حرب لبنان التي ارتدّت على من رعاها

حرب لبنان التي ارتدّت على من رعاها

المغرب الرياضي  -

حرب لبنان التي ارتدّت على من رعاها

خيرالله خيرالله


كانت الحرب اللبنانية منذ البداية حربا إقليمية. لم يخطئ من قال منذ البداية أنها حرب بين اللبنانيين، كما هي حرب الآخرين على أرض لبنان.

استُخدم السلاح غير الشرعي لتدمير لبنان. كان السلاح فلسطينيا في البداية. صار إيرانيا الآن. بعد أربعين عاما على بدء حرب لبنان، حسب التقويم الرسمي، في الثالث عشر من أبريل 1975، لم يخرج الوطن الصغير بعد من حربه التي ارتدت على كلّ من شارك فيها، ورعاها، وشجّع عليها من قريب أو بعيد.

لا حاجة إلى أمثلة تؤكّد ذلك. تكفي نظرة إلى ما تشهده سوريا للتيقّن من أنّ الاستثمار في السلاح غير الشرعي في بلد جار، لا يمكن إلا أن يرتد على من يراهن على هذا النوع من المشاريع التخريبية، بدل الالتفات إلى هموم أهل بلده.

ما يربط بين فصول الحرب اللبنانية المستمرّة أمران. الأوّل السلاح غير الشرعي الذي عمل على تدمير مؤسسات الدولة اللبنانية وانتهاك سيادتها يوميا. الأمر الآخر، شعور كل طائفة من الطوائف اللبنانية أنّ في استطاعتها الهيمنة على الطوائف الأخرى في غياب الحدّ الأدنى من الوعي الوطني. هذا الوعي الوطني الذي يظهر في المناسبات، ثم لا يلبث أن يدخل في سبات عميق.

بالنسبة إلى السلاح غير الشرعي، هناك مسؤولية كبرى تقع على العرب عموما، وعلى النظام السوري الذي أسّس له حافظ الأسد منذ العام 1966، أي مذ استولى الضباط العلويون على السلطة مستخدمين لافتة كبيرة تنطوي على شعارات طنّانة اسمها حزب البعث العربي الاشتراكي الذي لم يجلب على المنطقة سوى الكوارث، بما في ذلك كارثة حرب الأيام الستة في العام 1967.

فرض العرب على لبنان ما لا يستطيع تحمّله عندما جعلوه يوقّع اتفاق القاهرة في العام 1969. كان جمال عبدالناصر لا يزال حيّا. أراد العرب التكفير عن ذنب إقفال الجبهات المصرية والسورية، فألقوا كلّ الثقل الفلسطيني على لبنان بعدما فشلوا في إلقائه على الأردن.

غرق الفلسطينيون في وحول لبنان. دمّروا لبنان ولم يحرّروا شبرا من فلسطين. جعلهم حافظ الأسد، الذي وفّر لهم كلّ ما يريدون من سلاح، منذ ما قبل توقيع اتفاق القاهرة وعندما كان لا يزال وزيرا للدفاع، كلّ ما هو مطلوب كي يأتي يوم يطلب منه الأميركيون الدخول عسكريا إلى لبنان. حصل ذلك حين دعاه هنري كيسينجر، بالتفاهم مع إسرائيل إلى “وضع اليد على مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية”. دخل هؤلاء في مواجهات مسلحة مع ميليشيات الأحزاب المسيحية التي كانت تحصل بدورها على أسلحة عن طريق النظام السوري!

كانت اللعبة مكشوفة في كلّ وقت، منذ ما قبل الثالث عشر من أبريل من العام 1975. كان حافظ الأسد يريد السيطرة على لبنان تحت شعار “شعب واحد في بلدين”، وعلى القرار الفلسطيني تحت شعار “إنّ القرار الفلسطيني المستقلّ بدعة”.

كان دخول ياسر عرفات في هذه اللعبة خطأ تاريخيا، عاد بالويلات على لبنان وعلى القضية الفلسطينية في الوقت ذاته.

كان قبول عدد لا بأس به من الزعماء المسلمين في لبنان، خصوصا بعض الزعماء السنّة، الرضوخ للمطالب الفلسطينية بمثابة جريمة في مستوى جريمة عدد لا بأس به من الزعماء المسيحيين الذين قرروا الدخول في مواجهة مع الفلسطينيين ومع تنظيمات تابعة لأنظمة عربية، بعضها عراقي وبعضها ليبي، من دون شريك مسلم.

كانت هناك تجاوزات فلسطينية لا يمكن السكوت عنها. لكنّ من الخطأ تولي المسيحيين وحدهم التصدي لهذه التجاوزات، دون حسابات سياسية دقيقة تأخذ في الاعتبار حاجة غير نظام عربي للمتاجرة بالفلسطينيين وقضيّتهم.

هذا ما كان يريده الأسد الأب وهذا ما سعى إليه دائما، دون نجاح يذكر، في سياق مخطط مدروس يصبّ في تشكيل حلف الأقليّات. استعان بالفلسطينيين لضرب الوجود المسيحي، ومحاولة تحويل المسيحيين اللبنانيين إلى نسخة عن مسيحيي سوريا

في كل وقت، كان هناك عداء لدى الأسد لأهل السنّة الذين عادوا سريعا عن خطأ اعتبار الفلسطينيين جيشهم الذي سيخلّصهم من “المارونية السياسية”. إنّه العداء نفسه الذي كان يكنّه الأسد الأب للسنّة من أهل المدن الكبيرة في سوريا.

هذا العداء لم يكن لأهل السنّة وحدهم، بل لكل من يتجرّأ على أن يقول لا، كالزعيم الدرزي كمال جنبلاط الذي أدرك متأخّرا أنّه، برهانه على المسلحين الفلسطينيين، كان، من حيث لا يدري، يلعب لعبة الأسد الذي سارع إلى التخلّص منه.

بعد أربعين عاما على حرب لبنان، التي تخلّلها اجتياح إسرائيلي للبلد، أخذت هذه الحرب شكلا آخر بعد خلافة بشار الأسد لوالده، واعتقاده أنّ في استطاعته الهيمنة على لبنان عن طريق الحلف الذي أقامه مع “حزب الله”، والذي كان من نتائجه التخلّص من رفيق الحريري وما كان يمثّله.

دفع رفيق الحريري ثمن الفشل السوري في جعل الوصاية على لبنان، وصاية إلى الأبد. دفع ثمن إعادته الحياة إلى بيروت على طريق إعادة الحياة إلى كلّ لبنان.

نجح “حزب الله”، بصفة كونه لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، في إبقاء السلاح غير الشرعي سلاحا يهدّد كلّ لبناني. أكثر من ذلك، مكّن الوصاية الإيرانية من الحلول مكان الوصاية السورية. أخطر ما في الأمر أنّه يظهر أبناء الطائفة الشيعية، الذين باتوا رهينة لديه، وكأنّهم لم يتعلّموا شيئا مما مرت به الطوائف الأخرى، بدءا بالمسيحيين والسنّة، وانتهاء بالدروز، وكأن مأساة لبنان لا تزال في بدايتها.

لا شكّ أنّ اللبنانيين يتحمّلون مسؤولية كبيرة عمّا حلّ ببلدهم. لكنّ الأحداث التي مرّ بها، ولا يزال يمرّ بها لبنان، تفرض الاعتراف بأنّ لبنان ضحيّة عقل مريض ما زال يدير حربا من نوع آخر، هي حرب تدمير سوريا وتفتيتها. يقوم هذا العقل على فكرة أنّ تدمير بيروت يجعل دمشق تزدهر. لم يستطع هذا العقل الذي في أساسه الخوف من المدينة استيعاب أنّ ازدهار دمشق من ازدهار بيروت، وأنّ العكس صحيح. لا يزال لبنان يعاني من هذا العقل الذي سعى إلى تدمير بيروت، وهو يسعى الآن إلى القضاء على كلّ مدينة سورية.

كانت الحرب اللبنانية منذ البداية حربا إقليمية. لم يخطئ من قال منذ البداية أنّها حرب بين اللبنانيين، كما هي حرب الآخرين على أرض لبنان. كانت الحاجة إلى أربعين عاما ليتفرّج اللبناني من موقع مختلف على فشل رهان النظام السوري على تصدير أزماته وأمراضه إلى الداخل اللبناني. الأكيد أن هذا ليس من باب الشماتة، بمقدار ما أنّه درس في التاريخ كلّف لبنان واللبنانيين الكثير.

GMT 08:06 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

طوق النجاة لمباحثات الخرطوم

GMT 08:03 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

من قراءات الأسبوع

GMT 07:46 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 07:44 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

عيون وآذان (محمد بن زايد يعرف مصالح الإمارات)

GMT 07:42 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

قراءة نيابية في الموازنة قبل المجلس الدستوري

GMT 07:40 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

الإيماءات الدبلوماسية لن تحل المشكلة الإيرانية

GMT 07:38 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إرهاب إسرائيلي يؤيده ترامب)

GMT 07:36 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

سعد الحريري ورفض الأمر الواقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرب لبنان التي ارتدّت على من رعاها حرب لبنان التي ارتدّت على من رعاها



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال

GMT 20:49 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 02:47 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

هزيمة ثقيلة تهز عرش نوفاك جوكوفيتش وتبعده عن ناصية حلمه

GMT 18:27 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

النسخة السادسة لرالي المسيرة الخضراء تشهد مشاركة 100 متسابق

GMT 01:30 2015 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

جمهور ريال مدريد يُبدي رأيه حول بيع تشيريشيف

GMT 22:40 2016 الإثنين ,25 إبريل / نيسان

كوك وجاميرو يقودان إشبيلية للفوز على ريال بيتيس

GMT 22:00 2016 الإثنين ,03 تشرين الأول / أكتوبر

برشلونة يمر بأسوأ حقبة له منذ 2005

GMT 03:55 2014 الأربعاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

نسعى لتقديم الأفضل ونتمنى من الجماهير دعمنا في البطولات

GMT 02:41 2015 الجمعة ,16 كانون الثاني / يناير

محمد علوي ينفي تأثر معنويات "الفدائي" من مباراة اليابان

GMT 13:27 2018 الخميس ,11 كانون الثاني / يناير

قطر يهزم أوزبكستان في كأس آسيا للمنتخبات الأولمبية

GMT 00:05 2015 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

ماسكيرانو يقر بالتهرب من دفع ضرائب بقيمة 1.5 مليون يورو

GMT 15:10 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

فاخر يؤكد أن "التسجيل الصوتي" سبب التعادل أمام "طنجة"
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib