تاريخان لانتهاء العراق وسوريا

تاريخان لانتهاء العراق وسوريا

المغرب الرياضي  -

تاريخان لانتهاء العراق وسوريا

بقلم - خيرالله خيرالله

كان “الثامن من آذار” من العام 1963 بداية السقوط الحقيقي والنهائي لسوريا. قاومت سوريا كلّ الانقلابات العسكرية التي بدأت بانقلاب عسكري لشخص غير متزّن اسمه حسني الزعيم في العام 1949. عادت سوريا بعد ذلك إلى حياة سياسية شبه طبيعية بعد الانقلاب الآخر لأديب الشيشكلي. ذهبت في 1958 إلى الوحدة مع مصر، وهي وحدة جلبت لها كلّ أنواع المصائب، بما في ذلك التأسيس لنظام متخلّف، خصوصا أنّ جمال عبدالناصر، الذي يمتلك كمّية لا بأس بها من الغباء والجهل، أخذ سوريا، بعد الوحدة، إلى نظـام أمني رافقته تحولات اقتصادية ذات طابع اشتراكي شكلت بداية لهرب الكفاءات والرساميل السورية من البلد. كان ذلك بين 1958 و1961… إلى أن حصل الانفصال.

شكّل الانفصال، الذي كان المحاولة الأخيرة لإنقاذ سوريا من عقلية العسكرة والتخلف وتحكّم الأجهزة الأمنية بمؤسسات الدولة، تعبيرا عن رغبة في العودة بالبلد إلى وضع طبيعي. قاد هذه الرغبة وعبّر عنها رجال من طينة مأمون الكزبري وناظم القدسي ومعروف الدواليبي، وضباط كبار من سنّة المدن، في معظمهم.

جاء انقلاب “الثامن من آذار” لينهي كلّ أمل في عودة سوريا إلى السوريين وفي بقائها دولة على علاقة بالغرب والشرق في آن، بدل أن تكون في أسر الأوهام التي كان يوزّعها الاتحاد السوفياتي في ظلّ الحرب الباردة.

لم يكن ذلك الانقلاب الذي نفّذه ضباط بعثيون، في معظمهم، في 1963، سوى بداية لاجتياح عقلية القرية للمدينة، سواء أكان ذلك في سوريا أو قبل ذلك في العراق الذي يشهد اليوم مأساة أخرى في التاريخ الأسود الذي بدأ صيف العام 1958. ليس عيبا أن يتعلّم القروي من رحلته إلى المدينة. العيب أن يأتي بكلّ حقده على العالم إليها.

ليست مأساة الموصل التي تسببت بها ميليشيات مذهبية أوصلت “داعش” إلى السيطرة على تلك المدينة صيف العام 2014، سوى نتيجة مباشرة لما حصل في ذلك اليوم المشؤوم، يوم الرابع عشر من تمّوز ـ يوليو 1958. يومذاك، قضى ضباط، أقلّ ما يمكن أن يوصفوا به أنّهم من الجهلة المتعطشين إلى الدمّ، على النظام الملكي الذي كان يمكن أن يمثّل خير ضمانة لانتقال العراق إلى دولة متقدّمة بعيدا عن العسكر وتخلّف حزب البعث والغرائز المذهبية.


انتهى العـراق قبل أن يستولي البعث على السلطة في شباط – فبراير من العام 1963، قبل شهر من استيلاء البعث على السلطة في سوريا. انتهى العراق عمليا في اليوم الذي ارتكبت فيه مجزرة قصر الرحاب والتي ذهب ضحيتها أفراد الأسرة المالكة الهاشمية التي لم تفرّق يوما بين شيعي وسنّي ومسيحي، وبين عربي وكردي وتركماني وأيزيدي…

لم تحصل مقاومة للتخلّف في العراق، إلّا إذا استثنينا سنوات قليلة من حكم أحمد حسن البكر حاول خلالها الاستعانة ببعض الشخصيات من أصحاب الخبرات وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطن في ظلّ المحافظة على ما بقي من إيجابيات خلفها النظام الملكي. على رأس هذه الإيجابيات النظام التعليمي ومستوى الجامعات التي حافظت على حد أدنى من الاستقلالية حتّى إبان حكم صدام حسين.

لكنّ هذه السنوات، التي حاول فيها البكر أن يكون مختلفا، وإن بحدود معينة ضيّقة جدا، كانت وجيزة. بل يمكن القول أن البكر نفسه لم يكن أكثر من ضابط آخر امتلك بعض المنطق لأنّه احتك بالمدينة وسعى إلى اكتساب عادات جديدة بعيدة عن ثقافة إلغاء الآخر.

لم تكن بعض سنوات البكر كافية كي يمكن القول أن العراق خرج يوما من القبضة الأمنية للأجهزة أو للحزب الواحد ذي الفكر الشوفيني… أو هل كانت هناك محاولة حقيقية لإقامة نظام جديد على علاقة بكلّ ما هو حضاري في العالم، بما في ذلك إجراء انتخابات نيابية حرّة، على غرار ما حصل في سوريا بين 1961 و1963 بعد الانتهاء من الوحدة.

كلّ ما يمكن قوله أن العراق انتهى في 1958، فيما انتهت سوريا في 1963. ليس في الإمكان استعادة أي من البلدين، لا لشيء سوى لأنّ المجتمع فيهما تفكّك.

أخذ صدّام حسين العراق إلى الكويت بعد حرب استمرّت ثماني سنوات مع إيران. أمّا سوريا، فدخلت تحت شعارات البعث مرحلة الإعداد لهزيمة 1967 والتخلي عن الجولان لإسرائيل في مقابل بقاء مجموعة معيّنة بالسلطة وحماية النظام. تولت إسرائيل، في الواقع، حماية نظام أمّن لها السيطرة على الجولان من أجل حماية نفسه. جاء بعد ذلك الانتقال إلى النظام العلوي إثر استفراد حافظ الأسد بالسلطة في تشرين الثاني – نوفمبر 1970 ثم إلى نظام عائلي، لم يدرك معنى إثارة حافظ الأسد سنّة الأرياف على سنّة أهل المدن الكبيرة، وذلك عندما خلف بشّار الأسد والده في السنة 2000.

ليس ما يعيشه البلدان العربيان، سابقا، هذه الأيّام سوى نتيجة أحداث مرتبطة بحدثين جاءا في ظلّ غياب الدور المصري الذي يتسم بحدّ أدنى من بعد النظر. حرّض جمال عبدالناصر على العراق وعلى الأسرة الهاشمية التي كانت ترمز إلى وحدة البلد وإلى تطلّعه إلى التطور سياسيا بعيدا عن التجارب الاشتراكية الفاشلة.

في سوريا، تذرّع البعثيون، الذين لعبوا الدور الأساسي في انقلاب الثامن من آذار، الذي سمّي “ثورة العامل والفلاح” بالدفاع عن الوحدة مع مصر وضرورة العودة إليها. لم يكن لدى البعث السوري أي طموح للعودة إلى الوحدة مع مصر.

كلّ ما كان مطلوبا إقامة نظام جديد يضمن سيطرة ضباط علويين على البلد. خدع الضباط العلويون، على رأسهم محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد رفاقهم في البعث في الثالث والعشرين من شباط – فبراير 1966. ما لبث حافظ الأسد أن خدع الجميع في خريف 1970. كان الرجل يستحقّ في نهاية المطاف الجائزة الكبرى، أي السلطة المطلقة باسم العلويين، نظرا إلى أنّه كان وزيرا للدفاع في 1967.

بعد خمسين عاما على الهزيمة، بدأت تظهر النتائج على الأرض. ليس الجولان محتلا وليست الضفة الغربية مع القدس الشرقية، تحت السيطرة الإسرائيلية فحسب، بل هناك أيضا مشرق عربي يتغيّر بسرعة.

من كان يتصوّر أن إيران ستصبح اللاعب الأوّل في العراق وأنّها ستباشر عملية تطهير ذات طابع مذهبي معتمدة على ميليشياتها المذهبية وعلى “داعش”؟

من كان يتصوّر أن سوريا باتت تحت أربعة استعمارات هي الإيراني والروسي والتركي والإسرائيلي؟

من كان يصدّق أن لبنان سيصل إلى يوم لم يعد يستطيع انتخاب رئيس للجمهورية من دون ضوء أخضر إيراني، وأنّ “حزب الله” انضم إلى الحرب التي يشنّها النظام السوري على شعبه؟

عش دهرا، ترى عجبا. ما نشهده هذه الأيّام ليس سوى تأسيس على تاريخين. الأوّل عراقي في 1958 والآخر سوري في 1963. هزيمة 1967 نفسها تأسست على هذين التاريخين وعلى قلة دراية جمال عبدالناصر بالسياسة وموازين القوى ومعنى بقاء الجاليات الأجنبية في مصر، بدل تهجيرها منها والبناء على انتصار وهمي اسمه تأميم قناة السويس في 1956… هل كان تأميم القناة أمّ الكوارث؟

 

GMT 08:06 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

طوق النجاة لمباحثات الخرطوم

GMT 08:03 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

من قراءات الأسبوع

GMT 07:46 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 07:44 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

عيون وآذان (محمد بن زايد يعرف مصالح الإمارات)

GMT 07:42 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

قراءة نيابية في الموازنة قبل المجلس الدستوري

GMT 07:40 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

الإيماءات الدبلوماسية لن تحل المشكلة الإيرانية

GMT 07:38 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إرهاب إسرائيلي يؤيده ترامب)

GMT 07:36 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

سعد الحريري ورفض الأمر الواقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تاريخان لانتهاء العراق وسوريا تاريخان لانتهاء العراق وسوريا



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  -

GMT 01:21 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 وجهات أوروبية لقضاء عطلة الصيف
المغرب الرياضي  - أرخص 10 وجهات أوروبية لقضاء عطلة الصيف
المغرب الرياضي  - أخطاء تقعين فيها عند ترتيب مطبخكِ عليكِ تجنّبها
المغرب الرياضي  - رفض دعاوى

GMT 04:49 2018 الأربعاء ,07 آذار/ مارس

إصابة لاعبة جمباز صينية خلال إحدى البطولات

GMT 14:32 2015 الخميس ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعب "البايرن" فرانك ريبيري يؤكد عودته للملاعب قبل 2016

GMT 22:54 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

الفتح يطير إلى تونس لمواجهة الصفاقسي

GMT 00:30 2015 الثلاثاء ,15 أيلول / سبتمبر

جون توشاك يؤكد أن هدف "القنيطري" صعب من مهمة "الوداد"

GMT 16:54 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

رجال "طائرة الأهلي" يخوضون التدريبات على فترتين

GMT 01:23 2014 الجمعة ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

شوقي السعيد يكشف أسباب خلافه مع إدارة "الإسماعيلي"

GMT 20:06 2018 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

إدارة الوداد تصدم لاعبها رشيد حسني

GMT 11:59 2016 الجمعة ,12 شباط / فبراير

السالمية يستضيف اليرموك في الدوري الكويتي

GMT 15:24 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

لاعبة التنس الروسية إيلينا فيسنينا تنتظر مولودها الأول

GMT 05:10 2017 السبت ,23 كانون الأول / ديسمبر

صفقة تبادلية مرتقبة بين الفيصلي وشباب الأردن

GMT 16:10 2017 الإثنين ,29 أيار / مايو

الجيش يعرض 40 ألف دولار لفسخ عقد يونس حمال

GMT 20:08 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

بلاتر يواصل خوض "حرب الشرف" أمام إنفانتينو

GMT 17:16 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

"البايرن" يتوج بطلًا للشتاء بثنائية على "إنغلوشتات"

GMT 09:19 2024 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

إشادة بأداء اللاعب إبراهيم دياز مع المنتخب المغربي
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib