عالم بلا خرائط ولا عقل

عالم بلا خرائط ولا عقل

المغرب الرياضي  -

عالم بلا خرائط ولا عقل

بقلم : توفيق بو عشرين

الرصاصات التي استقرت في قلب السفير الروسي في أنقرة أمام الكاميرات جريمة، لكنها جريمة تلخص المشهد العسكري والسياسي في منطقة تعج بالصراعات غير المضبوطة، أو بالأحرى السائلة، وبالسلاح الذي أصبح لغة التواصل الأولى في العراق وسوريا وتركيا واليمن ومصر والأردن وليبيا وأفغانستان… المنطقة كلها تغلي، وتجر العالم بأسره إلى أتون حروب جديدة، وبؤر توتر جيدة. تقصف فرنسا الموصل فيرد البغدادي في نيس بشاحنة تدهس مئات المدنيين على شاطئ البحر. يضرب هولاند بالقنابل النازلة من الطائرات في سماء الموصل، فتضرب داعش بانتحاريين في وسط باريس، ويحاصر أردوغان الأكراد في الجبال، فيضربون في وسط إسطنبول. يترك الغرب الجرح السوري يتعفن، فتنتقل العدوى إلى ألمانيا وأمريكا وإنجلترا… يهين الغرب بوتين، فيرد عليهم في حلب. يرفع باراك أوباما الحصار الاقتصادي عن إيران، فتدفع السعودية السلاح للمقاتلين في سوريا لجر طهران إلى مصيدة. تشن الرياض حربا على الحوثيين في اليمن، فتحول إيران مليشيات الحشد الشعبي في العراق إلى جيش شيعي يطالب بدم الحسين في الموصل وحلب، وغدا في الرياض والكويت والمنامة… إنها حرب بلا حدود، ولا خرائط، ولا أسلحة تقليدية، ولا قواعد، ولا أعراف، ولا أطراف تعرف مطالب بعضها بدقة.. فوضى غير خلاقة تدمر الإنسان، وتحول المدنيين إلى أعواد ثقاب تشتعل لتضيء للقوى الإقليمية طريقها للهيمنة، ثم تنطفئ.
هذا الوضع المأساوي، الذي نراه عبر شاشات التلفزة وأعين الكاميرا، لملايين المهجرين واللاجئين والضحايا والمعطوبين واليتامى والمفقودين، هو الدليل على إفلاس الدبلوماسية الغربية، وتغليبها المصالح على المبادئ، في عالم معولم لا يعترف بالحدود ولا بالجغرافيا.
عرس الدم هذا الذي لم يتوقف منذ سنوات في الشرق الأوسط، هو الدليل على غياب تام لشيء اسمه العالم العربي، أو جامعة الدول العربية، أو منظمة المؤتمر الإسلامي، أو النظام الإقليمي العربي، أو الأمن القومي العربي. لا شيء من هذا موجود إطلاقا. كل بلد عربي يحاول أن ينجو بنفسه، وكل نظام غربي يحاول أن يبتعد عن فوهة البركان، متناسيا واجباته في مجتمع الدول، ومتجاهلا ميثاق الأمم المتحدة التي لم تعد صالحة سوى لإحصاء الضحايا، وتسجيل أسماء اللاجئين، وإطلاق صفارات الإنذار التي لا يسمعها أحد.
صار الدم العربي والمسلم رخيصا، من كثرة تدفقه في الحروب الإقليمية والأهلية والنزاعات الطائفية والصراعات الدولية.. صار العالم يستهين بمشاهد القتل المروعة (un monde qui banalise le martyre)، حتى ما عاد أحد يتألم لمشاهد الأطفال وهم يخرجون من تحت الأنقاض، قتلى وجرحى ويتامى. لم تعد للدم العربي القيمة نفسها التي يحوزها الدم الغربي والأوروبي والأمريكي. القوى الكبرى في العالم ترى أن منطقة الشرق الأوسط، وعموم العالم العربي، قطعة خارج التاريخ المعاصر، ومشاهدها المرعبة يبدو وكأنها لقطات من فيلم تاريخي عن العصور الوسطى والحروب الدينية، وآخرها حرب الثلاثين عاما في أوروبا، لهذا، لا يتعب قادة العالم أنفسهم للبحث عن حلول للحروب المنتشرة في المنطقة. كلهم يديرون هذه الأزمات ويوظفونها، إن استطاعوا، ولا أحد يتطوع لحلها، رغم أنهم يتقاسمون جزءا من المسؤولية عن وقوعها مع أهل الدار، الذين لم يعرفوا كيف يحافظوا على بلدانهم وشعوبهم ومستقبلهم.
العالم العربي يؤدي فاتورة الاختيار المدمر الذي انحاز إليه الغرب والشرق بين نظام ديكتاتوري أو جماعات إرهابية، بين حاكم يقتل شعبه باسم العلمانية وجماعات بربرية تقتل باسم الدين وشريعة الموت… النتيجة أمامنا.. الديكتاتورية في العالم العربي تولد الكبت والإحباط والغضب، وتقود إلى الإرهاب وانتعاش الإيديولوجيات الجهادية، وهذه الأخيرة تنشر التوحش والانتقام والحرب الأهلية، فيتدخل الغرب حاملا وصفة «وداوني بالتي كانت هي الداء».
الفوضى غير الخلاقة حول العالم تخبرنا بحقيقة واحدة: لا توجد قيادة في العالم تحرس السلم والأمن الدوليين، ولا توجد حتى غرفة لهذه القيادة، وهذا ما سمح لبؤر التوتر بالانتشار، حيث صار السلاح بيد الدول والجماعات الإرهابية والأفراد وسيلة سهلة لرسم خرائط جديدة، ومناطق نفوذ جديدة في شرق أوسط رخو، ضائع، وعالم عربي خرج من العصر وقيمه ومنطقه، وارتمى في قلب صراعات إقليمية ودولية مغلفة بطابع ديني ومذهبي وطائفي. ترى، هل دار كل هذا في خلد السفير الروسي وهو يصارع الموت في معرض فني أول أمس في أنقرة؟

المصدر : جريدة اليوم24

GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عالم بلا خرائط ولا عقل عالم بلا خرائط ولا عقل



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال

GMT 09:27 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

7 آلاف تذكرة لجماهير أدوانا ستارز ضد الرجاء

GMT 19:01 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فريق "المغرب الفاسي" ينهي مبارياته الودية بانتصارين

GMT 00:24 2016 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

أولمبيك خريبكة يواجه الكوكب المراكشي وديًا السبت

GMT 03:47 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

جمهور الرجاء البيضاوي يرفض عودة محمد بودريقة

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 22:22 2015 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير "يونايتد" تحيي ذكرى وفاة لاعبها جورج بست

GMT 23:41 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

المغرب الفاسي يعقد جمعيته العمومية في 10 دقائق فقط

GMT 19:35 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

شاهيناز تكشف تفاصيل ألبومها الجديد في "الليلة عندك" على 9090

GMT 22:11 2019 الأربعاء ,05 حزيران / يونيو

ترامب يلتقي مرشحا مسلما لخلافة ماي
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib