لا زين لا مجي بكري

لا زين لا مجي بكري

المغرب الرياضي  -

لا زين لا مجي بكري

توفيق بوعشرين

الآن وبعد أن شاهدنا فيلم نبيل عيوش على سينما اليوتيوب، يمكن أن نضع له عنوانا آخر غير ذلك الذي كتبه عيوش على بوستير الفيلم.. أقترح أن نسميه: «لا زين لا مجي بكري»، تعبيرا عن أن الفيلم لم يقدم قيمة فنية تستحق المشاهدة، ولا احترم مشاعر المغاربة، وقد صور فيلما نصفه بورنوغرافي بدون أية لمسة فنية ولا زاوية معالجة يمكن أن نناقشها، وورط معه أشباه ممثلين ستلاحقهم لعنة الفيلم طويلا… تعرفون ماذا كان مصير هذا الفيلم المثير للجدل؟ عدد من المواقع الإباحية، التي تتسابق على تقديم الجنس العربي على شاشاتها، أخذت اللقطات الساخنة فيه ووضعتها في جديد معروضاتها، لكن على الأقل هذه المواقع غير المحترمة كان لها شيء من الاحترام للأطفال والقاصرين، فوضعت علامة +18 تحت مشاهد لبنى أبيضار وهي تنافس عارضات البورنو في ما لا يمكن أن تراه في أكثر الأفلام جرأة في أمريكا أو أوروبا…

كنت قبل أسبوع قد عبرت عن عدم اتفاقي مع قرار وزارة الاتصال منع الفيلم من العرض في القاعات السينمائية، باعتبار أن الجمهور هو الحكم لا السلطة في مثل هذه المواضيع، الآن وبعد أن شاهدت الفيلم أنا أغير موقفي، وأعلن، بلا مواربة، اتفاقي مع قرار منع عرض الفيلم للعموم لأنه يخل بالآداب العامة، ولا يدخل بتاتا في خانة حرية التعبير أو الفن. هذا فيلم بورنوغرافي بامتياز، والقانون والذوق العام واعتبارات السلامة والأمن تفرض على أي مسؤول عدم السماح بعرضه…

الفيلم لم يوفق في إثارة انتباه المغاربة إلى اتساع ظاهرة الدعارة، ولا إلى لفت الانتباه إلى معاناة جزء من ممتهنات بيع الجسد. للأسف، المخرج كان مهووسا بالإثارة أكثر من التحسيس، مولعا بالصدمة أكثر من إثارة الانتباه، مهموما بالشباك ومداخيله أكثر من وضع اليد على الجرح.. هذا بالضبط ما جعل الفيلم يكرس الواقع عوض أن ينتقده…

الدعارة مهنة قديمة، تاريخها يبدأ مع تاريخ البشرية، لكنها أبدا لم تكن صناعة وتجارة ورقم معاملات وعملة رائجة كما هي اليوم. الدعارة اليوم لم تعد نشاطا هامشيا تقوم به نساء على هامش المجتمع.. الدعارة والمخدرات أصبحتا اقتصادا قائما بذاته، حتى إن هناك دولا نظمت الجانب القذر من الاقتصاد وفرضت ضريبة عليه واعترفت به…

الدعارة ليست فقط انحرافا أخلاقيا يدفع رجالا ونساء إلى استعمال الجنس في تحصيل المال، وتوظيف الجسد من أجل الحصول على لقمة العيش. الدعارة أكثر من هذا بكثير.. إنها تعبير عن تعليب البشر وتشييء الإنسان، وتحويل الكائن البشري إلى سلعة، ومع انقراض مبدأ عدم الدفع في المجتمعات الرأسمالية الاستهلاكية، أضحى كل شيء له ثمن، وكل متعة لها فاتورة، وكل غريزة يمكن أن تصير سوقا فيه عرض وطلب. الدعارة المعاصرة هي أحد وجوه مأساة الحضارة المادية، حيث الثمن عوض القيمة، والمال حل محل الأخلاق، والتبادل احتل أرض العطاء، والبخل أكل الكرم، والمادي قتل الرمزي، والعقل خنق العاطفة، والحداثة انقلبت على قيمتها الأولى…

اليوم الجنس يباع ويشترى، وجوازات السفر تباع وتشترى، والجنسيات تباع وتشترى، والأبناء يباعون ويشترون، والأعضاء البشرية تباع وتشترى، والقضاء تباع أحكامه وتشترى، والجيوش تباع وتشترى لتخوض حروب المرتزقة نيابة عمن يدفع أكثر… إذن، مشكلة الدعارة المعاصرة أن البيع والشراء طال كل شيء، وأن القيم لم يعد لها من مكان سوى في الخطب والكتب ومواعظ رجال الدين…

الذي لا بضاعة ولا صناعة ولا أفكار ولا إبداع ولا سلعة له لبيعها في السوق، يلجأ إلى جسده، إلى مشاعره، إلى أشيائه الحميمة مادام كل شيء قابلا للبيع والشراء، ومادام السوق سلطة فوق السلط، والمال هو العملة الوحيدة المعترف بها…

في بدايات عهدي بالصحافة قمت بإنجاز تحقيق حول الدعارة الرخيصة في الدار البيضاء، فخرجت مساء يوم سبت إلى وسط المدينة أبحث عن عاهرة تقبل أن تتحدث عن مهنتها، عن قصتها للقراء، عن مأساتها، فعثرت على واحدة، وأقنعتها بالحديث إلى صحافي دون ذكر اسمها ودون أخذ صورتها في مجتمع منافق.. بعد تردد قبلت الدخول إلى لعبة «سين وجيم»، ومما عرفته من قصتها أنها دخلت إلى سوق الدعارة بالخطأ، ففي أحد الأيام قدمت من قريتها في ضواحي البيضاء إلى المدينة الغول لتبحث عن عمل لإعالة ابنتها التي تخلى عنها والدها وهرب من البيت. ظلت طوال النهار تبحث عن عمل في المقاهي والفنادق والشركات والمعامل، ولما أعياها التعب والجوع جلست في حديقة ترتاح وتفكر في الحل لورطتها وليس في جيبها ثمن تذكرة للعودة إلى القرية، وإذا بشخص يقف عند رأسها ويدعوها إلى كأس قهوة، فاستجابت دون أن تفكر في شيء، ومن القهوة إلى الساندويتش، ومنه إلى فندق رخيص حيث استسلمت الفتاة وعمرها آنذاك 17 سنة. عن هذه التجربة الأولى قالت لي المسكينة: «تصور أنني لم أكن أعرف أن ممارسة الجنس بمقابل مادي توجد في هذه الدنيا إلا عندما وضع الرجل في يدي 50 درهما وودعني. لم أستوعب هذا الأمر.

كنت أجهل كل شيء عن الدعارة، وما تصورت أن هناك من يدفع مالا مقابل الجنس…».
الدعارة مسؤولية الرجل والمرأة، الدولة والمجتمع، فالمثل يقول: «ما كان الذئب ليكون ذئبا لو لم يكن الخروف خروفا».. مادام هناك طلب فهناك عرض، ومسؤولية الدولة أن تحارب شبكات الدعارة التي توسع سوق الرذيلة، وعلى المجتمع أن يربي في النفوس عزة النفس وإحساس الإنسان بالكرامة، فالعرب كانوا يقولون حتى في أيام الجاهلية: «تموت الحرة ولا تأكل من ثديها».

GMT 08:06 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

طوق النجاة لمباحثات الخرطوم

GMT 08:03 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

من قراءات الأسبوع

GMT 07:46 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 07:44 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

عيون وآذان (محمد بن زايد يعرف مصالح الإمارات)

GMT 07:42 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

قراءة نيابية في الموازنة قبل المجلس الدستوري

GMT 07:40 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

الإيماءات الدبلوماسية لن تحل المشكلة الإيرانية

GMT 07:38 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إرهاب إسرائيلي يؤيده ترامب)

GMT 07:36 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

سعد الحريري ورفض الأمر الواقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا زين لا مجي بكري لا زين لا مجي بكري



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال

GMT 08:36 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

سيخيب ظنّك أكثر من مرّة بسبب شخص قريب منك

GMT 14:39 2019 الإثنين ,25 آذار/ مارس

تناقض ثم ارتياح يسيطر عليك حتى نهاية الشهر

GMT 02:08 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

20 مليون للاعبي الوداد للتتويج بدوري الأبطال

GMT 22:21 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

5 وضعيات للجماع تعد الافضل لمنطقة الأرداف

GMT 16:23 2019 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

الكعبي وحاريث يغادران معسكر المنتخب المغربي

GMT 16:12 2018 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

الإصابة تبعد اللاعب وليد الكرتي عن الوداد

GMT 12:34 2019 الخميس ,14 آذار/ مارس

Daily Leo

GMT 21:51 2017 الأحد ,11 حزيران / يونيو

فولسانغ يتفوق على ريتشي بورت في سباق دوفين

GMT 15:51 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

تأجيل جلسة استماع بول بوجبا أمام محكمة المنشطات الإيطالية
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib