بريطانيا تحتاج إلى نقد للذات

بريطانيا تحتاج إلى نقد للذات

المغرب الرياضي  -

بريطانيا تحتاج إلى نقد للذات

بقلم : خيرالله خيرالله

مرّة أخرى يضرب الإرهاب في قلب بريطانيا. بعد التفجير الذي استهدف حفلة موسيقية في مانشستر، هناك ثلاثة أشخاص كانوا في “فان” حاولوا دهس مارة عند “جسر لندن” ثم نزلوا منه وهاجموا أبرياء مستخدمين سكاكين. كانت الحصيلة سبعة قتلى وعشرات الجرحى بين أناس عاديين ذنبهم الوحيد أن لديهم حبا لثقافة الحياة وتعلّقا بها.

هناك إصرار على الانتقام من دولة حضارية ذنبها الوحيد أنها أظهرت مقدارا كبيرا من التسامح مع الجاليات الأجنبية، ووفّرت لكل طالب لجوء هارب من الأنظمة الدكتاتورية ما يحتاج إليه، بما في ذلك فرص العمل والقدرة على الاستفادة من نظامها التعليمي.

الأكيد أن الإرهاب لن يهزم بريطانيا. ستبقى لندن التي انتخبت رئيس بلدية مسلما من أصول باكستانية، اسمه صديق خان، رمزا لمقاومة الإرهاب.

كان مؤسفا أن صديق خان لم يستطع إظهار استيعابه الكامل لمعنى ما حدث في المدينة بعد الحادث الثاني من نوعه، خلال فترة قصيرة، إذ كان الحادث الأول قرب مجلس العموم.

لكن الأمل يبقى معلقا على وجود مؤسسات بريطانية عريقة تعرف الدفاع عن الديمقراطية التي عمرها مئات السنين. كذلك، تعرف هذه المؤسسات كيف الردّ على الإرهاب بعدم التراجع أمامه والقيام بعملية نقد للذات في مرحلة معيّنة.

ستشمل عملية النقد للذات، التي ربّما بدأت فعلا، مدى التقصير البريطاني في الاستخفاف بظاهرة الإرهاب، خصوصا لدى التساهل مع جماعة مثل الإخوان المسلمين ولدت كل التنظيمات السنّية المتطرّفة من رحمها.

في انتظار كشف هوية المجرمين الذين هاجموا المارة فوق “جسر لندن”، ليس مفهوما بعد كيف يمكن لشاب ليبي في الثانية والعشرين من العمر، هرب والده من نظام معمر القذافي وأمّنت له الدولة البريطانية كل الأسباب التي تجعل منه إنسانا محترما، أن يفجّر نفسه باسم الإسلام في حفلة موسيقية في مانشستر.

لماذا هذا الشاب حاقد كل هذا الحقد على المجتمع الذي تربّى فيه وأمّن له حدا أدنى من الحياة الكريمة في حين كان والده في وضع لا يحسد عليه لو بقي في ليبيا أيام “جماهيرية” القذافي.

هناك جانبان للمشكلة. يتعلق الأول بتساهل السلطات البريطانية مع المدارس والمساجد التي ارتادها هؤلاء الشبان، والآخر برفض السلطات المختصّة اتخاذ إجراءات جذرية في حقّ التنظيمات الإسلامية المتطرّفة. تلك التنظيمات التي ولدت من رحم الإخوان المسلمين تحديدا، بدءا بـ“القاعدة” وصولا إلى “داعش”.

من المضحك المبكي لجوء جماعة الإخوان المسلمين إلى إدانة العمل الإرهابي الذي تعرّضت له لندن لإظهار نفسها في مظهر من لا علاقة له بالأسباب العميقة التي أوصلت قسما من المسلمين في بريطانيا إلى ما وصلوا إليه.

كانت بريطانيا تريد أن تظهر في كل وقت أنها مختلفة، وأن لا حدود للتسامح في المملكة المتحدة التي تعطي جنسيتها لكل من تتوفر لديه الشروط اللازمة للحصول عليها بغض النظر عن الدين والجنس واللون.

هناك قانون يسري على الجميع في بريطانيا، ولكن هذا لا يعني أنه كان ضروريا في كل وقت كلّ هذا التساهل مع الإخوان المسلمين الذين تسلّلوا إلى كل وسائل الإعلام وراحوا يروّجون لأفكارهم، عبر فضائيات تبث من العاصمة البريطانية أو حتّى من خلال هيئة الإذاعة البريطانية “بي. بي. سي”.

في إحدى المرّات، ظهر على شاشة “الجزيرة” من أستوديوهاتها في لندن “شيخ” مصري يدعى هاني السباعي لديه مركز دراسات يدافع بكلّ بساطة عن إرهابي مثل أسامة بن لادن ويروج لأفكاره ولـ“القاعدة”.

ردّ على أحد محاوريه الذين اعترضوا على ما يقوم به بن لادن، الذي كان لا يزال حيّا، بأنه لا يدخل في جدل مع “نصراني”. هكذا، صار كافيا أن يكون المحاور مسيحيا كي لا يعود يستحقّ الرد عليه من السباعي.

نعم حصل ذلك في لندن حيث هناك “شيخ” مصري لا يزال يقيم على حساب دافع الضرائب البريطاني ويسمح لنفسه بالدفاع عن مجرم وإرهابي مثل بن لادن ويرفض الدخول في حوار مع شخص عربي، من منطلق أنّ هذا الشخص مسيحي. لم يقفل مركز الدراسات الذي كان يمتلكه هذا “الشيخ” ويدعى “مركز المقريزي للدراسات التاريخية” إلا في العام 2015. ما هو مؤسف أكثر أن رجلا من هذا النوع نعى مركزه في خطبة لا تزال على “يوتيوب” يهاجم فيها بريطانيا على طريقته وذلك على خلفية نشيد من الأناشيد التي كانت تعتمدها “القاعدة” في حملاتها الإعلامية.

كان هناك في كل وقت في بريطانيا بحث عن هوية جديدة لمملكة يسير فيها الشرطي الملتحي إلى جـانب الشرطي العادي وتستقبلك شرطية محجبة لدى وصولك إلى المطار.

هناك رغبة بريطانية واضحة في تأكيد أن تحولات جذرية طرأت على المجتمع البريطاني الذي صار مجتمعا متنوعا يحق فيه لكل فرد، حتى لو كان شرطيا، إظهار تميّزه، عبر لحية أو ما شابه ذلك. هذا شيء لكن السماح بتسلّل الإرهابيين إلى مواقع حساسة وحمايتهم من ملاحقة دول عـربية معيّنة لهـم يظل شيئا آخر.

لا يمكـن للعمليـات الإرهـابية أن تغيّر شيئا في بريطانيا، بدليل أن الانتخابات النيابية ستجري في موعدها يوم الثامن من حزيران – يونيو. ولكن لا يمكن أيضا للأمور أن تبقى على حالها في بلد يتبيّن فيه يوميا أن المتطرفين باتوا يمتلكون شبكات خاصة بهـم تمكنهم من الحصـول على المـواد المتفجرة التي يحتاجون إليها.

الأخطر من ذلك، كما ظهر من جريمة “جسر لندن”، أن هناك قدرة لدى الإرهابيين على تنظيم صفوفهم. لم تعد العمليات الإرهابية مقتصرة على أفراد يفجرون أنفسهم. هناك ثلاثة اجتمعوا وصعدوا في “فان” وهاجموا الناس الذين كانـوا يعبرون الجسر في منطقـة معـروف أنها تضم عددا كبيرا من المطاعم والملاهي.

هناك بكل بساطة جزء مريض في المجتمع البريطاني المسلم. يقع قسم من المسؤولية في ذلك على السلطات البريطانية نفسها التي أرادت، ربّما، استغلال المعارضة في بعض البلدان لأغراض خاصة بها. غضّت الطرف عن خطورة ما تبثّه فضائيات من لندن، وحتى عن تسلل متطرفين إسلاميين إلى بعض وسائل الإعلام، بما في ذلك “بي. بي. سي” تحت حجة “الرأي والرأي الآخر”. هل تعيد بريطانيا النظر في هذه السياسة التي قد لا تكون بريئة بالضرورة؟

ثمة حاجة إلى إعادة النظر في هذه السياسة، أقلّه من أجل التفرّغ لمعالجة ظاهرة في غاية الخطورة تتمثل في الأسباب التي تدفع شبانا مسلمين من مواليد بريطانيا إلى الالتحاق بـ“داعش” أو القيام بأعمال إرهابية داخل المملكة المتحدة نفسها.

هذا سؤال يصعب في الوقت الحاضر الإجابة عنه، وهو يشمل بالطبع سؤالا آخر من نوع لماذا الباكستاني الذي هاجر إلى بريطانيا في الأربعينات أو الخمسينات أو الستينات من القرن الماضي شخص معتدل، فيما الأبناء يستهويهم أسامة بن لادن ومن هم على شاكلته من الذين صنعهم في الأصل الإخوان المسلمون.

GMT 07:49 2019 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

هل من بضاعة إيرانية جديدة؟

GMT 07:46 2019 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

حرب استنزاف في الجزائر

GMT 10:41 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

هل يبقى لبنان مقاوما لـ"المقاومة"

GMT 08:45 2019 السبت ,27 إبريل / نيسان

أميركا تغيّرت… إيران لم تتغيّر

GMT 07:54 2019 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أميركا تغيّرت… إيران لم تتغيّر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بريطانيا تحتاج إلى نقد للذات بريطانيا تحتاج إلى نقد للذات



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  -

GMT 01:21 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 وجهات أوروبية لقضاء عطلة الصيف
المغرب الرياضي  - أرخص 10 وجهات أوروبية لقضاء عطلة الصيف
المغرب الرياضي  - أخطاء تقعين فيها عند ترتيب مطبخكِ عليكِ تجنّبها
المغرب الرياضي  - رفض دعاوى

GMT 04:49 2018 الأربعاء ,07 آذار/ مارس

إصابة لاعبة جمباز صينية خلال إحدى البطولات

GMT 14:32 2015 الخميس ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعب "البايرن" فرانك ريبيري يؤكد عودته للملاعب قبل 2016

GMT 22:54 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

الفتح يطير إلى تونس لمواجهة الصفاقسي

GMT 00:30 2015 الثلاثاء ,15 أيلول / سبتمبر

جون توشاك يؤكد أن هدف "القنيطري" صعب من مهمة "الوداد"

GMT 16:54 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

رجال "طائرة الأهلي" يخوضون التدريبات على فترتين

GMT 01:23 2014 الجمعة ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

شوقي السعيد يكشف أسباب خلافه مع إدارة "الإسماعيلي"

GMT 20:06 2018 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

إدارة الوداد تصدم لاعبها رشيد حسني

GMT 11:59 2016 الجمعة ,12 شباط / فبراير

السالمية يستضيف اليرموك في الدوري الكويتي

GMT 15:24 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

لاعبة التنس الروسية إيلينا فيسنينا تنتظر مولودها الأول

GMT 05:10 2017 السبت ,23 كانون الأول / ديسمبر

صفقة تبادلية مرتقبة بين الفيصلي وشباب الأردن

GMT 16:10 2017 الإثنين ,29 أيار / مايو

الجيش يعرض 40 ألف دولار لفسخ عقد يونس حمال

GMT 20:08 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

بلاتر يواصل خوض "حرب الشرف" أمام إنفانتينو

GMT 17:16 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

"البايرن" يتوج بطلًا للشتاء بثنائية على "إنغلوشتات"

GMT 09:19 2024 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

إشادة بأداء اللاعب إبراهيم دياز مع المنتخب المغربي
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib