بقلم : توفيق بو عشرين
امحند العنصر مسرور بنزول رئاسة مجلس النواب في بيت الحبيب المالكي، وقال للصحافة يوم أمس: «إن الاتحاد وضع الرجل الأولى في الحكومة، وبقي الآن على بنكيران أن يقتنع بفوائد الحكومة الموسعة، وضرورة انسجام رئاسة مجلس النواب مع رئاسة الحكومة». انتهى كلام العنصر، لكن، ماذا سيقع إذا استأنف المراقب الحديث بنفس منطق العنصر؟
عندما سيقبل بنكيران بهذه الفكرة العجيبة، التي جاد بها الفكر السياسي للعنصر (الأغلبية المريحة)، سيخرج شيخ الحركة ويقول إن «الأحرار وضع الرجل الأولى في وزارات القطب المالي والصناعي والفلاحي والتجاري للحكومة، وعلى بنكيران أن يقتنع بفوائد الأقطاب الفاعلة في حكومة موسعة»، وعندما سيقبل بنكيران، مرة أخرى، بخروج وزارات السيادة خارج الحكومة، وخروج وزارات القطب الاقتصادي من أيدي وزراء العدالة والتنمية، سيخرج العنصر دائما، وقد تحول إلى حكيم لكثرة ما شارك في الحكومات المتعاقبة، ويقول ما مفاده: «الآن لم يبق للسيد بنكيران إلا أن يعلن الطلاق مع حزب الاستقلال، وإخراجه من الأغلبية، فلا يعقل أن تتكدس كل الأحزاب في الحكومة والأغلبية، ونترك المعارضة فارغة إلا من الجرار الذي أصيب بعطب مزمن في السابع من أكتوبر، وقريبا سيتفكك ويباع بالقطعة في سوق الخردة». وعندما سيتنازل بنكيران، مرة أخرى، باسم المصلحة الوطنية، وضرورة إخراج البلاد من السكتة القلبية، ويطلب الطلاق من شباط، سيظهر عمي العنصر، مرة أخرى، وسيفتي بالقول: «الآن لم يبق إلا أن يقتنع بنكيران بضرورة إغلاق فمه، والتشاور مع أقطاب الحكومة الموسعة قبل أي تصريح لوسائل الإعلام، وعندها سيضع بنكيران الرجل الثانية في رئاسة الحكومة». وعندما يفتح الله على بنكيران بصبر أيوب، ويقبل الاتحاد في الحكومة، ويقبل تفكيك الحكومة إلى وزارات نافعة ووزارات غير نافعة (على وزن المغرب النافع والمغرب غير النافع)، ويقبل إغلاق فمه، واستيراد لغة الخشب، سيقولون له: «إننا الآن عائلة واحدة مشكلة من ستة أحزاب، فيها بنكيران وساجد وأخنوش والعنصر ولشكر ونبيل بنعبد الله، وبالتالي، لا بد من تخصيص اجتماع نصف شهري، أو حتى أسبوعي، بين القادة الستة للاتفاق على كل قرار أو مرسوم أو قانون أو مبادرة أو تصريح. هكذا سنظل أقوياء ومنسجمين وموسعين، وجميعا كحزمة الحطب الواحدة، أقوياء باتحادنا، ضعفاء بتفردنا».
مرة قال العماد طلاس، وزير دفاع سوريا، لياسر عرفات، عندما بدأ سلسلة تنازلاته لإسرائيل من أجل القبول به طرفا يجلس إلى طاولة المفاوضات: «التنازلات غير المنطقية في السياسة تشبه تنازلات عارضة الستربتيز، عندما تبدأ في نزع ملابسها لا تتوقف إلا وقد أصبحت كما ولدتها أمها».
بنكيران يعرف أن لائحة شروط خصومه مفتوحة لكي يرفعوا البلوكاج عن تشكيل الحكومة، وقد جرب نهج المرونة والتنازل عندما أنزل حزب الاستقلال من عربة المشاورات لتشكيل الحكومة، وعندما رضخ لقرار فتح البرلمان قبل اكتمال الأغلبية، وعندما فضل عدم ترشيح العثماني لكي ينافس المالكي، وعندما قبل برئاسة هذا الأخير مجلس النواب واكتفاء الاتحاد بهذه الغنيمة، لكنه كان، في كل مرة، يجابه بشرط جديد، وهو يعرف أن أخنوش ليس «مربوطا» بقصة حب عذري بلشكر، وأن العنصر ليس من أنصار الاشتراكية العلمية، هو نفسه عارض انضمام أحزاب الكتلة مجتمعة في بداية تشكيل الحكومة، وأن الأمر لا يخرج عن محاولة انقلاب ناعم على نتائج الاقتراع، بموجبه يتنازل بنكيران عن سلطاته، ويصبح واجهة سياسية لحكومة لا يتحكم فيها وقرار لا يرجع إليه.
المشكل بدأ عندما وضعت الدولة تصورا قبليا لنتائج الاقتراع قبل إجرائه، وتحول المشكل إلى عقدة بعد رفض نتائج صندوق الاقتراع كما أعلنها صباح يوم السبت، وتحولت العقدة إلى أزمة بعدما قاوم بنكيران جزءا من الضغوط التي مورست عليه لقبول شروط مهينة لتشكيل الحكومة. الآن الجميع في ورطة. الدستور لا يعطي إلا مخرجا وحيدا، وهو الذهاب إلى صناديق الاقتراع، وبنكيران في بيته يلاعب أحفاده، ولا يريد أن يرفع الراية البيضاء، وهو متحصن بظهير تعيينه، وأصواته في البرلمان، وأصوات حلفائه في التقدم والاشتراكية وحزب الاستقلال، والبلاد تؤدي ضريبة كبيرة من سمعتها واستقرارها ونموها، وفي النهاية، «لا أحد قلبه على البلد».
المصدر : جريدة اليوم 24