عطيوها صاكها

عطيوها صاكها

المغرب الرياضي  -

عطيوها صاكها

توفيق بوعشرين

أكثر من مليوني مغربي سمع أغنية زينة الداودية «اعطيني صاكي باغا نماكي»، هذا ما تخبرنا به أرقام قناة يوتوب، وهذا ما جعل المغنية الشابة، التي تمتلك من الشهرة أكثر مما تمتلك من الموهبة، صانعة الحدث الفني في المغرب طيلة شهر كامل، حتى أصبحت أغنيتها على ألسنة كثيرة، أما مضامينها فقد وصلت إلى المحكمة لأن محاميا لم تعجبه الداودية التي تريد أن تصنع «حالة في الرجالة»، فقرر اتهامها بالتحريض على الفساد، وتشجيع التحرش والإساءة إلى صورة المرأة في المجتمع المغربي، وهذا كله ليس موضوعي هنا.. الموضوع هو ما قالته الشابة الداودية في برنامج «رشيد شو» في القناة الثانية، عندما سئلت عما تبقى لديها من الأماني في هذه الحياة لم تحققها بعد كل ما وصلت إليه من مال وشهرة…

قالت الشابة  الداودية إن أمنيتها في الحياة أن تعتزل الفن وأن تموت في الكعبة! ماذا تعني هذه الجملة الخارجة من عمق قلب الفنانة الشعبية التي تعبر عن جزء من الشعب، وقد أجازف وأقول أغلبية كبيرة من أهلنا في هذه البلاد؟

أولا: هذه الجملة تعني أن المغنية الشعبية تقوم بعمل هي غير مقتنعة به، تمارس مهنة وتطلب من الله أن «يعفو عليها منها»، وأن يخلصها في أقرب وقت من هذا الفن الذي تأكل منه وتلعنه.. تستفيد من شهرته وتتنصل منه، هذا يعطي الباحثين مجالا واسعا لدراسة النفاق الاجتماعي عندنا، وانفصام الشخصية المغربية التي تقول للناس لا تنظروا إلى ما نفعله.. انظروا إلى ما نقوله. لا تطالعوا سلوكنا اطلعوا على قلوبنا. نعم هناك دائماً مسافة ما بين السلوك والقناعة، بين المبادئ والمصالح، بين الأقوال والأفعال، لكن هناك حدودا لهذا الفصام، وهناك منطق يجب أن يشتغل إما على تغيير الواقع، وإما على تعديل القناعة أو إعادة تأويلها، أما أن نبقي على سلوكنا في واد وقناعاتنا في واد آخر، فهذا لا يقود إلى بناء فرد ومجتمع سويين.

ثانيا: الداودية وهي تحضر في برنامج تلفزي للدفاع عن اختياراتها الفنية «الهابطة»، تعبر عن أمنيتها في أن تموت في الكعبة، وهذا مؤشر على نمط من التدين الشعبي متجذر بعمق في الثقافة الشعبية، وهو مؤشر على أن موجة التدين في المغرب أعمق مما تظن النخب العلمانية أو اليسارية أو الليبرالية، أو حتى الإسلامية التي تحاول أن تستورد أنماطا أخرى من التدين المشرقي. إذا كان مجتمعنا يعبر عن طلب كبير على التدين لأسباب عديدة، تاريخية واجتماعية واقتصادية وحتى سياسية، فالواجب أن نغطي هذه الحاجة عن طريق ترشيد قيم التدين، وتوجيهها لخدمة قيم المواطنة والإصلاح والتعايش، والرقي بأخلاق الفرد لتقترب من أخلاق الجماعة، لا أن نترك وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تملأ الفراغ بالتدين الصوفي الميتة جذوره، والذي يشجع على ثقافة «الشيخ والمريد»، ويكرس قيم الخضوع والولاء والاتباع والاتكال، ويقتل حاسة النقد والاستقلالية في التفكير.

وفي الوقت ذاته يجب ألا نترك للإسلاميين، سلفيين وحركيين، أن يملؤوا الفراغ بالمرجعية السلفية أو الوهابية أو الإخوانية. إذا كان ضروريا إن ننفتح على مصر، مثلا، فلنطالع محمد عبده وليس سيد قطب، وإذا كان ضروريا أن نتفتح على الشرق فلنقرأ جمال الدين الأفغاني وليس أبو الأعلى المودودي، أما الحل الأمثل فهو تكريس المرجعية المغربية للفكر الإسلامي، ودعم قيام مدرسة مغربية متكاملة، عندك علال الفاسي فهو هرم فكري كبير، وعندك المختار السوسي وشيخ الإسلام محمد بالعربي العلوي، وهما عالمان لا يعرفهما الجيل الجديد، وعندك مثقفون ومفكرون وفقهاء ومربون كبار لديهم اجتهادات معتبرة في الفكر الإسلامي الوسطي، ولديهم أجوبة دينية عن تحديات العصر الجديد، فلا بد من إعادة الاعتبار إليهم في المسجد والمدرسة والإعلام…

ثالث رسالة وجهتها الداودية، حتى دون أن تقصد، بقولها «أريد أن أموت في الكعبة»، هي علاقة المغاربة بالشرق وبمكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف. إنه ارتباط تاريخي وثقافي وديني عميق مع العالم العربي والإسلامي وقضاياه ومشكلاته، وعلى غلاة التيار الأمازيغي، الذين يريدون أن يسلخوا المغرب عن العرب وعن المشرق، أن يراجعوا حساباتهم. هناك ملايين المغاربة الذين يتوجهون خمس مرات في اليوم إلى الكعبة، حيث قبلة المسلمين، وهذا التوجه ليس حركات ميكانيكية ولا طقوسا بدون جذور.. هذا جزء من هوية المغاربة. ليس ضروريا أن يتحول المغاربة إلى قوميين أو بعثيين أو ناصريين أو سلفيين أو وهابيين أو إخوانيين، لكن هناك روابط ثقافية ودينية مع هذا الشرق لا يجب أن يتنكر لها أحد أو يستخف بها أحد. تعدد الأبعاد الثقافية واللغوية في الهوية الوطنية هو ما يصنع قوتها، تماماً مثل طبق السَّلَطة فائدته في تنوع خضره…

GMT 08:06 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

طوق النجاة لمباحثات الخرطوم

GMT 08:03 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

من قراءات الأسبوع

GMT 07:46 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 07:44 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

عيون وآذان (محمد بن زايد يعرف مصالح الإمارات)

GMT 07:42 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

قراءة نيابية في الموازنة قبل المجلس الدستوري

GMT 07:40 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

الإيماءات الدبلوماسية لن تحل المشكلة الإيرانية

GMT 07:38 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إرهاب إسرائيلي يؤيده ترامب)

GMT 07:36 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

سعد الحريري ورفض الأمر الواقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عطيوها صاكها عطيوها صاكها



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال

GMT 11:49 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

من المستحسن أن تحرص على تنفيذ مخطّطاتك

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 00:24 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

منتخب المغرب لكرة اليد يخوض أول تدريب في الغابون

GMT 13:43 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

أول اغسطس" يعترف بمفاوضات الأهلي مع اللاعب دا كوستا"

GMT 23:24 2017 الأربعاء ,18 كانون الثاني / يناير

مستقبل لويس إنريكي يشهد تطورات مفاجئة مع "برشلونة"

GMT 00:07 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

فيراري يسعى إلى تشكيل بطولة بديلة للانسحاب من "فورمولا 1"

GMT 15:30 2022 الإثنين ,31 كانون الثاني / يناير

"الكاف" تنفي وقوع اعتداء علي فوزي لقجع
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib