مدن متوحشة

مدن متوحشة

المغرب الرياضي  -

مدن متوحشة

بقلم : توفيق بو عشرين

هذا ليس عنوان فيلم رعب أمريكي، ولا هو عنوان قصة خيالية.. هذا واقع المدن والتجمعات الحضرية في المغرب.. مدن تضم أكثر من 65% من سكان المملكة، وكانت قبل قرن لا تؤوي سوى 10% فقط من السكان… فما الذي يجعلها متوحشة بلا قلب ولا روح ولا حس إنساني؟

بمناسبة الفيضانات التي عرفتها العديد من المدن المغربية، انتقم المواطنون من تهيئة المجال الترابي، ومن سياسات المدن، ومن تدبير الشأن المحلي، عن طريق إطلاق عشرات النكت والصور والكاريكاتيرات عن مدنهم، وعن الأحياء التي غمرتها المياه، وأصبح النشل فيها بالجتسكي، ودخلت اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي، فيما طرقها تتكسر مثل الحلوى، وأناسها يتنفسون تحت الماء… بغض النظر عن الظروف والسياق، فإن هذه النكت وهذه السخرية تعتبر استفتاء عاما حول تدبير العيش في أكثر من 391 مدينة ومركزا حضريا موجودا في مغرب اليوم، حسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط.

المدن في المغرب لوحة حضرية مفككة ومليئة بالتناقضات المجالية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، حيث لا يمكن أن تعثر على مواطن، من 25 مليونا الذين يعيشون في المدن اليوم، لا يشتكي قلة النظافة، أو انعدام الإنارة، أو فوضى السكن العشوائي، أو تعثر النقل العمومي، أو غياب المراكز الثقافية والرياضية والفنية، أو ندرة المساحات الخضراء والحدائق العامة، فضلا عن غياب اللقاء والتواصل والتفاعل بين السكان، وكل هذه الاختلالات لا تبقى محصورة في الجغرافيا، بل تنتقل إلى الإنسان، وإلى النظام الاجتماعي والقيمي الذي يحكم المجتمعات التي تعيش وسط هذه المدن المتوحشة، وذلك له تأثير واضح على درجة العنف بكل أنواعه، ومستوى التحضر، والسلوك المدني، وطبيعة الذوق، وأسلوب العيش، ومنسوب التعايش بين الأفراد والطبقات والأجناس في مجال ترابي ينتج اللامساواة والإقصاء والهشاشة والقطيعة بين أحياء الفقراء وأحواض عيش الأغنياء، فضلا عن غياب أي بنية لاستقبال ذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال والشباب والنساء… وهنا ننتقل من المجال الحضري إلى المجال السياسي، حيث يسود التحكم عِوَض التدبير، والأمن عِوَض السياسة، والسلطوية عِوَض الديمقراطية، وتزوير الانتخابات عِوَض ضمان نزاهتها، والاستفراد بالقرار عِوَض مشاركة السكان.

المدن تتشكل من ثلاثة عناصر: الإنسان، والجغرافيا، ونظام القيم الاجتماعية والأخلاقية التي تحكم مجتمعا من المجتمعات، وتدبير هذا الفضاء الثلاثي محكوم بثلاثة أهداف: تأمين العيش المادي للسكان (الماء والطعام والطاقة والتنقل والأمن…)، والرمزي (الترفيه، الفن، الرياضة، الجمال، النظافة، التواصل، التثقيف…)، وتأمين المساواة بين الأفراد والطبقات والفئات العمرية في ولوج الخدمات الأساسية، وفي الوصول إلى التعليم والشغل والصحة.. أما ثالث الأهداف فهو الحفاظ على الهوية الوطنية بكل أبعادها، الدينية والسياسية والتاريخية والثقافية، في مواجهة التغيرات الحاصلة، وفي ضوء العقد الاجتماعي الذي يربط مكونات أمة من الأمم.

لننتقل من الوصف بالجمل إلى الكتابة بالأرقام، وهي لا تكذب في غالب الأحيان، لنقف على الطابع المتوحش لمدننا.

في المغرب، وحسب المندوبية السامية للتخطيط دائما، فإن أكثر من خمسة ملايين من سكان المدن يعانون الهشاشة والفقر، وأكثر من 20% يسكنون في منازل غير لائقة بالبشر. هذا يقع في المدن، فما بالك بالبوادي. في دراسة قام بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول دور الشباب في المغرب، أخذت الدراسة عينة من 276 دار شباب، زارها الباحثون، فوجدوا أن نصفها فقط هو الذي يوجد في حالة صالحة للعمل، وأن 96 مؤسسة أخرى في حاجة إلى إصلاحات متعددة، والباقي يجب إغلاقه بلا تأخير… قاعات السينما في مملكة تضم 34 مليون نسمة، انتقل، أو بالأحرى انهار، عددها من 254 قاعة سنة 1980 إلى 39 قاعة سينما سنة 2012 ! مع العلم أن 20 من 39 قاعة سينمائية هي التي توفر شروط فرجة مريحة، وفي البيضاء وحدها 12 القاعة من مجموع 39 الموزعة على كل خريطة البلاد.. بدون تعليق.

وإذا كان تاريخ المغرب وتراثه مليئا بثقافة الحدائق والرياضات والمنتزهات والعرصات، فإن الواقع اليوم يخبرنا بالتالي: المعدل العالمي للمساحة الخضراء هو 15 مترا مربعا لكل مواطن، لكن، في مدينة الدار البيضاء، مثلا، كبرى الحواضر المغربية، لا يحصل المواطن «الكازاوي» سوى على 0,5 متر مربع أخضر لكل مواطن، في حين لا تتوفر سوى ثلاث مدن مغربية على معدل مقبول من المساحة الخضراء لكل مواطن، وهي الرباط ومراكش وإفران. الباقي أحواض سكنية قاحلة وموحشة… أما الأدهى من ذلك، أن «شوية» الحدائق والمساحات الخضراء الموجودة في المغرب محاطة بالسياج والأسلاك الشائكة، وزمن ولوجها محدود، ووجودها مقتصر على الزينة، ولا يستحضر الإنسان، كما تقول دراسة قيمة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أنجزها حول أماكن العيش.

من أماكن العيش المهمة في المغرب المساجد، ويوجد في المغرب أكثر من 50 ألف مسجد تحت إدارة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ويرتادها يوم الجمعة أكثر من ثمانية ملايين مغربي، لكن جل هذه المساجد أصبحت تلعب دور قاعات للصلاة، وليس أماكن للتواصل والتعلم، وفضاء للحوار والمذاكرة والتثقيف، ذلك أن إغلاق أبوابها بعد أوقات الصلاة مباشرة يسلبها دورها الاجتماعي والثقافي الذي عرفت به في التاريخ الإسلامي.

هذه هي حصيلة تدبير المدن من قبل وزارة الداخلية، وبمساعدة أو تواطؤ أو سكوت نخب الأحزاب الإدارية والوطنية والديمقراطية والإسلامية… التي تعاقبت على الجماعات المحلية في مدن لا تملك من خصائص المدينة إلا الاسم.

المصدر : اليوم 24

GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مدن متوحشة مدن متوحشة



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  -

GMT 01:21 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 وجهات أوروبية لقضاء عطلة الصيف
المغرب الرياضي  - أرخص 10 وجهات أوروبية لقضاء عطلة الصيف
المغرب الرياضي  - أخطاء تقعين فيها عند ترتيب مطبخكِ عليكِ تجنّبها
المغرب الرياضي  - رفض دعاوى

GMT 09:27 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

7 آلاف تذكرة لجماهير أدوانا ستارز ضد الرجاء

GMT 19:01 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فريق "المغرب الفاسي" ينهي مبارياته الودية بانتصارين

GMT 00:24 2016 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

أولمبيك خريبكة يواجه الكوكب المراكشي وديًا السبت

GMT 03:47 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

جمهور الرجاء البيضاوي يرفض عودة محمد بودريقة

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 22:22 2015 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير "يونايتد" تحيي ذكرى وفاة لاعبها جورج بست

GMT 23:41 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

المغرب الفاسي يعقد جمعيته العمومية في 10 دقائق فقط

GMT 19:35 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

شاهيناز تكشف تفاصيل ألبومها الجديد في "الليلة عندك" على 9090

GMT 22:11 2019 الأربعاء ,05 حزيران / يونيو

ترامب يلتقي مرشحا مسلما لخلافة ماي

GMT 14:38 2017 الثلاثاء ,25 تموز / يوليو

ظهير الزمالك يعود إلى القاهرة لأداء الامتحانات

GMT 14:39 2013 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

"الوطية" الساحلية مدينة مغربية سياحية تبحث عن المستثمرين

GMT 08:29 2019 الجمعة ,12 إبريل / نيسان

بيراميدز يتأهب لمواجهة فاصلة أمام الأهلي

GMT 19:46 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أمل أولمبيك خريبكة يتعادل مع الرشاد البرنوصي
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib