من ينقذ الوزيرتين من العاصفة

من ينقذ الوزيرتين من العاصفة؟

المغرب الرياضي  -

من ينقذ الوزيرتين من العاصفة

توفيق بو عشرين

لم تهدأ بعد عاصفة «جوج فرانك»، حتى لحقت بها ضجة «العمل 22 ساعة في اليوم».. لم يترك رواد مواقع التواصل الاجتماعي نكتة أو كاريكاتيرا أو صورة مركبة للسخرية من الوزيرتين، شرفات أفيلال وحكيمة الحيطي إلا استعملوها للرد على فلتة لسان خرجت من فم الوزيرة المنتدبة المكلفة بالماء، وصفت فيها السجال الدائر حول تقاعد البرلمانيين بأنه شعبوية لأن 8000 درهم في المغرب ما هي إلا «جوج فرانك». فرغم اعتذار شرفات أفيلال عن هذه الفلتة، وقولها إنها لم تقصد ما قالته، فإن شعب «الفايس بوك» لم يرحمها، ومواقع البيبل لم تتسامح معها. الشيء نفسه وقع لوزيرة البيئة التي لا تحظى بأي شعبية رغم أنها تنحدر من حزب الحركة الشعبية، فقد لعب الادعاء وقلة الحيطة برأس الوزيرة الحيطي، فزعمت أنها تشتغل 22 ساعة في اليوم، أي أنها لا تخصص للنوم والأكل والحمام والكوافير والحديث في الهاتف والجلوس مع العائلة سوى ساعتين من 24 ساعة!

الوزراء والوزيرات في العالم كله يخطئون في القول أو العمل، في الكلام أو الصمت، لكنهم يعتذرون ويتداركون، ويطلبون الصفح من الجمهور الذي أوصلهم إلى مناصبهم، وفي أغلب الأحيان يقبل المواطنون اعتذار الرؤساء والوزراء، وحتى الملوك (لقد اعتذرت أشهر ملكة في العالم، إليزابيث الثانية، أكثر من مرة في نصف قرن الذي أمضته جالسة على عرش الآباء والأجداد، ولم يزدها ذلك إلا كل احترام وشعبية في بريطانيا، حيث الصحافة لا ترحم، والإعلام يملك أسنانا وأظافر ولسانا طويلا).
ماذا جرى حتى غضب الرأي العام المغربي من الوزيرتين غضبة «مضرية»، لا مكان فيها للتسامح أو العفو أو التماس العذر؟
لدي ثلاثة تفسيرات لهذه الحادثة التي وقعت في الأيام الأخيرة لسنة 2015:
أولا: معاش الوزراء والنواب البرلمانيين أثار مؤخرا حساسية لدى الرأي العام، لتزامنه مع إعلان الحكومة لإصلاحات مؤلمة في معاشات الموظفين، حيث صار السؤال الأهم هو: كيف تتجرأ الحكومة على الفقراء والطبقات الوسطى فتخفض معاشاتهم وترفع مساهمتهم في صناديق التقاعد، وتمدد عمرهم الوظيفي إلى ما بعد 60 سنة، فيما يحتفظ البرلمانيون بـ8000 درهم طوال حياتهم عن ولاية واحدة، والوزراء يحتفظون بـ39 ألف درهم مدى الحياة، حتى لو قضوا يوما واحدا في الوزارة؟
في هذا الجو المشحون جاءت فلتة لسان الوزيرة الشابة شرفات أفيلال، فصب الرأي العام جام غضبه عليها دون اعتبار لعملها أو حصيلتها أو مسارها كامرأة عصامية «ابنة الشعب»، درست في المدرسة العمومية، وناضلت في حزب التقدم والاشتراكية حتى وصلت إلى المنصب الذي توجد فيه الآن. ظني أنه لو تدخل بنكيران لإنهاء الريع السياسي، لكان سيقدم خدمة لمشروع إصلاح صناديق التقاعد، حتى وإن كان تقاعد الوزراء والبرلمانيين مجرد نقطة في بحر، لكن الأمور الرمزية لها دورها في اللحظات الصعبة.
ثانيا: الغضب الذي تفجر في وجه الوزيرتين على فلتة لسان مرده -أي الغضب- إلى الحساسية الذكورية التي مازالت تلعب في رؤوس وثقافة ونظرة جل أفراد المجتمع إزاء المرأة.. ثقافة لا ترى، عن وعي أو غير وعي، أن المرأة تستحق أن تكون وزيرة وبرلمانية وسيدة أعمال ونجمة في سماء الفن أو الثقافة أو المجتمع. نظرة مازالت محكومة لدى جل الرجال، كما لدى جل النساء، بالأدوار التقليدية للمرأة في مجتمعنا، حيث نرى أن مكان المرأة الطبيعي هو البيت، وإن خرجت إلى الفضاء العام فلقضاء الحاجات الضرورية ثم ترجع إلى عشها في أسرع وقت، فالفضاء العام والسياسة والحزب والنقابة والنجومية والشهرة والسلطة كلها حكر على الرجل، وإذا قبل المجتمع مرغما أدوارا غير تقليدية للمرأة فإنه يظل متربصا بها إلى أن تقع في الخطأ، وهنا يجهز عليها من أجل أن ينتصر للذكر الجاهلي القابع داخله… قبل فلتة الحيطي وأفيلال قال وزير الداخلية أفظع من هذا الكلام، ولم يثر حساسية الرأي العام. قال في البرلمان عن المقدمين والشيوخ إنهم يشتغلون ليل نهار، ويبقون في الخدمة العمومية فوق الستين، وإن «وزارة الداخلية كتفاهم معاهم، ومن الأحسن أن يتركنا البرلمان معهم دون تدخل»… هنا في هذا التصريح لمحمد حصاد توجد ثلاث مخالفات؛ الأولى للدستور الذي أوكل إلى البرلمان مراقبة الحكومة، والثانية لقانون الشغل الذي يعطي الحق في الراحة ويحدد ساعات العمل، والثالثة لقانون التقاعد الذي لا يجيز للموظف العمل فوق الستين.
ثالثا: في كل دول العالم لا يحظى جل السياسيين بشعبية كبيرة، وخاصة في أوروبا، حيث تنتعش الشعبوية التي تصور السياسيين كمصاصي دماء يسطون على الحقائب الوزارية من أجل خدمة مصالحهم ومصالح المقربين منهم، لكن هذه الظاهرة عندنا تأخذ أبعادا أكثر تعقيدا واستفحالا، حيث أغلبية فئات الشعب فقيرة وتعليمها «على قد الحال»، وحيث جل الوزراء يأتون ويذهبون دون إرادة الناس، وحيث الفساد منتشر بقوة، والمحسوبية عملة رائجة، والسياسة أفضل آلة لإنتاج المال والجاه والنفوذ، لهذا يتعاظم شك الناس في السياسيين، ويصبحون أكثر عدوانية إزاءهم رغم أنهم يتملقون السلطة، ويقفون عند بابها طلبا لمصلحة أو امتياز أو ريع، لكنهم ينتقدونها ويسخرون منها ولا يثقون فيها.. إنها علاقة حب وكره.. حب لما تنتجه من امتيازات ومكرمات وعطايا، وكره لما تنتجه من ظلم وتفاوتات واختلالات سلطوية، لهذا يردد المغاربة في موروثهم قول أحد الحكماء الذي سئل مرة عن أي عز يكون بالذل متصلاً، فقال: «العز في خدمة السلطان».
إن الضجة التي تحاصر أفيلال وشرفات اليوم، وقبلهما الحبيب وسمية، وبعدهما أخنوش وبوسعيد، كل هذا يدل على التوتر الذي يطبع علاقة المواطنين بالوزراء وعموم السلطة في البلد، حيث الشك هو الأصل، وسوء النية مقدم على حسن النية، والمشاعر السلبية تسبق كل شيء.. فمن ينقذ الوزيرتين من عين العاصفة؟

GMT 08:06 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

طوق النجاة لمباحثات الخرطوم

GMT 08:03 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

من قراءات الأسبوع

GMT 07:46 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 07:44 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

عيون وآذان (محمد بن زايد يعرف مصالح الإمارات)

GMT 07:42 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

قراءة نيابية في الموازنة قبل المجلس الدستوري

GMT 07:40 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

الإيماءات الدبلوماسية لن تحل المشكلة الإيرانية

GMT 07:38 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إرهاب إسرائيلي يؤيده ترامب)

GMT 07:36 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

سعد الحريري ورفض الأمر الواقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من ينقذ الوزيرتين من العاصفة من ينقذ الوزيرتين من العاصفة



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال

GMT 08:36 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

سيخيب ظنّك أكثر من مرّة بسبب شخص قريب منك

GMT 14:39 2019 الإثنين ,25 آذار/ مارس

تناقض ثم ارتياح يسيطر عليك حتى نهاية الشهر

GMT 02:08 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

20 مليون للاعبي الوداد للتتويج بدوري الأبطال

GMT 22:21 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

5 وضعيات للجماع تعد الافضل لمنطقة الأرداف

GMT 16:23 2019 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

الكعبي وحاريث يغادران معسكر المنتخب المغربي

GMT 16:12 2018 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

الإصابة تبعد اللاعب وليد الكرتي عن الوداد

GMT 12:34 2019 الخميس ,14 آذار/ مارس

Daily Leo

GMT 21:51 2017 الأحد ,11 حزيران / يونيو

فولسانغ يتفوق على ريتشي بورت في سباق دوفين

GMT 15:51 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

تأجيل جلسة استماع بول بوجبا أمام محكمة المنشطات الإيطالية
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib