توفيق بو عشرين
تفصلنا أقل من سنة عن ثاني انتخابات تشريعية في ظل الدستور الجديد، وهذه المحطة ستكون اختبارا صعبا ودقيقا في حياة التجربة السياسية المغربية، وفي الكشف عن الخريطة الجديدة للقوى السياسية، حيث سنشهد صعود أحزاب ونزول أخرى، وربما نشهد لأول مرة حصول حزب من الأحزاب على الأغلبية المطلقة، أو على حصة كبيرة من المقاعد في البرلمان، كما أنه من المرتقب ألا يصل سوى عدد قليل من الأحزاب إلى البرلمان، نظرا إلى أن التنافس سيكون شديدا بين الأحزاب الثلاثة الكبرى (العدالة والتنمية، الاستقلال، الأصالة والمعاصرة). ما هي المهام الموضوعة على جدول عمل 2016 لإنجاح هذه المحطة، وجعل نتائجها وقودا يحرك قاطرة المغرب السياسية والاقتصادية والاجتماعية لخمس سنوات صعبة مقبلة، بالنظر إلى التحديات الداخلية والخارجية، والأخطار المحيطة بالبلد؟ أتصور أن هذه هي المهام المطلوبة من كل الفاعلين:
على الحكومة، ووزارة الداخلية تحديدا، أن تفتح المشاورات مع الأحزاب السياسية والخبراء وجمعيات المجتمع المدني، من الآن، حول اللوائح الانتخابية ودراسة جدواها من عدمه، وفتح نقاش سياسي وتقني حول نمط الاقتراع المقبل، وأهداف التقطيع، وجهة الإشراف على الانتخابات المقبلة لإعطائها المزيد من المصداقية، ووضع خطة متكاملة لمحاربة المال السياسي الذي يزداد نفوذه انتخابات بعد أخرى. لا بد من وضع هدف كبير أمام الجميع هو توسيع رقعة المشاركة في الانتخابات المقبلة، ودفع أكبر عدد من الشباب إلى دخول اللعبة، لأن ذلك هو المؤشر الأكبر على الثقة في مستقبل البلد، وفي تجربتها الديمقراطية الفتية. يجب إخراج الانتخابات من عقدة «التوازنات السابقة»، حيث كان القصر، زمن الملك الراحل الحسن الثاني، يرى في ضعف الأحزاب قوة له، ويرى في بلقنة المشهد الحزبي تعزيزا لسلطته. نحن اليوم في خطاطة أخرى مختلفة تماما عن السابق، حيث إن أعداء القصر والنظام والبلد والاستقرار والأحزاب هم مشاريع الإرهاب العابر للحدود، والذي يستغل الفراغ السياسي وحالات الاحتراب الداخلي وضعف المؤسسات، والفقر والهشاشة التي توقظ التوترات في الشارع وتغذي التطرف، والعزوف عن السياسة واتساع حزب الكنبة.
على قائد حزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، أن يهدئ اللعب، وأن يطمئن الخصوم في الحقل الحزبي وفي دوائر القرار إلى أنه كان ومازال رجل التوافق، ورجل الإصلاح الهادئ والمتدرج، والذي تربح معه الدولة أكثر مما تخسر، وأنه يعرف قوة حزبه وآلته الانتخابية، لكنه يعرف في الوقت ذاته أوضاع البلد وهشاشة مؤسساته وحساسية الإقليم، حيث إن الإسلاميين، الذين صعدوا معه في الربيع العربي إلى السلطة، إما في السجون، أو في المنافي، أو في مواقع هامشية من القرار، كما حدث في تونس مهد الثورات العربية، حيث لم يحتمل قلب تونس الصغير حزب النهضة الكبير. بنكيران اليوم يركب في سيارة قوية بخزان مملوء عن آخره بالوقود الذي أعطته إياه انتخابات الرابع من شتنبر، لكن المطلوب منه، كأي سائق حكيم ومسؤول، ألا يتجاوز السرعة القانونية، وأن يستحضر أن الطريق غير خالية من الحوادث ومن المنعرجات، لكن في الوقت نفسه عليه ألا يخرج عن طريق الإصلاحات، وألا يتفاوض على روح المشروع الذي يرفعه. بمعنى آخر، يجب على بنكيران أن يتساهل في موضوع السرعة التي يمشي بها، وأن يتشدد في موضوع البقاء على الطريق الذي يقوده إلى الوجهة التي وعد الركاب بأخذهم إليها. سينسى المواطنون الساعات الطويلة التي قضوها في الطريق عندما يصلون إلى وجهتهم بأمن وأمان.
بقي أن نتحدث عن حزب الأصالة والمعاصرة وقائده الفعلي إلياس العماري.. هو أيضا مطالب بتهدئة اللعب، وعدم ركوب المعارضة الإيديولوجية للحكومة، والبقاء في إطار المعارضة السياسية دون مزايدات شعبوية ولا ضرب تحت الحزام، ولا خطط لعزل حزب المصباح، مثل الخطة التي كان يمشي عليها مع حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي قبل أن ينفرط زواج المتعة هذا حتى قبل بلوغ محطة 2016. الديمقراطية الهشة في بلادنا لم تصل إلى درجة النضج الذي يسمح بوجود تقاطب سياسي حاد بين «المحافظين» و«اليساريين» أو «الحداثيين». كلما انعطف الجرار إلى أرض المعارضة الإيديولوجية والقيمية في مجتمع محافظ، ألقى المصباح بوقوده على أرض قابلة للاشتعال، فتخسر الديمقراطية، وينقسم الناس حول من مع الدين ومن ضده، من مع قسمة الإسلام للإرث ومن ضدها… هذا اختلاف غير منتج سياسيا وبرنامجيا.. هذا خلاف يعمق الانقسام ويجهض الحلم الديمقراطي. ليست وظيفة الأحزاب، الآن على الأقل، أن تنظر في شؤون الدين والإيديولوجيا والفكر، وظيفتها أن تحل مشاكل الناس الاقتصادية والاجتماعية.. وظيفتها اقتراح الحلول، وترحيل القضايا الإيديولوجية إلى مؤسسات الخبرة والتشاور والتوافق، حيث المنهج هو العقل لا المزايدات… حزب الجرار يجب أن يعرف حجمه الحقيقي، وأن يقوم بـ«الريجيم» الضروري لكي تقبل به الأطراف الأخرى، وتتجاوز عن ظروف ولادته الملتبسة، وعلى هذا الوافد الجديد أن يحدد دوره جيدا في الحقل السياسي، وهل هو مبعوث للدولة العميقة إلى الحقل الحزبي من أجل حراسة لعبة التوازنات، وخلط الأوراق، وإضعاف من لا تحبهم هذه الدولة، أم هو حزب له برنامج ورؤية وعرض سياسي مستقل يدافع عنه حتى لو تناقض مع «أجندة المخزن»؟ أمام الجرار فرصة الشهر المقبل، بمناسبة انعقاد مؤتمره الوطني، لإرسال الإشارات الضرورية في هذا الاتجاه.. هي إذن 2016 دابا.