكن أن يلعب دور bouc émissaire بالنسبة إلى شباب مغاربة عاطلين عن العمل، ويتصورون خطأ أن هذا الوافد غير المرحب به سينافسهم على عمل أو على موقع تسول، أو سيتخذ له مكانا في الفضاء العام… للأسف، هذا التعاطي العنصري لم يقف عند غرائز شباب مندفع، بل أن جزءا من الإعلام، خاصة الإلكتروني، سقط في الفخ، وطفق يروج كلاما عنصريا وتصريحات بذيئة في حق بشر اضطرتهم الظروف إلى قصد بلادنا.
جميل أن يفتح المغرب الرسمي ذراعيه للمهاجرين الأفارقة، وأن تتخذ دبلوماسيتنا من التعامل الإنساني مع الأفارقة أوراقا رابحة لسياستها تجاه القارة السمراء، لكن يجب على الحكومة والسلطات المحلية في كل مدينة أن توفر مراكز استقبال لهؤلاء المهاجرين، وألا تتركهم مشردين في الطرقات والشوارع والحدائق العامة، وإلا فإنهم سيعانون مرتين؛ مرة بسبب ظروف الحياة الصعبة، ومرة بسبب قسوة بشر من عندنا لا يعرفون شيئا عن معضلة الهجرة، ولا عن ظروف أصحابها، ويتصورون أن أفضل حل للهجرة غير القانونية هو طرد المهاجرين من البلد، تماما مثل ذلك الذي يتصور أن الحل الجذري للإسلاموفوبيا في أوروبا هو طرد جميع المسلمين من القارة العجوز، عندها لن يجد الخوف من الإسلام مبررا للوجود!

 

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كبش الفداء كبش الفداء



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  -

GMT 01:21 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 وجهات أوروبية لقضاء عطلة الصيف
المغرب الرياضي  - أرخص 10 وجهات أوروبية لقضاء عطلة الصيف
المغرب الرياضي  - أخطاء تقعين فيها عند ترتيب مطبخكِ عليكِ تجنّبها
المغرب الرياضي  - رفض دعاوى

GMT 11:17 2012 الإثنين ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الخطيب يؤكد عدم تخليه عن حمدي في محنته خلال حفل الرواد

GMT 22:56 2017 الإثنين ,28 آب / أغسطس

البزغودي لاعب الجيش يخضع لفحوصات طبية

GMT 15:33 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

أولاس يشيد بفريقه قبل مواجهة شاختار دونيتسك الأوكراني

GMT 10:19 2022 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

وليد الركراكي يرُد على منتقديه بسبب عبد الرزاق حمدالله

GMT 05:44 2022 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد النني يُهدي الشيخ مشاري راشد العفاسي قميص أرسنال

GMT 22:45 2022 الإثنين ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعبات غولف «أرامكو» في مواجهة الإعلام بجدة

GMT 08:27 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

ليفربول يتحدى مانشستر سيتي اليوم في الدوري الإنكليزي

GMT 21:10 2022 الأحد ,22 أيار / مايو

كريم بنزيمة يثير الجدل بعد قرار مبابي

GMT 11:34 2022 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

مفاوضات في تجديد عقد ساديو ماني مع ليفربول

GMT 19:32 2022 الإثنين ,07 شباط / فبراير

مغربيان في التشكلية المثالية لكأس أمم إفريقيا

GMT 13:33 2021 الثلاثاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

"المنتخب المغربي" يخضع إلى فحوصات كوفيد-19
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib