الغياب الأوروبي… من خلال الانحدار الفرنسي

الغياب الأوروبي… من خلال الانحدار الفرنسي

المغرب الرياضي  -

الغياب الأوروبي… من خلال الانحدار الفرنسي

بقلم : خيرالله خيرالله

كان جاك شيراك آخر رئيس حقيقي لفرنسا. منذ خروج شيراك من قصر الإليزيه في أيار – مايو من العام 2007، فقدت فرنسا ما بقي من مكانة لها على الصعيدين الداخلي والخارجي. فقدت الكثير من بريقها وما كان يسمّى عظمة فرنسا. باتت دولة شبه عادية ليس في استطاعتها سوى لعب أدوار هامشية، حتّى في مناطق كانت تعتبر في الماضي مناطق نفوذ لها.

يستطيع كلّ من يشعر بحاجة إلى التأكّد من ذلك، مراجعة الموقف الفرنسي من النظام السوري، وذلك منذ ما قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005.

لعبت فرنسا، وكان لا يزال شيراك رئيسا، دورها في مجال مساعدة لبنان في الوقوف على رجليه، في وقت كانت إيران تسعى إلى إحلال وصايتها على البلد لملء الفراغ الذي خلفه الانسحاب العسكري السوري بعد شهرين وأسبوع على جريمة تفجير موكب رفيق الحريري.

سيكون صعبا على فرنسا استعادة وضعها. كانت نتائج السياسة الخارجية لنيكولا ساركوزي، الذي خلف شيراك، ذات طابع كارثي أكثر من أيّ شيء آخر. عمل ساركوزي على إعادة تأهيل بشّار الأسد ودعاه إلى باريس. أظهرت فرنسا، على الرغم من كلّ ما تعرفه عن الوضع الداخلي السوري، أنّها دولة تتبع سياسة لا علاقة لها بالمبادئ من قريب أو بعيد. كانت سياسة ساركوزي ومساعديه الأساسيين، في مقدّمهم كلود غيان الذي رافقه عندما كان في وزارة الداخلية وفي قصر الإليزيه، تتسم بالانتهازية ولا شيء آخر غير الانتهازية. ليست الفضائح المالية، بما في ذلك الأموال الليبية، سوى نموذج حيّ على ما كان عليه عهد ساركوزي الذي لم يستطع الحصول على ولاية ثانية.

هل من رئيس فرنسي يملك ذرة من المنطق يدعو بشّار الأسد إلى احتفالات اليوم الوطني الفرنسي، ويراهن في الوقت ذاته على إمكـان إعـادة التعاطي معه وعلى احتمال إخراجه من تحت الهيمنة الإيرانية… في مرحلة ما بعد اغتيال رفيق الحريري ورفاقه؟

كانت لدى جاك شيراك بعض المبادئ. كان يعرف أن النظام السوري، غطّى في أقل تقدير، الجريمة التي كان الهدف الأوّل منها استكمال عملية وضع اليد على لبنان. وهي جريمة لا تزال فصولها مستمرّة إلى اليوم. لم يتراجع عن مواقفه قيد أنملة. كان بعيد النظر إلى درجة أنه حذرّ جورج بوش الابن من اجتياح العراق. كان يعرف تماما ماذا يعني القيام بعملية عسكرية من هذا النوع من دون إعداد كاف لمرحلة ما بعد صدّام حسين ونظامه.

جاء نيكولا ساركوزي ليضع فرنسا في موقع الدولة الأوروبية المستعدة لكلّ أنواع المساومات. بالنسبة إليه، كلّ شيء قابل للبيع والشراء. بدأ في عهده الانحدار الفرنسي الذي بلغ ذروته في عهد فرنسوا هولاند الذي لم يتجرّأ على خوض الانتخابات من أجل ولاية ثانية. هذا حدث نادر في تاريخ الجمهورية الفرنسية. تكفي قراءة للكتاب الممتع الذي وضعته فاليري تريفيلير، التي كانت رفيقة هولاند في السنوات الأولى من عهده الرئاسي لاكتشاف من هذا الرجل الذي وصل إلى السلطة بصفة كونه “اشتراكيا”. من بين ما تورده تريفيلر، التي أقامت في البداية مع هولاند في الإليزيه، أن الرئيس الاشتراكي يحتقر الفقراء ويصفهم بأنّهم “بلا أسنان”. كتبت تلك المرأة التي ترك هولاند رفيقته السابقة سيغولين رويال من أجلها، علما أن لديه منها أربعة أولاد، أن الرئيس “الاشتراكي” لا يرتاد إلا المطاعم الفاخرة ذات النجوم التي منحه إياها دليل المطاعم “ميشلان”.

يختزل ساركوزي وهولاند ما آلت إليه فرنسا وربّما أوروبا كلّها. لم يعد لأوروبا دور على الصعيد العالمي. تبقى ألمانيا الاستثناء الوحيد. لكن لهذه الدولة التي تمتلك اقتصادا قويّا حسابات خاصة بها تجعل سياساتها تتّسم بالحذر الشديد في كلّ مناطق العالم. لعلّ أفضل تعبير عن هذه السياسات الألمانية شخصية المستشارة أنجيلا ميركل التي تفادت أيّ مواجهة مع فلاديمير بوتين الذي لم يتردّد في تحدي العالم، عبر أوكرانيا وإرسال سلاحه الجوّي إلى سوريا. إلى ذلك، فضلت ميركل اتخاذ مواقف متذبذبة من المأساة السورية ومن تركيا ومن المشروع التوسّعي الإيراني، كاشفة أنهّا لا تعترف سوى بالمصالح الألمانية وكيفية حمايتها بعيدا عن أيّ أوهام أوروبية.

سيسير الوضع الأوروبي من سيّء إلى أسوأ. سيخلف هولاند فرنسوا فيّون على الأرجح، وهو رجل باهت لا علاقة له من قريب أو بعيد بمبادئ الجمهورية الفرنسية، خصوصا أنّه من الذين سقطوا في فخّ الاعتقاد أن النظام السوري يشنّ حربا على الإرهـاب، في حين أنّـه يشنّ حربا على شعبه… وقـد تنحدر أكثر باتجاه مارين لوبين!

انتهى زمن الزعماء الكبار في أوروبا. كشفت سوريا كم صارت فرنسا صغيرة. وكشف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إثر استفتاء الصيف الماضي، كم أن هذا البلد صار عاديا وكم أنّ هموم البريطانيين صارت داخلية.

من بين ما تميّزت به السنوات الثماني لعهـد باراك أوباما ذلك الابتعاد عن أوروبا. لم تعد للولايات المتحدة أي اهتمامات أوروبية تذكر. لم يعد حلف الأطلسي في صلب السياسة الأميركية. ترك أوباما فلاديمير بوتين يفعل ما يشاء في أوروبا وخـارج أوروبـا، ويتركه يحوّل حلف الأطلسي إلى مهزلة، خصوصا عندما رفض إقامة علاقات متميّزة مع تركيا. جعل ذلك الرئيس رجب طيب أردوغان في حال من اللاتوازن يُعتبر التقارب بينه، من جهة، وبين روسيا وإيران من جهة أخرى أفضل تعبير عنها.

في ظلّ غياب الاهتمام الأميركي، لم تستطع أوروبا استعادة مكانتها الدولية. زاد في الطين بلّة غياب الزعامات الأوروبية. لم يعد الأمن الأوروبي – الأميركي أمنا واحدا وذلك للمرّة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية. هل إلى هذا الحد غيّر باراك أوباما العالم، إلى حدّ لم تعد فرنسا فرنسا، وبات في الإمكان الاعتقاد أن الاتحاد السوفياتي خرج رابحا من الحرب الباردة، وأن فلاديمير بوتين بات قادرا على الانتقام لسقوط جدار برلين، وأن إيران تستطيع أن تتمدّد إلى حيث تشاء من دون حسيب أو رقيب، وصولا إلى الشاطئ اللبناني، مرورا بحلب وحماة وحمص وبيروت.

GMT 07:49 2019 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

هل من بضاعة إيرانية جديدة؟

GMT 07:46 2019 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

حرب استنزاف في الجزائر

GMT 10:41 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

هل يبقى لبنان مقاوما لـ"المقاومة"

GMT 08:45 2019 السبت ,27 إبريل / نيسان

أميركا تغيّرت… إيران لم تتغيّر

GMT 07:54 2019 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أميركا تغيّرت… إيران لم تتغيّر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الغياب الأوروبي… من خلال الانحدار الفرنسي الغياب الأوروبي… من خلال الانحدار الفرنسي



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال

GMT 04:49 2018 الأربعاء ,07 آذار/ مارس

إصابة لاعبة جمباز صينية خلال إحدى البطولات

GMT 14:32 2015 الخميس ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعب "البايرن" فرانك ريبيري يؤكد عودته للملاعب قبل 2016

GMT 22:54 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

الفتح يطير إلى تونس لمواجهة الصفاقسي

GMT 00:30 2015 الثلاثاء ,15 أيلول / سبتمبر

جون توشاك يؤكد أن هدف "القنيطري" صعب من مهمة "الوداد"

GMT 16:54 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

رجال "طائرة الأهلي" يخوضون التدريبات على فترتين

GMT 01:23 2014 الجمعة ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

شوقي السعيد يكشف أسباب خلافه مع إدارة "الإسماعيلي"

GMT 20:06 2018 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

إدارة الوداد تصدم لاعبها رشيد حسني
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib