وصية سمير فرنجية

وصية سمير فرنجية

المغرب الرياضي  -

وصية سمير فرنجية

بقلم : خيرالله خيرالله

لم يكن سمير فرنجية ذلك الاستثنائي المتقد ذكاء ومعرفة في شؤون لبنان والعالم العربي فحسب، كان أيضا وقبل كلّ شيء ذلك الإنسان المرهف الحسّ الذي لم يفرّق يوما بين لبناني وآخر، بين مسلم ومسيحي وبين غنيّ وفقير. كان سمير فرنجية في كلّ وقت صادقا مع نفسه، خصوصا في احتقاره للأغبياء، رافضا في الوقت ذاته استغلال موقعه كابن عائلة نافذة في الشمال اللبناني من أجل منصب، أيّا يكن هذا المنصب.

على خلاف معظم الزعماء المسيحيين وغير المسيحيين في لبنان، لم يبع نفسه للشيطان، وما أكثر الشياطين الذين مرّوا على لبنان في حياة سمير فرنجية الذي انطفأ يوم الاثنين الماضي في بيروت في الحادي عشر من نيسان ـ أبريل قبل يومين من ذكرى الثالث عشر من نيسان 1975 يوم اندلاع الحرب اللبنانية. كان بين القلائل الذين فهموا معنى تلك الحرب التي لعب المسلّحون الفلسطينيون، بدفع من النظام السوري، دورا محوريا فيها من جهة، وخطورة قيام الميليشيات الطائفية والخطف على الهوية من جهة أخرى.

كلام كثير قيل في سمير فرنجية. قيل هذا الكلام في حياته وقيل بعد موته الذي لم يكن مفاجئا. لم ييأس سمير فرنجية يوما، على الرغم من معرفته العميقة في شؤون لبنان وما يدور حول لبنان. قرّر أن يستريح، هو الذي كان يستعيد بين فترة وأخرى حيويته من محبّة الأصدقاء وما أكثرهم، من ميشال حاجي جورجيو وساندرا نجيم إلى يوسف الزين ومحمّد مطر وكثيرين غيرهم.

في الإمكان الإتيان على ذكر عشرات الأصدقاء الذين عرفوا سمير فرنجية باكرا، مثل الكاتب والمؤرّخ الفذّ أمين معلوف الذي بدأ حياته يساريا، وانتهى رجلا واقعيا وشاهدا على انهيار الشرق ومدنه، وبيروت بالذات. لكنّ سمير فرنجية يظلّ في نظر الذين عرفوه منذ مطلع سبعينات القرن الماضي ذلك الإنسان المثقّف القادر على التطوّر في استمرار والتعلّم من الحياة. هذه القدرة على التطوّر كانت محطّ إعجاب سمير فرنجية في شخص جورج نقّاش مؤسس جريدة "لوريان" التي عمل فيها في مطلع حياته الصحافية.

كان هناك إعجاب لدى سمير فرنجية بجورج نقّاش الذي كتب مقاله الشهير “سلبيتان لا تصنعان أمّة”، ناعيا فيه لبنان بمسلميه ومسيحييه الذين لم يتمكنوا من الاتفاق يوما على مفهوم للوطن الواحد. نشر المقال في العاشر من آذار – مارس 1949 وكلّف جورج نقّاش ثلاثة أشهر في السجن. لم يحل ذلك دون أن يصبح جورج نقّاش، لاحقا، وزيرا ثلاث مرات وأن يكون سفيرا لبلده في باريس قبل أن يُدمج “لوريان” بجريدة “لو جور” في العام 1971 في عملية تفتّقت عنها عبقرية غسان تويني.

من خلال جورج نقّاش، شاهد سمير فرنجية الانتقال من اليمين إلى الاعتدال والوسطية اللذين كانت تمثلهما الشهابية (نسبة إلى الرئيس فؤاد شهاب)، ذلك أن جورج نقّاش كان بين مؤسسي حزب “الكتائب” مع الشيخ بيار الجميّل في 1936، لكنهّ لم يمكث فيه سوى سنة واحدة. انتهى جورج نقّاش شهابيا يعتقد أن في الإمكان الرهان على لبنان من خلال بناء المؤسسات الوطنية والتعاطي مع كلّ اللبنانيين بلغة التنمية والمدارس والجامعات والقضاء على الفقر والحرمان، فضلا عن الإتيان بأفضل اللبنانيين إلى المواقع الحساسة في الدولة.

بدأ سمير فرنجية حياته يساريا لينتقل مع الوقت إلى الاعتدال وإلى مفهوم الحوار أساسا للتفاهم بين اللبنانيين مع أخذ في الاعتبار للظروف الإقليمية، بما في ذلك الجنون الفلسطيني على الأرض اللبنانية الذي دفع إليه النظام السوري، مثلما دفع هذا النظام منذ البداية أحزابا وتنظيمات مسيحية، ثمّ إسلامية، إلى إقامة ميليشيات خاصة بها.

كان هذا التوجّه إلى الاعتدال والرهان على إمكان إعادة الحياة إلى لبنان من دون الاصطدام بالعامل الإقليمي وراء تلك الصداقة، بل هذا التواطؤ الذي جمع بين سمير فرنجية والرئيس رفيق الحريري. قليلون كانوا يعرفون عن سرّ تلك العلاقة التي كانت تربط بين الرجلين. قليلون جدا كانوا يدركون مدى تفهّم سمير فرنجية لما كان يقوم به رفيق الحريري، حتّى في الذهاب بعيدا في مسايرة النظام السوري ورجالاته في لبنان، من أجل التمكن من إعادة بناء بيروت والانطلاق منها إلى إعادة إعمار لبنان.

سمحت التجارب التي مرّ بها سمير فرنجية للرجل بأن يكون دائما في قلب الحدث، وذلك على الرغم من اتهامه بالنخبوية التي جعلته يرفض التزلّف لأحد. لم يكن قادرا على ذلك بسبب تكوين شخصيته. كان صديقا لوليد جنبلاط من دون أن يكون مضطرا لتأييده في كلّ ما يفعله، على سبيل المثال…

كان اغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005 نقطة تحوّل لدى سمير فرنجية الذي سارع إلى التقاط معنى تظاهرة الرابع عشر من آذار. زاد إيمانه بفكرة الرهان على لبنان من دون أن تغيب عنه التعقيدات التي عرقلت مشروع بناء دولة حديثة، في مقدّمها سلاح “حزب الله” الذي حل مكان السلاح الفلسطيني.

احتفظ سمير فرنجية بنقائه ونبله ولم يفقد يوما إيمانه بلبنان على الرغم من كلّ الخيبات. الأكيد أن ما ساعده في ذلك كانت مواقف البطريرك صفير الذي دفع إلى مصالحة الجبل، وإلى المطالبة بخروج القوّات السورية من لبنان بعد الانسحاب الإسرائيلي في أيّار – مايو من العام 2000 ثمّ إلى قيام لقاء قرنة شهوان الذي مهّد لما أسماه سمير قصير “استقلال 2005” بعد ارتكاب جريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه.

كان سمير فرنجية متصالحا دائما مع نفسه. لم يدخل في مساومات رخيصة، على الرغم من أنّه كان دائما رجل حوار. لم يفه لبنان حقّه. هذا أمر طبيعي في بلد لم يسمح لوالده حميد قبلان فرنجية بالوصول إلى موقع رئيس الجمهورية في العام 1952، على الرغم من أنّه كان أكثر المستحقين لذلك. هذا طبيعي في بلد بقي فيه نسيب لحّود “الرئيس الحلم”، نظرا إلى أنّه كان في استطاعته نقل البلد إلى مكان آخر بعيدا عن المزايدات الرخيصة والمتاجرة بحقوق المسيحيين.

لم يكن سمير فرنجية بعيد النظر فحسب، بل كان مختلفا أيضا. صنع موقعا لنفسه من دون أن يضطرّ إلى السقوط في لعبة الطائفية والدمّ. كان راقيا في كلّ ملاحظاته و”تنكيتة” له وقادرا على التقاط التفاصيل التي تعني له الكثير. تحمّل الكثير في حياته. تحمّل ظلم القريب وظلم كلّ الذين افتروا عليه… لكنّه لم يتحمّل يوما الأغبياء والتافهين والسطحيين الذين يؤلّه اللبنانيون، خصوصا المسيحيين منهم، بعضهم. بقي مؤمنا بأنّ الاعتدال وحده يحمي لبنان ويحمي مسلميه ومسيحييه. تلك، كانت وصية رجل تعلّم من مدرسة ريمون اده أن هناك مبادئ لا يمكن التنازل عنها في أي وقت من الأوقات وفي أي ظرف من الظروف.

GMT 07:49 2019 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

هل من بضاعة إيرانية جديدة؟

GMT 07:46 2019 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

حرب استنزاف في الجزائر

GMT 10:41 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

هل يبقى لبنان مقاوما لـ"المقاومة"

GMT 08:45 2019 السبت ,27 إبريل / نيسان

أميركا تغيّرت… إيران لم تتغيّر

GMT 07:54 2019 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أميركا تغيّرت… إيران لم تتغيّر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وصية سمير فرنجية وصية سمير فرنجية



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  -

GMT 01:21 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 وجهات أوروبية لقضاء عطلة الصيف
المغرب الرياضي  - أرخص 10 وجهات أوروبية لقضاء عطلة الصيف
المغرب الرياضي  - أخطاء تقعين فيها عند ترتيب مطبخكِ عليكِ تجنّبها
المغرب الرياضي  - رفض دعاوى

GMT 04:49 2018 الأربعاء ,07 آذار/ مارس

إصابة لاعبة جمباز صينية خلال إحدى البطولات

GMT 14:32 2015 الخميس ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعب "البايرن" فرانك ريبيري يؤكد عودته للملاعب قبل 2016

GMT 22:54 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

الفتح يطير إلى تونس لمواجهة الصفاقسي

GMT 00:30 2015 الثلاثاء ,15 أيلول / سبتمبر

جون توشاك يؤكد أن هدف "القنيطري" صعب من مهمة "الوداد"

GMT 16:54 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

رجال "طائرة الأهلي" يخوضون التدريبات على فترتين

GMT 01:23 2014 الجمعة ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

شوقي السعيد يكشف أسباب خلافه مع إدارة "الإسماعيلي"

GMT 20:06 2018 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

إدارة الوداد تصدم لاعبها رشيد حسني

GMT 11:59 2016 الجمعة ,12 شباط / فبراير

السالمية يستضيف اليرموك في الدوري الكويتي

GMT 15:24 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

لاعبة التنس الروسية إيلينا فيسنينا تنتظر مولودها الأول

GMT 05:10 2017 السبت ,23 كانون الأول / ديسمبر

صفقة تبادلية مرتقبة بين الفيصلي وشباب الأردن

GMT 16:10 2017 الإثنين ,29 أيار / مايو

الجيش يعرض 40 ألف دولار لفسخ عقد يونس حمال

GMT 20:08 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

بلاتر يواصل خوض "حرب الشرف" أمام إنفانتينو

GMT 17:16 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

"البايرن" يتوج بطلًا للشتاء بثنائية على "إنغلوشتات"

GMT 09:19 2024 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

إشادة بأداء اللاعب إبراهيم دياز مع المنتخب المغربي
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib