مات فينا ونحن أحياء

مات فينا ونحن أحياء

المغرب الرياضي  -

مات فينا ونحن أحياء

توفيق بوعشرين


قال شاعر سوريا الراحل محمد الماغوط: «إن الموت ليس هو الخسارة الكبرى.. الخسارة الأكبر هو ما يموت فينا ونحن أحياء».

ماذا مات في المغاربة وهم أحياء؟

مات في السياسيين عندنا الصدق و«المعقول»، وصار جلهم مثل القراصنة في البحر يغيرون على أصوات الناس في كل انتخابات، وعندما يعودون إلى مغاراتهم يقتسمون الغنائم فيتشاجرون ويتصارعون، لكن في الغد تجدهم يهيئون غارة جديدة وكأنهم إخوة في الدم. ماتت في السياسيين الذاكرة، وصار الشرط ليكون الشخص رجل سياسة أن يكون بلا ذاكرة. أن تكون سياسيا جيدا اليوم عليك أن تكون صاحب ذاكرة سيئة، وصاحب هواية في تغيير المعاطف والقناعات والتصريحات.. إنها موضة العصر، لا اليمين يمين، ولا اليسار يسار، ولا الوسط يضع حزاما على وسطه…

مات في رجال الدين الإيمان والتجرد والزهد والبعد عن الأضواء.. صار رجال الدين نجوما في التلفزة والإذاعة والفيسبوك والتويتر ومنصات الندوات في فنادق الـ5 نجوم. صاروا يعزفون لحن الإيمان حسب الطلب ولكل مقام مقال. هجروا كتب العلم ومحراب الصلاة وركن القناعة، وصاروا يزاحمون أهل الدنيا باسم الآخرة، فما عادوا يختلفون عن الممثلين في المسلسلات المصرية الرديئة.

مات في رجال ونساء العدالة (قضاة ومحامون وكتاب ضبط وخبراء) العدل والإنصاف والخوف من الله.. صار المحامي الجيد هو الذي يعرف القاضي لا ذلك الذي يعرف القانون (هناك نوعان من المحامين؛ الأول يعرف جيدا القانون والثاني يعرف جيدا القاضي). أضحى جل القضاة إما تجارا يبيعون ويشترون في الأحكام، أو موظفين يطبقون التعليمات، أو أرانب تخشى الثعلب فتبتعد عن مواطن الخطر والقضايا الشائكة، أما القلة التي مازال ضميرها مستيقظا، فإنها تصارع من أجل البقاء، أما الإصلاح فإنه معلق على شرط الضمير لا على بنود القانون.

مات في الصحافيين الاعتزاز بالاستقلالية والجرأة وحب المهنة والإخلاص لها. صار الصحافيون متخصصين في تلميع رجال السلطة والمال والإعلانات، حتى إنه يخيل إليك أنهم بلعوا علبا كثيرة من «السيراج». الصحافي الذكي هو الذي لا يغضب رجال السلطة.. هو الذي يستيقظ في الصباح ويطالع نشرة الطقس عند المخزن، وبناء عليها يتصرف إلى إشعار آخر. هذا إذا لم يختصر الطريق ويسمح للسلطة بامتلاك الجريدة والإذاعة والموقع والمجلة، وعوض أن يصير هو الناشر يصير أجيرا عن السلطة «ومريضنا ما عندو باس»، وعوض أن يتخصص في البحث عن الأخبار، يجلس طوال اليوم ينتظر الهاتف وما يحمله من أخبار وإشاعات وبالونات اختبار…

مات في المثقف قول الحقيقة للدولة والمجتمع.. صار المثقف مثل الكاتب العمومي يكتب تحت الطلب، وفي أوقات الفراغ يخط شعرا أو رواية أو زجلا حتى يختبئ وراء المجاز ولعبة التأويل. صار المثقف مقاولة تجارية تشتغل طول السنة على طلبات مراكز الأبحاث الغربية ومشاريع الاتحاد الأوروبي، وإذا دعي إلى المشاركة في لجنة استشارية أو وزارة أو مجلس، فإنه يتصرف مثل خياط يفصل الفكر والعلم والثقافة على مقاس الزبون خارج أخلاق العلم ونزاهة الفكر…

مات في رجال ونساء الأعمال حب الخير والتأثر لحال الفقراء والمساكين والوطن. صار رجال ونساء الأعمال يمارسون البزنس بعقلية المقامرين في الكازينو، يسعون إلى الربح بلا مجهود وأعينهم على بقرة الريع متى تسقط ليخرجوا سكاكينهم الحادة، والويل لمن أشار إليهم بإصبعه، فالثروة لا تبتسم إلا لهؤلاء…

ماتت في المجتمع الإحساس بالكرامة وعزة النفس، وصار جل المواطنين يشحذون مالا أو امتيازا أو صدقة أو منصبا أو «كريمة» أو خدمة لا يستحقونها، حتى ليخيل للمرء أن البلاد صارت خيرية كبيرة كل من فيها يشحذ، ويمد يده ومعها جزء من كرامته حتى دون أن يكون محتاجا بالضرورة…

في كل هؤلاء هناك استثناءات، لكن الشاذ لا حكم له كما يقول الفقهاء. نحن نتحدث عن القاعدة، لكن مع ذلك يبقى خيط الأمل ممدودا، والمثل الإنجليزي يقول: «مهرة سيئة يمكن أن تلد جواد جيدا».. من يدري…

GMT 08:06 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

طوق النجاة لمباحثات الخرطوم

GMT 08:03 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

من قراءات الأسبوع

GMT 07:46 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 07:44 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

عيون وآذان (محمد بن زايد يعرف مصالح الإمارات)

GMT 07:42 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

قراءة نيابية في الموازنة قبل المجلس الدستوري

GMT 07:40 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

الإيماءات الدبلوماسية لن تحل المشكلة الإيرانية

GMT 07:38 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إرهاب إسرائيلي يؤيده ترامب)

GMT 07:36 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

سعد الحريري ورفض الأمر الواقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مات فينا ونحن أحياء مات فينا ونحن أحياء



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال

GMT 11:49 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

من المستحسن أن تحرص على تنفيذ مخطّطاتك

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 00:24 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

منتخب المغرب لكرة اليد يخوض أول تدريب في الغابون

GMT 13:43 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

أول اغسطس" يعترف بمفاوضات الأهلي مع اللاعب دا كوستا"

GMT 23:24 2017 الأربعاء ,18 كانون الثاني / يناير

مستقبل لويس إنريكي يشهد تطورات مفاجئة مع "برشلونة"

GMT 00:07 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

فيراري يسعى إلى تشكيل بطولة بديلة للانسحاب من "فورمولا 1"

GMT 15:30 2022 الإثنين ,31 كانون الثاني / يناير

"الكاف" تنفي وقوع اعتداء علي فوزي لقجع
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib