حداثيون بدون حداثة

حداثيون بدون حداثة

المغرب الرياضي  -

حداثيون بدون حداثة

توفيق بو عشرين


خلصت المشاورات التي قامت بها ثلاث جهات (وزارة العدل والأوقاف والمجلس الوطني لحقوق الإنسان)، بطلب من الملك محمد السادس، مع الأحزاب والجمعيات والفاعلين في المجتمع، إلى الإبقاء على الإجهاض أمرا ممنوعا في المغرب، مع فتح الباب لاستثناءات ثلاث وهي: الحمل الناتج عن الاغتصاب أو زنا المحارم، أو عندما يشكل الحمل خطرا على صحة الأم، أو عندما يتأكد الطبيب من التشوهات الخلقية للجنين. هنا يجوز الإجهاض… هذا ما أعلنه بلاغ للديوان الملكي يوم الجمعة في محاولة لسد باب الجدل، ولو مؤقتا على الأقل، باعتبار أن المشاورات التي أجراها الرميد، الذي يعبر عن الحساسية الإسلامية، وأحمد التوفيق، الذي يعبر عن الإسلام الرسمي، واليزمي، الذي يعبر عن المرجعية الحقوقية الدولية، لا تخرج في غالبيتها عن هذا الرأي، أي أن الجالس على العرش أمسك العصا من الوسط…
ما جرى من اختلاف حول الإجهاض يعبر عن اختلافات سياسية وفكرية وفلسفية في المجتمع المغربي، بين التيار المحافظ والتيار الحداثي؛ الأول يرى أن التشريع لا يمكن أن يخرج عن المرجعية العليا للإسلام، وأن أقصى ما يمكن فعله هو الاجتهاد داخل النص، وعليه فإن الحالات الثلاث الواردة أعلاه كاستثناء من قاعدة تحريم الإجهاض هي الممكن الفقهي والتشريعي الآن، على اعتبار أن المرأة ليست حرة بإطلاق في جسدها، وأن للدين والمجتمع والمشرع قولا في الأمر، وهناك التيار الحداثي الذي ينطلق من سمو المرجعية الليبرالية لحقوق الإنسان على ما دونها في التشريع وغيره، ومن ثم ينادي بإباحة الإجهاض مادام ينادي بإباحة العلاقات الجنسية الرضائية، وبالتالي، فإن المرأة حرة في جسدها تفعل به ما تشاء، ولهذا يجب إباحة الإجهاض دون تدخل من المشرع…
المحافظون يعرفون أن الأغلبية الساحقة من المجتمع في جانبهم، ولهذا فإنهم مطمئنون، أما الحداثيون فقد أصيبوا بخيبة أمل من نتائج المشاورات حول الإجهاض، فعلقت السيدة خديجة الرويسي، القيادية في حزب الأصالة والمعاصرة، بالقول: «أصبح الظلاميون يسجلون الانتصار تلو الانتصار. ها هم يجهزون على قانون الإجهاض، ويستعدون لفرض قانون جنائي مستوحى من العهد البدائي».
محمد الناجي، الباحث السوسيولوجي، اختار أن يحمل مسؤولية عدم السماح بالإجهاض دون قيد أو شرط لليسار والقوى الحداثية، متهما إياها بالجبن في رفع تحدي الحداثة، ثم أضاف: «لن ننتظر من الملك أن يقدم على المساس بالأسس التي تقوم عليها شرعيته. أين الأحزاب الاشتراكية؟ لستم سوى دمى في أيدي الفئات المهيمنة، إذن، فلتمتلكوا الحياء الكافي لتصمتوا».
محمد الطوزي، الباحث المتخصص في العلوم السياسية، اختار التحليل على إبداء الموقف، وقال تعليقا على الصيغة التي جاءت في بلاغ الديوان الملكي، والتي لخصت نوعا من التوافق حول موضوع حساس: «لا أحد كان يتوقع أن يصبح الأصل في الإجهاض هو الإباحة، والمنع هو الاستثناء. المجتمع المغربي لا يسمح بتجاوز هذا السقف، لكن الهامش يمكن توسيعه في الممارسة الواقعية».
الذي كان ينتظر ثورة في موضوع الإجهاض أصيب بالصدمة، ومن كان ينتظر ألا يفتح أي باب للاستثناءات أصيب بالاكتئاب، ومن كان واقعيا يعرف طبيعة المجتمع وتركيبته العقلية والنفسية وتشبثه بالهوية الدينية، فإنه اعتبر الأمر خطوة كبيرة نحو تحديث وعصرنة المدونة الجنائية، التي لم تعد صخرة صماء لا تستمع إلى أحد، بل صارت تتفاعل، ولو في حدود، مع طلبات المجتمع وضرورات العصر وقيم الدنيا التي نعيش فيها، المجتمعات المحافظة لا تتطور بالقطائع بل بالتراكم، لا تتغير هذه المجتمعات من فوق بل من تحت، انظروا إلى الدول العربية من حولنا باستثناء تونس التي عرفت إصلاحات تشريعية كبيرة وجذرية على مدونة الأسرة في الخمسينات على يد زعيم وطني مثل الحبيب بورقيبة فإن جل الدول العربية بعيدة كل البعد عن هذا النوع من الإصلاحات الدينية والاجتماعية والذهنية التي عرفها قانون الأسرة في المغرب ووضعية المرأة وقانون الجنسية والآن قانون الإجهاض…
الملك لا يقف بجانب الحداثيين ولا بجانب المحافظين. هو يتصرف كحكم يزن الأمور بميزانه الخاص، هو نفسه مقيد بشرعية دينية من طبيعة إمارة المؤمنين التي يرأسها لكنها شرعية يمكن أن تنفتح إذا كان المجتمع مهيأ، ويمكن أن تنكمش إذا كان المجتمع منغلقا، العيب على القوى التي تدعي الحداثة دون أن تتحمل تكلفتها.. إنها غائبة في المجمل عن ساحة التأطير الإيديولوجي وعن التعبئة السياسية وتريد أن ينوب عنها القصر وأن يودي ثمن اختياراتها الفكرية والسياسية…
لقد سمعنا أصواتا ترتفع من قبل المعارضة تنتقد بقاء عقوبة الإعدام في 11 جريمة في مسودة القانون الجنائي الجديد لكن نفس هذه المعارضة صوتت مع الأغلبية بالإجماع على قانون العدل العسكري الذي عرض السنة الماضية على البرلمان، وأبقى على خمس عقوبات للإعدام في عدد من الجرائم. لم نسمع صوتا للسيدة الرويسي البرلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة آنذاك، لقد غلبت أصالتها معاصرتها، إذن لا داعي للبكاء اليوم… كيف ستكون للصوت الحداثي مصداقية وهو يعارض عقوبة الإعدام في وجه مشروع مصطفى الرميد ويصوت بالموافقة على عقوبات الإعدام في نص الجيش… هذا له اسم واحد النفاق السياسي أو قل الكيل بمكيالين…

GMT 08:06 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

طوق النجاة لمباحثات الخرطوم

GMT 08:03 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

من قراءات الأسبوع

GMT 07:46 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 07:44 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

عيون وآذان (محمد بن زايد يعرف مصالح الإمارات)

GMT 07:42 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

قراءة نيابية في الموازنة قبل المجلس الدستوري

GMT 07:40 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

الإيماءات الدبلوماسية لن تحل المشكلة الإيرانية

GMT 07:38 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إرهاب إسرائيلي يؤيده ترامب)

GMT 07:36 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

سعد الحريري ورفض الأمر الواقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حداثيون بدون حداثة حداثيون بدون حداثة



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال

GMT 08:36 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

سيخيب ظنّك أكثر من مرّة بسبب شخص قريب منك

GMT 14:39 2019 الإثنين ,25 آذار/ مارس

تناقض ثم ارتياح يسيطر عليك حتى نهاية الشهر

GMT 02:08 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

20 مليون للاعبي الوداد للتتويج بدوري الأبطال

GMT 22:21 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

5 وضعيات للجماع تعد الافضل لمنطقة الأرداف

GMT 16:23 2019 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

الكعبي وحاريث يغادران معسكر المنتخب المغربي

GMT 16:12 2018 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

الإصابة تبعد اللاعب وليد الكرتي عن الوداد

GMT 12:34 2019 الخميس ,14 آذار/ مارس

Daily Leo

GMT 21:51 2017 الأحد ,11 حزيران / يونيو

فولسانغ يتفوق على ريتشي بورت في سباق دوفين

GMT 15:51 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

تأجيل جلسة استماع بول بوجبا أمام محكمة المنشطات الإيطالية
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib