انحدار بريطاني بدأ قبل ستين عاماً

انحدار بريطاني بدأ قبل ستين عاماً

المغرب الرياضي  -

انحدار بريطاني بدأ قبل ستين عاماً

بقلم : خيرالله خيرالله

كشفت نتيجة الاستفتاء بريطانيا. كشفت الأحزاب البريطانية. كشفت خصوصا أن الانحدار لم يتوقف منذ العام 1956. كل ما هناك أن مارغريت تاتشر عرفت كيف توقفه مؤقتا.

مرّت أيّام على الاستفتاء الذي شهدته المملكة المتحدة والذي كانت نتيجته تأييد الخروج من الاتحاد الأوروبي بأكثرية ضئيلة. منذ إعلان نتيجة الاستفتاء الذي أُجري في الثالث والعشرين من حزيران ـ يونيو الماضي، لا تزال بريطانيا تحت الصدمة.

لم تجد مجلة “إيكونوميست”، وهي مجلّة أكثر من جدّية سوى عبارة “فوضى في المملكة المتحدة” تتوّج بها غلافها الذي ظهر فيه العلم البريطاني بشكل لباس داخلي (للطبقة السفلى من الجسم) يرفرف في الهواء الطلق.

تبيّن فجأة أنّ لا سياسيين كبارا في البلد وأنّ هناك غيابا للزعامـات الحزبية التي كانت تستطيع أن تشرح للمواطن العادي ما على المحك فعلا في هذا الاستفتـاء. ماذا يعني الخـروج مـن الاتحـاد الأوروبي بالأرقـام وما تأثير ذلك على الاقتصاد؟ ما البديل من أوروبا؟ أين تكمن مصلحة المملكة المتحدة؟ هل هناك ما يعوّض الخروج من السوق الواحدة التي تضمّ ثمانية وعشرين بلـدا، والتي كـانت المملكة المتحدة جزءا منها؟

أقدمت المملكة المتحدة على خطوة في المجهول. سارت أكثرية المواطنين (أقل من نسبة اثنين وخمسين في المئة من المشاركين في الاستفتاء) خلف شعارات لا علاقة لها بالواقع من نوع أن الخروج من الاتحاد الأوروبي “سيسمح باستعادة السيادة الوطنية”، نظرا إلى أن هناك قوانين أوروبية لم تكن تتوافق مع مصلحة بريطانيا وقد فُرضت فرضا على المملكة. كذلك، رُفع شعار أن الخروج من الاتحاد الأوروبي سيسمح بكبح الهجرة إلى بريطانيا، خصوصا من دول أوروبية فقيرة تتمتع بعضوية الاتحاد الأوروبي.

لم يوجد من يشرح للمواطنين حقيقة الوضع ومعنى الأرقام بعيدا عن المبالغات. كان رئيس الوزراء، ديفيد كاميرون، شبه غائب عن الحملة التي سبقت الاستفتاء. ظهر، بكلّ وضوح، أن المواطن البريطاني ذهب ضحيّة عملية غش لا سابق لها، خصوصا بعدما استخدم نايجل فراج زعيم “حزب الاستقلال للمملكة المتحدة”، الذي يمثل اليمين المتطرف، خطابا عنصريا للتحريض على الخروج من الاتحاد الأوروبي.

ليس ما يشير إلى أن استفتاء جديدا يمكن أن يُنظّم في المملكة المتحدة، على الرغم من توقيع أربعة ملايين بريطاني عريضة تطالب بمثل هذا الاستفتاء. على المملكة المتحدة التعاطي مع نتيجة الاستفتاء من دون تردد. طالبتها أوروبا بالإسراع في إجراءات الطلاق، وذلك استنادا إلى المادة خمسين من معاهدة لشبـونة التي تحدد كيفية الخروج من الاتحاد الأوروبي. نقطة الخلاف الأساسية بين أوروبا وبريطانيا في الوقـت الحاضر في غـاية البسـاطة. تريد لندن التفاوض بشأن صيغة جديدة للتعاون مع أوروبا وضمـان البقاء في السوق الأوروبية الواحدة، في حين أن الأوروبيين يصرون على رفض المباشرة في مثل هذه المفـاوضات قبل حصول الطلاق بين الجانبين.

لم تكن هناك حسابات بريطانية لمرحلة ما بعد الاستفتاء، بما في ذلـك وضع البريطانيين المقيمين في الدول الأوروبية، خصوصا في أسبانيا وفرنسا. خدعت المواطن البريطاني سياسات صغيرة عكستها الخلافات داخل حزب المحافظين، وعدم قدرة زعيم حزب العمّال جريمي كوربن على التحكم في الحزب. أعطت النتيجة فكرة عن الدرك الذي بلغته السياسات الداخلية في بريطانيا من جهة، وسطحية السياسيين من جهة أخرى. لعلّ أفضل دليل على ذلك تصرّفات عمدة لندن السابق، بوريس جونسون، الذي لم يعد لديه ما يقوله في اليوم الذي تلا إعلان نتيجة الاستفتاء، علما أنّه كان من أشدّ المتحمسين لخروج المملكة المتحدة من أوروبا.

في الواقع، ليست نتيجة الاستفتاء التي أدت إلى تراجع الجنيه الإسترليني وهبوط أسعار الأسهم وفقدان المستثمر الأجنبي الثقة ببريطانيا سوى تتويج لسلسلة من التراجعات استطاعت مارغريت تاتشر وضع حد لها في مرحلة معيّنة امتدت بين العامين 1979 و1990. أسست تاتشر للازدهار الاقتصادي البريطاني. كانت شخصية سياسية استثنائية عرفت كيف تعيد المملكة المتحدة إلى خارطة العالم بعد سلسلة من النكسات بدأت عمليا في العام 1956، عندما خاضت بريطانيا بمشاركة فرنسا وإسرائيل حرب السويس.

حتّى حرب السويس، كانت بريطانيا ومازالت تعتقد أن شيئا لم يتغيّر في العالم، وأنّها لا تزال قطبا من أقطابه. احتل البريطانيون والفرنسيون قناة السويس، واحتلت إسرائيل سيناء من دون استشارة الولايات المتحدة التي كان رئيسها، وقتذاك، دوايت أيزنهاور.

لم يرق لأيزنهاور أن تحصل مثل هذه الحملة العسكرية من خلف ظهر بلاده التي لم يكن لأوروبا أن تتحرر من النازيين لولا دخولها الحرب العالمية الثانية. كان كافيا اتصال هاتفي من وزير الخارجية الأميركي، جون فوستر دالاس، برئيس الوزراء البريطاني، أنتوني إيدن، كي تنسحب بريطانيا عسكريا من قناة السويس ومعها فرنسا وكي تخلي إسرائيل سيناء.

في ذلك الاتصال الهاتفي المشهور، وضع دالاس بريطانيا، التي لم تكن قد انسحبت بعد من منطقة الخليج، في حجمها الحقيقي. أفهم وزير الخارجية الأميركي رئيس الوزراء البريطاني أن من يحكم المعسكر الغربي هو الولايات المتحدة، وأن ليس واردا إقدام بريطانيا على أيّ مغامرة عسكرية من دون العودة إلى واشنطن. الأكيد أنّه لم تكن من حاجة إلى اتصال من وزير الخارجية الأميركي بالمسؤولين الفرنسيين أو الإسرائيليين لإفهامهم ما هو المطلوب منهم. كان على الجميع تنفيذ التعليمات الصادرة عن واشنطن من دون أي سؤال من أيّ نوع. كان ذلك في أيّام العز الأميركية، أيّام أيزنهاور، وليس في أيام الإدارة التي على رأسها باراك أوباما.

فهمت بريطانيا أن كلّ ما عليها أن تفعله بعد خسارتها حرب السويس هو أن تتحوّل إلى حليف لأميركا. هذا ما استوعبته إسرائيل أيضا. أمّا فرنسا، فإنّها اتجهت إلى بناء أوروبا. ليس صدفة أن اللبنة الأولى للسوق الأوروبية المشتركة وُضعت مباشرة بعد انتهاء حرب السويس، وذلك عندما وقّعت كلّ من فرنسا وألمانيا وإيطاليا ودول “البينيلوكس” الثلاث، أي بلجيكا وهولندا ولوكسمبور، معاهدة روما التي أسست في مارس من العام 1957 لقيام السوق الأوروبية التي مهّدت بدورها لقيام الاتحاد الأوروبي لاحقا.

عرفت تاتشر كيف تعمل من أجل استعادة مكانة بريطانيا مستندة إلى الحلف القائم مع الولايات المتحدة من جهة، والعلاقة الجديدة بأوروبا التي بدأت تنمو في العام 1975 من جهة أخرى. جعلت من بريطانيا جسرا بين أميركا وأوروبا. لم يمنعها ذلك من المحافظة على خصوصية المملكة المتحدة التي لم تنضم إلى “معاهدة شنغن”، كما حافظت على عملتها بدل اعتماد “اليورو”.

كشفت نتيجة الاستفتاء بريطانيا. كشفت الأحزاب البريطانية. كشفت خصوصا أنّ الانحدار لم يتوقف منذ العام 1956. كلّ ما هناك أن مارغريت تاتشر عرفت كيف توقفه مؤقتا، وأن تخلق دورا للبلد مبنيّا على اقتصاد من نوع جديد يقوم على الفكر الليبرالي، وعلى تطوير قطاع الخدمات. سمح ذلك للندن بأن تصبح أحد أكبر المراكز المالية في العالم، والمملكة المتحدة مركز استقطاب لكلّ أنواع الصناعات في ظل اقتصاد مرتبط بالعولمة.

هل الجهل الذي حمل أكثرية على التصويت مع الخروج من أوروبا؟

الجواب نعم، لا لشيء سوى لأن الذين صوّتوا مع الخروج لم يجدوا من يشرح لهم النتائج الخطيرة لمثل هذا التطوّر. الأخطر من ذلك، أن المملكة المتحدة تدخل مرحلة ما بعد الاستفتاء من دون رجال دولة… إلا إذا تبيّن أن تريزا ماي، المرشحة لخلافة ديفيد كاميرون على رأس حزب الحافظين وفي موقع رئيس الوزراء، قادرة على أن تكون مارغريت تاتشر أخرى. من الصعب الرهان على تلك المرأة على الرغم من أن لديها مؤهلات كثيرة. ولكن هل من أمل آخر لبريطانيا غيـر رئيس للوزراء يمتلك شخصية رجل دولة، ويعرف في الوقت ذاته ماذا يريد؟

GMT 07:49 2019 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

هل من بضاعة إيرانية جديدة؟

GMT 07:46 2019 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

حرب استنزاف في الجزائر

GMT 10:41 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

هل يبقى لبنان مقاوما لـ"المقاومة"

GMT 08:45 2019 السبت ,27 إبريل / نيسان

أميركا تغيّرت… إيران لم تتغيّر

GMT 07:54 2019 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أميركا تغيّرت… إيران لم تتغيّر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انحدار بريطاني بدأ قبل ستين عاماً انحدار بريطاني بدأ قبل ستين عاماً



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال

GMT 04:49 2018 الأربعاء ,07 آذار/ مارس

إصابة لاعبة جمباز صينية خلال إحدى البطولات

GMT 14:32 2015 الخميس ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعب "البايرن" فرانك ريبيري يؤكد عودته للملاعب قبل 2016

GMT 22:54 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

الفتح يطير إلى تونس لمواجهة الصفاقسي

GMT 00:30 2015 الثلاثاء ,15 أيلول / سبتمبر

جون توشاك يؤكد أن هدف "القنيطري" صعب من مهمة "الوداد"

GMT 16:54 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

رجال "طائرة الأهلي" يخوضون التدريبات على فترتين

GMT 01:23 2014 الجمعة ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

شوقي السعيد يكشف أسباب خلافه مع إدارة "الإسماعيلي"

GMT 20:06 2018 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

إدارة الوداد تصدم لاعبها رشيد حسني
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib